< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/05/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: عدم استطاعة الصلاة عند المقام
 قد ضمت المسألة الثالثة من مسائل الطواف أربعة فروع، واليوم نستعرض الفرع الرابع، يقول السيد الماتن في هذا الفرع: ولو تعذر الخلف للازدحام أتى عنده من اليمين أو اليسار، ولو لم يمكنه أن يصلي عنده يختار الأقرب من الجانبين والخلف، ومع التساوي يختار الخلف، ولو كان الطرفان أقرب من الخلف لكن خرج الجميع عن صدق كونها عنده لا يبعد الاكتفاء بالخلف، لكن الأحوط إتيان صلاة أخرى في أحد الجانبين مع رعاية الأقربية، والأحوط إعادة الصلاة مع الإمكان خلف المقام لو تمكن بعدها إلى أن يضيق وقت السعي.
 وهذا الفرع يختص بمن لا يستطيع بسبب الازدحام الصلاة خلف المقام أو عند طرفي مقام إبراهيم، بحيث لا يصدق أنه صلى (عند المقام) يذكر السيد الماتن لهذا الفرع ثلاث حالات:
 الحالة الأولى: لو لم يمكنه أن يصلي عنده يختار الأقرب من الجانبين والخلف.
 مثلا: الخلف يفصل عن المقام ثلاثون متراً، ولكن إذا أراد شخص أن يصلي عند أحد الطرفين فالمسافة الفاصلة سوف تكون أربعون متراً، فالسيد الماتن يقول بوجوب اختيار الأقرب.
 ودليله حسب ما يظهر هو قاعدة الأقرب فالأقرب، والتي لم تثبت حسب رأينا أنها قاعدة شرعية أو عرفية أو عقلائية، وكذلك فإن قاعدة الميسور ليس محلها هنا، لأن قاعدة الميسور إنما تجري في حالة إمكان أن يأتي المكلف بجزء من المأمور به، ولكن ما نحن فيه فإن المأمور به هو (عند المقام) حيث لا يمكن الإتيان بها بأي وجه من الوجوه، مثلاً: الصلاة من جلوس أو في حالة الاستلقاء فهي من الميسور بالنسبة للصلاة وقوفاً، ولكن الذي نحن فيه لا يبقى منه شيء من الميسور لأنه حسب الآية: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ مُصَلًّی [1] . فالذي يكون بعيداً ويصلي لا يعتبر أنه صلى عند مقام إبراهيم، ولم يستطع العمل بالمأمور به.
 القاعدة الوحيدة التي يمكن التمسك بها هنا هي قاعدة الأقرب فالأقرب مثلاً: إذا أوصى شخص أن ينفق مبلغاً من المال في إقامة مجالس العزاء أيام عاشوراء، ففي مثل هذه الحالة إذا لم ينفق هذا المبلغ في أيام عاشوراء فيمكننا القول بجواز صرف هذا المبلغ في إقامة العزاء في غير أيام عاشوراء لأنها أقرب إلى نية الموصي.
 نعم في رأي المنفق لم يلحظ إلاّ أيام عاشوراء ولكن بسبب قاعدة الأقرب فالأقرب.
 نقول بإمكانية ذلك. يلزم القول بأن هذه القاعدة تجري في الوقت ولكن لا يمكن الأخذ بها في كل باب خصوصاً وأنها لم تثبت لدى العقلاء.
 دلالة الروايات:
 هناك روايتان تتحدثان عن فعل الإمام (عليه السلام) بحيث يمكننا التمسك بهما.
 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ وَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَرِيضَةِ بِحِيَالِ الْمَقَامِ قَرِيباً مِنَ الظِّلَالِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ [2] .
 في سند الرواية (أمية) وهو مضعف، فيصبح سند الرواية ضعيف.
 جاء في الرواية لفظ (بحيال المقام) والمقصود منه حول المقام أي في مكان بعيد مثل: قرب ظلال حائط مسجد الحرام.
 إن فعل الإمام (عليه السلام) لا إطلاق له، ولا يمكن أن نستفيد من الرواية أن المكان الذي صلى فيه الإمام (عليه السلام) هل كان خلف المقام أو عند فيه؟ (نعم يمكن استفادة الإطلاق من قول له (عليه السلام) لا من فعله).
 الشيء الوحيد الذي يمكن الاستفادة منه من هذه الرواية أن الإنسان عند الازدحام يمكنه أن يصلي بعيداً عن المقام، ولكن هل كان الإمام (عليه السلام) يراعي الأقرب فالأقرب أو لا؟ وهل سعى لأن يكون مكانه خلف المقام أو عند طرفيه أو لا؟ هذا ما لم يمكن أن نستفيده من الرواية.
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) يُصَلِّي رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ بِحِيَالِ الْمَقَامِ قَرِيباً مِنْ ظِلَالِ الْمَسْجِدِ [3] .
 في سند الرواية الحسين بن عثمان وهو الأحمسي وان كان مردداً بين ثلاثة أشخاص كلهم ثقات وهم: الحسين بن عثمان الاحمسي الكوفي، والحسين بن عثمان بن زياد، والحسين بن عثمان بن شريك، وفي هذه الرواية المقصود قلنا انه الأحمسي الكوفي، لأنه جاء في توصيفه: له كتاب رواه ابن أبي عمير.
 وقد صرحت الرواية أن الإمام قد صلى في ظلال المسجد والمقصود منها بهو المسجد أو ظلال حائط المسجد، ويمكن الاستفادة من هاتين الروايتين إمكانية الابتعاد عن المقام في حالة ازدحام الناس.
 وفي المحصلة فإن الدليل الوحيد الذي يمكن للسيد الماتن أن يتمسك به هو قاعدة الأقربية التي هي محل إشكال ولكن يمكن العمل بها من باب الاحتياط.
 أما الحالة الثانية: ومع التساوي يختار الخلف.
 وهي الحالة التي تكون فيها كل الأماكن الخارجة عن حدود المقام متساوية كأن يكون بعد الخلف ثلاثون متراً وكذلك بعد من جهة الطرفين فالسيد الماتن في هذه الحالة يقول بوجوب تقديم الخلف.
 ودليله هو مبناه في تقديم الخلف على الطرفيين، فعندما يقدم الخلف في حدود المقام، فتقديم الخلف في خارج حدود المقام من باب إلغاء الخصوصية العرفية.
 أما الحالة الثالثة: ولو كان الطرفان أقرب من الخلف لكن خرج الجميع عن صدق كونها عنده لا يبعد الاكتفاء بالخلف.
 إذا كان البعد من جهة اليمين واليسار أربعون متراً، ولكن بعد الخلف هو خمسون متراً، ففي هذه الحالة إذا كان الجميع خارج حدود المقام، فلا يبعد تقديم الخلف ولو كان أبعد.
 ولكن السؤال هو أنه ما الفرق بين هذه الحالة والحالة الأولى؟ فإن هذه الحالة هي الحالة الأولى بعينها، لأن الحالة الأولى كانت في عدم القدرة على الصلاة عند المقام فإنَّ السيد الماتن قال: و لو لم يمكنه أن يصلي عنده. لماذا هناك قال بوجوب اختيار الأقرب، وهنا قال بوجوب اختيار الخلف ولو لم يكن الأقرب؟!
 ثم يبين السيد الماتن احتياطيين: يقول في الأول: لكن الأحوط إتيان صلاة أخرى في أحد الجانبين مع رعاية الأقربية. أي يصلي في الخلف الذي هو أبعد ثم يصلي مرة أخرى في أحد طرفي المقام.
 ويقول في الاحتياط الثاني: والأحوط إعادة الصلاة مع الإمكان خلف المقام لو تمكن بعدها إلى أن يضيق وقت السعي.
 أي إذا لم يضق وقت السعي، وقد خلى المسجد من الازدحام ويستطيع أن يصلي قرب المقام وخلفه، فعليه أن يصلي هناك صلاة ثالثة.
 نقول: في الأوضاع الراهنة لا يمكن العمل بهذه الاحتياطات خصوصاً أيام الحج حيث يكون الازدحام شديداً.
 ملاحظة هامة:
 للفقهاء بحث في مسألة القبلة وهو أن الإنسان كلما بعد عن القبلة تتسع دائرة محاذاته لها، وهذا الحكم لحل مشكلة صفوف الصلاة الطويلة.
 مثلاً: عرض الكعبة عشرون متراً، وابتعد شخص عنها عشرة أمتار فلا إشكال، وأما إذا وقف صف بطول أربعين متراً فمن الواضح أن عشرين متراً منه سيكون خارج محاذاة الكعبة أما إذا ابتعد شخص عن مكة مئة كيلومتر، فإن الكعبة ستكون دائرتها وسيعة إلى حد أن محور الدائرة يرى بشكل مستقيم بحيث لا يرى الانحناء بشكل محسوس. انحناء الدرجة يكون في الدائرة الصغيرة التي تصل إلى أربعين درجة، ولكن في المحور الوسيع فإنه يمكنه أن يصل إلى واحد على ألف درجة. فاذا قال شخص يجب أن تتوجهوا بمقدار واحد على ألف درجة نحو الكعبة فإنه لا يمكن العمل بهذا الأمر، وعليه فعندما تتسع الدائرة فإن رعاية الانحراف في تلك الصفوف الطويلة لا يمكن العمل بها.
 لذلك ففي المسافات البعيدة يكون الشخص محاذياً للكعبة ومحاذياً للمسجد الحرام، ومحاذياً لمكة المكرمة كذلك.
 وفي ما نحن فيه: إذا كان الشخص قرب المقام، فمن يمكنه الصلاة خلف المقام هو أربعة أو خمسة أشخاص.
 ولكن إذا وقف الشخص بسبب الازدحام في آخر المسجد، فيمكن أن يصلي خلف المقام خمسون شخصاً.
 وعليه فإن هذه المسألة يمكنها حل مشكلة الخلف أي حتى لو ألحقنا الطرفين بالخلف.
 المسألة الأخرى: إن الأوضاع تختلف. إذا لم يكن في المسجد الحرام إلاّ شخص واحد، فإذا وقف بعيداً عن المقام مئة متر فإنه لا يحسب عرفاً أنه خلف المقام، ولكن إذا كان عدداً من الناس يصلون، فوقف شخص وصلى وراءهم، وكان متصلاً بالمقام فإنه يصدق عليه أنه خلف المقام.
 مثلاً: إذا أراد شخص أن يصلي جماعة فإذا كان وحيداً، ولم يكن إمام الجماعة عشرة أمتار فإنه لا يعتبر متصلاً بالإمام، ولكن إذا كان الناس كثر وكانوا متصلين بإمام الجماعة، فإذا كان الشخص يبتعد عن الإمام خمسين متراً فإنه يعتبر عرفاً أنه متصل بالإمام.


[1] سورة البقرة، الآية: 125.
[2] وسائل الشيعة، ج 9، باب 75 من أبواب الطواف، حدیث 1.
[3] وسائل الشيعة، ج 9، باب 75 من أبواب الطواف، حدیث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo