< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/06/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حكم الجاهل بصلاة الطواف
 البحث في المسألة الرابعة من مسائل صلاة الطواف، وبحثنا في آخر فرع من فروع المسألة وهو الفرع الخامس، الفروع الأربعة الأول تتعلق بالناسي أي بالشخص الذي نسي صلاة الطواف، ولكن هذا الفرع يتعلق بالجاهل الذي لا يعلم أن صلاة الطواف واجبة.
 يقول السيد الماتن في هذا الفرع: والجاهل بالحكم بحكم الناسي في جميع الأحكام.
 يقول السيد الماتن إن حكم الجاهل كالناسي أي إذا لم تكن هناك مشقة فعليه الرجوع والصلاة عند المقام، وإذا كانت هناك مشقة فيصلي في المكان الذي هو فيه، والتوكيل هنا فيه إشكال.
 
 أقوال العلماء:
 تعرض كثير من الفقهاء لهذه المسألة، يقول صاحب المستند: الجاهل کالناسی وفاقا لصریح جماعة [1] .
 وقد جاء في حاشية المستند أسماء لتلك الجماعة حيث ذكر في الحاشية: مراده من الجماعة صاحب جامع المقاصد وصاحب المدارك والذخيرة وكشف اللثام (حتما فقد قال بذلك غير هؤلاء).
 يقول صاحب الحدائق: والظاهر إلحاق حکم الجاهل بالناسي [2] .
 وقد عبر صاحب الجواهر عن هذا الأمر بأنه من باب إرسال المسلم حيث يقول: والجاهل كالناسي في الحكم المذكور [3] .
 نقول هنا: يجب على المكلف أن يحتاط فيصلي في بلده صلاة الطواف، ثم يوكل من يطوف عنه ويصلي صلاة الطواف لرعاية الموالاة.
 وفي المحصلة إن هذا الحكم ليس إجماعياً، لأن الكل لم يتعرض لهذه المسألة، والجماعة التي تعرضت له اتفقت أقوالهم على إن الجاهل في حكم الناسي.
 مقتضى القاعدة:
 على أساس القاعدة فإن الجاهل ليس معذوراً إلاّ إذا كان الجاهل قاصراً فإنه معذور تكليفاً لا وضعاً.
 لذا فإن الذي لم يعلم بأن عليه الوضوء للصلاة وصلى بدون وضوء فإن صلاته باطلة.
 لقد قلنا مراراً بأن الأحكام واقعية لا يغيرها علمنا وجهلنا، فالدم نجس سواء علمنا أو لم نعلم، وكذلك ركعتي الطواف فإنها واجبة سواء أكان الشخص عالماً بالحكم أو لم يعلم، لذا فإذا كان الشخص جاهلاً ولم يصلِ صلاة الطواف فإن عليه عندما يتذكر أن يرجع ويصلي عند مقام إبراهيم سواء أكان الرجوع عليه صعباً أو لا.
 ويختلف حكم الناسي لأن الناسي للروايات الواردة يمكنه عدم الرجوع ولا يمكننا قياس الجاهل عليه.
 حتى أن حكم الناسي لولا وجود الروايات هو وجوب الرجوع عند التذكر والصلاة عند المقام.
 لذا فإن الجاهل طبقا للقاعدة لا يمكنه أن يصلي صلاة الطواف في بلده، فتبقى ركعتي الطواف في ذمته حتى رجوعه إلى مكة، فإذا رجع وجوب عليه الصلاة عند المقام، إلاّ إذا كان رجوعه إلى مكة فيه عسر وحرج، فعنئذٍ لا يسقط عنه الحكم تكليفا بل يبقى في ذمته فمثل الشخص المدين الذي لا يستطيع أداء الدين، فإن عدم استطاعته لا توجب إبراء ذمته من الدين.
 
 دلالة الروايات:
 هناك رواية واحدة في المقام، حيث أفتى الجميع على أساسها.
 بِإِسْنَادِهِ (اسناد صدوق) عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) أَنَّ الْجَاهِلَ فِي تَرْكِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ بِمَنْزِلَةِ النَّاسِي [4] .
 وقد الحق صاحب الجواهر روايات أخرى بهذه الرواية حيث قال: إن مقتضى اطلاق النصوص الحاق الجاهل بالناسي. طبعاً فإنه لم يذكر هذه النصوص المطلقة، ولكنه جاء في حاشية الجواهر ثلاث روايات ولعل مقصوده هذه الروايات الثلاث، ونحن سنذكر هذه الروايات ثم نحقق دلالتها وإطلاقها.
 مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) قَالَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ وَ لَمْ يُصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ ثُمَّ طَافَ طَوَافَ النِّسَاءِ وَ لَمْ يُصَلِّ لِذَلِكَ الطَّوَافِ حَتَّى ذَكَرَ وَ هُوَ بِالْأَبْطَحِ قَالَ يَرْجِعُ إِلَى الْمَقَامِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ [5] .
 لا يتضح من صدر الرواية أنها ترجع إلى الجهل أو النسيان، ولكن عبارة (حتى ذكر وهو بالأبطح) علامة على أن السائل كان ناسياً وتذكر.
 وإذا قال قصد صاحب الجواهر هذه الرواية فإنها لا تدل على إدعائه.
 ودلالة الرواية السادسة والسابعة كدلالة الرواية السابقة، وقد وردت في حالة الذكر، لذا لا يمكن أن يكون قصد صاحب الجواهر إلاّ هذه الرواية الثلاث، وهي لا تدل على مدعاه.
 وَ رَوَاهُ الْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَ جَهِلَ أَنْ يُصَلِّيَ [6] .
 الرواية مرسلة وهي معطوفة على الرواية التي قبلها التي وردت في حالة الناسي.
 عن الصادق (علیه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ وَ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ يُصَلِّيهِمَا وَ لَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ.
 نقول: بالإضافة إلى ضعف سند الرواية، فإذا كانت رواية العياشي هي الرواية السابقة فإنها تختلف عن هذه الرواية ويمكن أن يكون لها نقلان واحدة تتحدث عن حالة النسيان وأخرى حالة الجهل، لذا فإن الرواية تسقط عن الحجية لأن النسختين متضادتين ولا يعلم أي تعبير صدر من الإمام (عليه السلام)، وفي مثل هذا الأمر إذا ورد روايتان، فإذا كان فيها قدر متقين يعمل بها، وإلا تسقط الروايتان عن الحجية.
 وفي المحصلة فإن دليلنا ينحصر بصحيحة جميل.
 بقي هنا أمران:
 الأمر الأول: هل هناك فرق بين الجاهل القاصر والمقصر؟
 الأمر الثاني: حكم الذي يترك صلاة الطواف عمداً (لم يذكر هذا الفرع كثير من العلماء مثل صاحب الجواهر وغيره ولكن السيد الماتن قد ذكره).
 أما الفرع الأول: فالجاهل القاصر هو الذي لا يمكنه الوصول إلى الحكم.
 لا يتصور أن القاصر هو الذي يعيش في المناطق النائية ولا يمكنه الوصول إلى الحكم.
 إن من الممكن أن يكون القاصر مجتهداً كأن تكون نسخة الكتاب الذي في يده فيها خطأ، أو أن يقرأ ما في الكتاب خطأ فيفتي خطأ. ففي هذا الحال يكون جاهلً قاصراً، حتى يمكن أن يكون هذا الشخص يعيش في قم ولكن لم يخطر في باله أن حكم هذه المسألة بهذا الشكل لذا لم يسأل أحداً، ولهذا فإن الجاهل القاصر لا ينحصر بالأشخاص الذين يعيشون في المناطق النائية.
 الجاهل المقصر هو الذي تكون الوسائل بين يديه ويمكنه المراجعة ولكنه يقصر في ذلك.
 مثلاً: يمكن للمجتهد أن يراجع المباني العلمية أو يمكن للجاهل أن يراجع المجتهد وأن يسأله عن حكم المسألة، ولكنه لا يسعى لذلك.
 ويمكن التقييم الجاهل تقييماً آخر وهو عبارة عن الجهل المركب والبسيط.
 الجاهل البسيط هو الذي يجهل ويعلم أنه لا يعلم أما الجاهل المركب فهو الذي يجهل ويعتقد أنه يعلم، فهو لديه جهلان جهل بالحكم والجهل بجهله.
 وعلى كل حال فإن للصحيحة المذكورة عموم.
 أقوال العلماء:
 تعرض صاحب المستند لهذه المسألة حيث يقول: و في حکم العامد الجاهل المقصر في أفعال الصلاة أو في مقدماته بحیث اوجب بطلان الصلاة کمن لا یصح غسله أو وضوئه... و الجاهل الذي جعله بمنزلة الناسی إنما هو الجاهل بأصل وجوب الصلاة للطواف [7] .
 لا يذكر (رحمه الله) في هذه العبارة حكم الجاهل بأصل الصلاة بل يذكر حكم الجاهل بأفعال الصلاة مثل صحة قراءة الحمد والسورة، أو الجاهل بصحة مقدمات الصلاة مثل الوضوء والغسل.
 وهو (رحمه الله) يفصل بين أحكام الصلاة وأصل الصلاة فإنه يقول بعدم الفرق بين الجاهل القاصر والمقصر إذا كان الشخص لا يعلم بأصل وجوب صلاة الطواف.
 فإذا كان الشخص لا يعلم بأصل وجوب الصلاة، فإنه لا فرق حينئذ بين الجاهل القاصر والمقصر وإطلاق رواية جميل تشمل الاثنين، ولكن إذا كان الشخص يعلم بأصل وجوب الصلاة ولكن لديه جهل بأفعال الصلاة فحكمه في هذا الحال حكم العامد (والتي ذكرت في عبارته السابقة وسنذكرها في ما بعد إن شاء الله).
 نقول: نحن لا نرى دليلاً على التفصيل المذكور، وإذا أردنا النظر إلى الاطلاقات الواردة في حق الجاهل سوف لن نجد التفصيل المذكور حيث ان الاطلاقات تشمل الجميع ولا تفصيل فيها.
 لذا لابد من تحقيق أصل المسألة في كل أبواب الفقه لمعرفة هل الجاهل المقصر في حكم العامد أو لا؟
 في بعض المواضع نجد أن للجاهل القاصر والمقصر حكم واحد، وفي بعض المواضع يختلف الحكم مثلاً في باب الصوم إذا كان الشخص جاهلاً قاصراً بالمفطرات مثلاً لا يعلم بأن الاستمناء من المفطرات فنقول هنا: ان حكم الجاهل القاصر والمقصر واحد، ولا يلزم للشخص المذكور أن يدفع الكفارة، وعليه القضاء فقط، فإذا حكم الجاهل المقصر في حكم العامد هنا فإن عليه أن يدفع كفارة الجمع.
 وللبحث صلة.


[1] المستند، ج 12، ص 149.
[2] حدائق الناضرة، ج 16، ص 146.
[3] جواهر الکلام، ج 19، ص 307.
[4] وسائل الشیعة، ج 9، باب 74 من أبواب الطواف حدیث 3.
[5] وسائل الشیعة، ج 9، باب 74 من أبواب الطواف حدیث 5.
[6] وسائل الشیعة، ج 9، باب 74 من أبواب الطواف حدیث 20.
[7] المستند، ج 12، ص 150.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo