< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/06/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: وجوب السعي
 البحث في مسائل السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة، وتعرض السيد الماتن في الفرع الأول من المسألة الأولى إلى أصل وجوب السعي، والسعي بالإضافة إلى أنه واجب هو ركن بمعنى إذا ترك عمداً بطل الحج والعمرة.
 ركنية السعي هو طبق للقاعدة ولا يحتاج إلى دليل خاص كالإجماع أو رواية خاصة، لأنه إذا كان الشيء واجباً وترك عمداً، يبطل بذلك أصل العمل.
 وعلى هذا الأساس كل أحكام الحج فإن أي عمل إذا كان يفيد بأنه إذا ترك عمداً لا يبطل بذلك أصل العمل.
 وللإثبات هذا المطلب ذكرنا كلمات الفقهاء، وبعدها عرضنا الآية الشريفة من سورة البقرة آية 158، وهي قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَليم [1] .
 وقلنا إن البعض يقولون أن الآية الشريفة تدل على الاستحباب، وقلنا إن هذا الإدعاء غير صحيح، ونقول كذلك أن الآية الشريفة لا تدل على وجوب السعي، إلاّ أن ذيل الآية: وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَليم. يدل على الوجوب، على أن نحمل وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً على معنى الإطاعة. لا يقال أن التطوع صرفاً بمعنى الاستحباب لا بمعنى إطاعة الأمر الوجوبي، لذا فإن أشخاص كأحمد بن حنبل اعتبروا إن السعي مستحب تمسكاً بظاهر الآية.
 فإنا نقول: ورد التطوع في القرآن الكريم في موضعين أحدهما هو ما نحن فيه، والآخر في باب الصيام يقول الله (عزوجل): أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (يجب القضاء عوضاً عنهم) وَ عَلَى الَّذينَ يُطيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [2] .
 فسر البعض معنى يُطيقُونَهُ بالأشخاص الذين لديهم طاقة، وهذا تفسير خاطئ إذا لماذا يدفع الكفارة من يستطيع الصيام؟ على هذا الأساس قالوا إن الفرد مخير بين الصيام وبين دفع الكفارة. مع أن يُطيقُونَهُ في اللغة تعني نهاية الطاقة الذي يكون مصاحباً للعسر والحرج أي أن الأشخاص الذين يكون لهم الصيام فيه عسر وحرج، ككبار السن حيث يمكنهم الصيام لكن يقعون في مشقة كبيرة هؤلاء مثل المريض والمسافر، عليهم دفع الفدية وليس عليهم الصوم، وقد عبرت الروايات عن هذه الفئة بـ (يضعف عن الصيام) أي أن الصيام يضعفه ويجعله عاجزاً.
 وذيل الآية: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ تضم صغرى وكبرى.
 الكبرى هي كل من أطاع فهو عمل خير له والصغرى هي الصوم خير لكم وعلى هذا فإن الصوم من مصاديق مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً، من هنا فإن التطوع استعمل في الوجوب لأن الصوم واجب والصوم من مصداق.
 
 تاريخ تطور السعي:
 نقول بداية: إن الحج هو مجموعة إعادة ذكريات حياة النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام)، والسعي هو جزء من هذه المسألة.
 إحدى حقائق السعي هو إعادة ذكريات هاجر زوجة النبي إبراهيم (عليه السلام)، عندما ترك النبي إبراهيم (عليه السلام) زوجته هاجر وابنه الرضيع في تلك الأرض. حيث أصبحت وحيدة ونفذ الماء منها فقد شعرت بالاضطراب لعدم وجود أحد. وقفت في الصحراء قرب جبل الصفا فترى لها سراب فاعتقدت أنه ماء فراحت تركض نحو جبل المروة ثم رأت ذلك السراب من جهة الصفا، فكررت هذا الأمر سبع مرات حتى تعبت وجلست جانباً فتفجر ماء زمزم بقربها وارتوت منه.
 فتجمعت الطيور للشرب منه، فلتفت القوافل لتجمع الطيور فعرفت أن هناك ماء فتوجهت نحو ذلك المكان.
 فِي الْعِلَلِ عَنْ علی بن إبراهيم عن أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا خَلَّفَ إِسْمَاعِيلَ بِمَكَّةَ عَطِشَ الصَّبِيُّ وَ كَانَ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ شَجَرٌ فَخَرَجَتْ أُمُّهُ حَتَّى قَامَتْ عَلَى الصَّفَا فَقَالَتْ هَلْ بِالْوَادِي مِنْ أَنِيسٍ (هل من حيِ بهذه الأرض) فَلَمْ يُجِبْهَا أَحَدٌ فَمَضَتْ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى الْمَرْوَةِ فَقَالَتْ هَلْ بِالْوَادِي مِنْ أَنِيسٍ فَلَمْ تُجَبْ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى الصَّفَا فَقَالَتْ كَذَلِكَ حَتَّى صَنَعَتْ ذَلِكَ سَبْعاً فَأَجْرَى اللَّهُ ذَلِكَ سُنَّةً [3] .
 على هذا الأساس فإن سنة السعي هي إعادة أحياء حركة النبي إبراهيم (عليه السلام) الذي قال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتي‌ بِوادٍ غَيْرِ ذي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ [4] .
 الذي توكل على الله في هذه الحالة وهذا درس لنا بأن نتوكل على الله وأن لا يأس بسرعة وبأن نعلم أن الله عوننا ومعيننا وأننا لسنا وحيدين.
 الوجه الثاني: في حقيقة السعي أن النبي إبراهيم أتى تلك الأرض بجانب جبل الصفا ووقعت عينه على الشيطان، فسعى لكي ليتخلص من شبك الشيطان خوفاً من وسوسته، فذهب إلى المروة فرآه هناك ثم عاد مكانه فرآه مجدداً، حتى كرر هذا الفعل سبع مرات، وقد ورد في الرواية أن جبرائيل جاء وطرد الشيطان والراوية هي:
 علی بن ابراهیم عن أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ صَارَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) عَرَضَ لَهُ إِبْلِيسُ فَأَمَرَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) فَشَدَّ عَلَيْهِ (أمر الله جبرائيل ليلاحق إبليس أو أن جبرائيل أمر إبراهيم (عليه السلام) ليلاحق إبليس) فَهَرَبَ مِنْهُ (الشيطان) فَجَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ [5] .
 الرواية الثانية عشرة، بنفس المضمون.
 على أي حال لا منافاة بين الواقعتين، لأنه من الممكن أن تكون قد حدثت الواقعتين في زمانيين مختلفين.
 
 الروايات الدالة على الوجوب:
 وردت الروايات في أربعة أبواب وهي عبارة: الباب 1 من أبواب السعي الرواية 6، 7.
 الباب 8 والباب 15 وهذه الروايات تشكل مجموعة كبيرة، تدل بالدلالة المطابقية والتضمنية والالتزامية على وجوب السعي.
 طبعاً كثير من هذه الروايات تعاملت مع وجوب السعي بين الصفا والمروة كأمر مسلماً به، ولا يوجد كلام عن وجوبه، كأن وجوبه موجود في أذهانهم.
 أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ فَرِيضَةٌ أَمْ سُنَّةٌ فَقَالَ فَرِيضَةٌ .. [6] .
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَالَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ فَرِيضَةٌ [7] .
 وهذا الحديث هو خلاصة الحديث السابق.
 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثِ قَصْرِ الصَّلَاةِ قَالَ أَوَ لَيْسَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ الطَّوَافَ بِهِمَا وَاجِبٌ مَفْرُوضٌ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ وَ صَنَعَهُ نَبِيُّهُ [8] .
 في هذه الرواية يسأل الراوي إذا كان القصر في الصلاة واجباً وقد قال الله (عزوجل): لا جناح، والإمام (عليه السلام) في جوابه استدل بوجوب السعي بين الصفا والمروة، حيث استخدمت نفس الكلمة للدلالة على الوجوب.
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي رَجُلٍ تَرَكَ السَّعْيَ مُتَعَمِّداً قَالَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ [9] .
 الرواية صحيحة، وهي تدل على أن السعي ركن بالإضافة إلى أنه واجب.
 يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) مَنْ تَرَكَ السَّعْيَ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ [10] .
 الظاهر أن هذه الرواية هي نفس الرواية السابقة، بالأخص أنها نفسها الإسناد، ونفس الإمام، ونفس المضمون.
 في الباب الثامن هناك ثلاث روايات ترجع إلى حالة النسيان، حيث إذا نسي السعي يجب الرجوع، وهذه الروايات تدل بالدلالة الالتزامية على وجوب السعي.
 كذلك في الباب عشرة، وردت خمس روايات تدل بالدلالة التضمنية والالتزامية على وجوب السعي.
 مثلاً: يسأل الراوي: عن رجل بدأ السعي من المروة، فيجيبه الإمام (عليه السلام): يتركه، ويبدأ من الصفا، فعندما يكون رعاية الترتيب واجب، فإن أصل السعي بالتالي واجب أيضاً.
 والروايات الدالة على وجوب السعي بين الصفا والمروة، متضافرة أو هي كالمتواترة.


[1] سورة البقرة، الآية: ۱۵۸.
[2] سورة البقرة، الآية: ۱84.
[3] وسائل الشیعة، ج 9، ص512، أبواب سعي، باب 10، حدیث 10.
[4] سورة إبراهيم، الآية: 38.
[5] وسائل الشیعة، ج 9، ص513، أبواب سعي، باب 10، حدیث 11.
[6] وسائل الشیعة، ج 9، ص511، أبواب سعي، باب 1، حدیث 6.
[7] وسائل الشیعة، ج 9، ص511، أبواب سعي، باب 1، حدیث 1.
[8] وسائل الشیعة، ج 9، ص512، أبواب سعي، باب 1، حدیث 7.
[9] وسائل الشیعة، ج 9، ص523، أبواب سعي، باب 7، حدیث 1.
[10] وسائل الشیعة، ج 9، ص523، أبواب سعي، باب 7، حدیث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo