< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 يقول الإمام الهادي (عليه السلام) في عبارة قصيرة، ذات معنى كبير: الْمُصِيبَةُ لِلصَّابِرِ وَاحِدَةٌ وَلِلْجَازِعِ اثْنَتَانِ [1] .
 عندما تصيب أحداً مصيبة، فتارة يصبر، وتارة يجزع، فالذي يصبر مصيبته واحدة، والذي يجزع مصيبته اثنتان.
 والذين يصبرون ينالون أجر الصابرين، والذين لا يصبرون فهم يفقدون أجر الصابرين، ويواجهون بلايا متعددة، وعندما يقول الإمام (عليه السلام): إن لهم مصيبتان فهي إشارة إلى أصل هذه المسألة، أما فروع هذه المسألة والمشكلات التي يعانوها فأكثر من هذا الحد بكثير.
 الذي يجزع يؤذي نفسه أولاً، حتى أنه من جزعه قد يؤدي به إلى الحسرة، يضاف إلى ذلك أن بتصرفه هذا يقلل من فرص الحل لمشكلته، كالذي يفلس ويجزع فينكر بالانتحار أو بأذية نفسه أو بالبكاء وكل هذه الأمور لا يمكنها أن تحل المشكلة، ولكن إذا صبر وفكر بالتعويض عن خسارته فمن الممكن أن يجد حلاً لمشكلته.
 وقد ضربنا سابقاً مثالاً لذلك وهو الطير الذي يدخل الغرفة فيجد نفسه أنه في بيئة مغلقة فيجزع فيبدأ بضرب نفسه بالحائط والباب، حتى في بعض الأحيان يفتح له شخص النافذة ولكنه لا يخرج منها، في حال إذا فكر هذا الطير لأمكنه أن يخرج من المكان الذي دخل منه أو من النافذة بسهولة، والإنسان يمكنه مع عدم الجزع أن يجد طرقاً للحل مشكلته كذلك.
 وهذه المسألة تصدق على الفرد والمجتمع فالمجتمع الذي يعاني من مشكلة كمشكلة العقوبات، أو مشكلة مواجهة الأعداء أو مشكلة سعي عملاء الخارج للإيجاد الفوضى في الداخل، فإذا كان المجتمع في حالة الاضطراب وجزع فسوف لن يتمكن من إيجاد أي حل للمشكلة، ولكن إذا فكر بشكل صحيح فإن الله وضع لكل مشكلة حلاً، عندها يتمكن أن يجد حلاً بلطفٍ من الله.
 طبعاً أشارت الرواية إلى جانباً من الصبر والجزع وهناك رواية أخرى تقول: ن يجد حلاً بلطفٍ من الله.
 
 إِنَّكَ إِنْ صَبَرْتَ جَرَتْ عَلَيْكَ الْمَقَادِيرُ وَ أَنْتَ مَأْجُورٌ وَ إِنَّكَ إِنْ جَزِعْتَ جَرَتْ عَلَيْكَ الْمَقَادِيرُ وَ أَنْتَ مَأْزُورٌ [2] .
 أي إن المقادير سوف تجري شاء الإنسان أو أبى والإمام (عليه السلام) يقول في الرواية المذكورة: إذا جزت ستجري عليك المقادير وأنت مأزور أي مأثوم، الذين يجزعون من هذه المقادير فهم يعترضون على الله، قد يتركون الصلاة لذلك، في حين أن هذه المصيبة قد تكون مقدمة للترقي، الله (عزوجل) سمى قصة يوسف بأحسن القصص، لأن وقوع يوسف في الجب وحبسه أديا إلى أن يصل النبي يوسف (عليه السلام) إلى عرش السلطة مع كل هذا الجاه والجلال.
 فالمشكلات قد يكون ظاهرها مشكل ولكن باطنها نعمة إلهية ولكننا غافلين عن ذلك، فأن هذه الصعوبات كالدواء المر الذي ينتج عنه الشفاء ومن الممكن أن يكون الله قد ضاعف هذه المشكلات ليعرف الإنسان بأنه أكثر.
 
 كلمة عن شخصية الشيخ الكليني:
 يوم التاسع عشر من اردبيهشت هو ذكرى وفاة الشيخ الكليني (رحمه الله)، للأسف لم يدون تاريخ ولادته، لكن فيما يرجع إلى وفاته فقد قالوا أنه في شهر شعبان 329هـ، وقد ذلك فوجدوه أنه يطابق شهر اردبيهشت حسب التاريخ الشمسي، ولكن لماذا ثم اختيار يوم التاسع عشر منه فها يحتاج إلى تدقيق.
 الكليني من كبار علماء الشيعة، يقول عنه العلامة المجلسي ـ وهو من أكابر العظماء ـ لم يأت مثله في علماء الشيعة، وكان احترام أهل السنة، ويعتبر من مجددي المذهب في القرن الثالث الهجري، وعاش تسع وعشرين سنة في القرن الرابع الهجري، ولكن بما أن معظم عمره كان في القرن الثالث لذا عدوه من علماء القرن الثالث.
 عاصر الكليني بعض النواب الأربعة من الغيبة الصغرى، ويحتمل أن يكون كتابه الكافي قد وصل إلى الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) من خلال أحد نوابه، وأن يكون قد صدق منه، وهذا احتمال قوي وليس هناك دليل قطعي على ذلك وليس ببعيد أن يصل مثل هذا الكتاب المهم للإمام (عجل الله فرجه الشريف).
 (كلين) هو اسم للقرية تبعد حوالي أربعين كيلومتر عن مدينة الري، حيث سكن الكليني هناك مدة من الزمن، واشتغل بالدرس والتدريس، وبعدها غادر إلى مركز النشاط العلمي للشيعة وأهل السنة في بغداد، وكان ذلك في عصر أحد الحكام العباسيين.
 وكتب الكافي في عشرين سنة، وقد ذكر في مقدمة الكافي أن أحد الأصدقاء جاءه وقال له أن الشيعة تائهون في المسائل العقائدية والعملية، ويعملون ما في أذهانهم، فأحس بالمسؤولية وأنشغل ليجمع الأحاديث المعتبرة حيث قضى في ذلك عشرين عاماً، فالعالم هو الذي يملئ الفراغ، لا الذي يؤلف ما يخطر في باله.
 هناك في مقدمة الكافي مطلباً يدل على رؤيته المستقبلية الواضحة حيث قال كتبت هذا الكتاب قد أكون شريكا للذين يقرؤونه إلى نهاية الدنيا، فقد رأى بعين ثاقبة أن كتابه سيكون له قيمة إلى آخر الدنيا، البعض يعتقد أن بظهور الإمام (عجل الله فرجه الشريف) فأن هذا الكتاب تنتفي فائدته، وهذا الاعتقاد باطل، فهو وأن كان سيأتي بأشياء جديدة ولكن ستبقى قيمة الكتب السابقة محفوظة.
 لقد كان كتابه مثل هكذا كتاب في ذلك الزمان مهم جداً لأن الأحاديث كانت متناثرة وغير منظمة، حيث كانت تعتمد على وثاقة الراوي، ووثاقة الكتب الصغيرة الحجم، حتى جمعت هذه الأحاديث.
 بالأخص للذي كان يعيش في مدينة الري ولم تكن هذه الكتب متوفرة له، فإن هذا يتطلب جهداً مضاعفاً، حتى أن الكثير قد كتبوا كتباً بعد الكافي ولكن لم يكن له قيمة ككافي التي استمرت قيمته محفوظة كما كانت، فبرغم من كتابة كتب كبحار الأنوار، وسائل الشيعة، والوافي وغيره، فإن ذلك لم ينزل من قيمة كتاب الكافي.
 نعم قد يكون هناك بعض الثغرات في كتاب الكافي، لكنه في الواقع كان عملاً عظيماً.
 * * *
 عنوان البحث: السعي سبعة أشواط
 السيد الماتن في الفرع الثاني من المسألة الأولى من مسائل السعي يقول: ويجب أن يكون سبعة أشواط، من الصفا إلى المروة شوط، ومنها إليه شوط آخر.
 
 أقوال العلماء:
 هذا القول في مقابل قول للأحد أهل السنة حيث اعتبر أن الذهاب والإياب شوطاً، أما عند الشيعة فقد أدعى الإجماع المحصل والمستفيض.
 يقول صاحب الرياض: والسعي بینهما سبعا یعد ذهابه إلی المروة شوطا وعودة منها إلی الصفا آخر وهکذا إلی أن یکملها سبعا کل ذلك بالإجماع الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفیضا [3] .
 يقول الفاضل الأصفهاني: و السعي سبعة أشواط بالإجماع و النصوص من الصفا إليه شوطان (من الصفا إلى الصفا، ذهاباً وإياباً) لا شوط کما حکی عن بعض العامة للإجماع و النصوص [4] .
 يستفاد من حاشية كشف اللثام أن المقصود من بعض العامة هو السرخسي وهو أحد علماء أهل السنة ـ في كتابه المجموع.
 وقد نقلنا سابقاً عن صاحب الحدائق قوله: هو (أنه سبعة أشواط وأن الذهاب الإياب شوطان) قول علمائنا اجمع بل قول کافة أهل العلم إلا من شذ منهم کما نقله فی المنتهی [5] .
 وينقل صاحب المستند ما يشبه هذه العبارة ويدعي الإجماع على ذلك [6] .
 
 دليل المسألة:
 دلالة الروايات: هذا الحكم بالإضافة إلى الإجماع، يصل إلى درجة الضرورة الدينية، وهناك كثير من الروايات في ذلك:
 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي سَمَّاكٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) ... ثُمَّ طُفْ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ تَبْدَأُ بِالصَّفَا وَ تَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ [7] .
 الرواية أولاً تصرح بأن الأشواط سبعة، وأنه يجب البدا بالصفا والختم بالمروة، وهذا علامة على أن من الصفا إلى المروة شوطاً، ومن المروة إلى الصفا شوطاً آخر، وإذا كان من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا شوطاً للازم أن يكون نهاية الأشواط عند الصفا لا المروة.
 الحديث الثاني نفس مضمون هذا الحديث مع اختلاف بسيط، روي الحديثان معاوية بن عمار.
 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ‌ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَعَيْتُ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ أَنَا وَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ (يحتمل أنه كان من علماء السنة) فَقُلْتُ لَهُ تَحَفَّظْ عَلَيَّ (تحصي عني الأشواط أنه كان من علماء السنةمع اختلاف بسيط، روي الحديثان معاوية بن عمار.ل السنة ـ في كتابه المجموع.ع المحصل والمستفيض.لكافي ول) فَجَعَلَ يَعُدُّ ذَاهِباً وَ جَائِياً شَوْطاً وَاحِداً فَبَلَغَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَعُدُّ قَالَ ذَاهِباً وَ جَائِياً شَوْطاً وَاحِداً فَأَتْمَمْنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطاً فَذَكَرْنَا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقَالَ قَدْ زَادُوا عَلَى مَا عَلَيْهِمْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْ‌ءٌ [8] .
 عندما أدوا أربعة عشر شوطا، سأل هشام الإمام (عليه السلام) فقال له: قد زادوا على ما عليهم ليس عليهم شيء، وهذا يدل على أن الزيادة عن جهل لا تضر (وأن كان سنذكر لاحقاً أن الزيادة العمدية فيها إشكال).
 في الباب 15 هناك خمس روايات تدل على المدعى مع اختلاف وهو أنه لا تذكر أي شيء عن أن الأشواط سبعة وإنما تذكر أن السعي يجب أن يبدأ من الصفا ويختم بالمروة، وهذه الروايات تدل بالملازمة على أن السعي سبعة أشواط.
 وللبحث صلة.


[1] بحار الأنوار، ج 75، ص 326.
[2] بحار الأنوار، ج 68، ص 92.
[3] رياض المسائل، ج14، ص117.
[4] كشف اللثام، ج6، ص8.
[5] حدائق الناضرة، ج 16، ص 267.
[6] مستند الشیعة، ج 12، ص 169.
[7] وسائل الشیعة، ج 9، باب 11 من أبواب سعی، حدیث 1.
[8] وسائل الشیعة، ج 9، باب 6 من أبواب سعي، حدیث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo