< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 موضوع البحث: مكان صلاة الطواف
 البحث في المسألة الثالثة من مسائل صلاة الطواف وتحتوي هذه المسألة على ثلاثة فروع، والفرع الأول يرجع إلى أصل وجوب صلاة الطواف عند مقام إبراهيم وهو المشهور والمعروف بين الفقهاء، وهذا ما تدل عليه الآية الكريمة: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ مُصَلًّى [1] .
 دلالة الروايات:
 الروايات في هذا المجال على طائفتين:
 1ـ صرحت عدة كبيرة من الروايات بوجوب كون الصلاة خلف المقام.
 2ـ عبرت عدة أخرى بـ (عند المقام) بدل (خلف المقام).
 أما الروايات التي عبرت بـ (خلف المقام):
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ قُلْتُ لِلرِّضَا (عليه السلام) أُصَلِّي رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْمَقَامِ حَيْثُ هُوَ السَّاعَةَ أَوْ حَيْثُ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَالَ حَيْثُ هُوَ السَّاعَةَ [2] .
 الرواية صحيحة، وكان هناك فرضية تقول: بأن مقام إبراهيم (عليه السلام) كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) متصلاً بالبيت، وقام الخليفة الثاني بفصل المقام عن البيت، ونقله إلى مكانٍ آخر، وقد قلنا سابقاً بأن هذه الفرضية غير صحيحة، وهنا يسأل الراوي عن المكان الذي يصلي فيه صلاة الطواف فيقول له الإمام (عليه السلام): صلي حيث هو الساعة.
 ويبدو أنه كان مسلماً في ذهن الراوي أن الصلاة يجب أن تكون خلف المقام، والإمام (عليه السلام) لا ينفي ذلك، من هنا فإن هذه الرواية تدل بالدلالة الالتزامية على ما نحن فيه.
 عَنْ علی بن إبراهيم عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى وَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَائْتِ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَ اجْعَلْهُ إِمَاماً [3] .
 الرواية صحيحة، وأجعل مقام إبراهيم أماماً بمعنى صلِّ خلفه، وأجعله أماماً هنا لا يشمل الجانبين.
 جَمِيلٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْمَقَامِ بِـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [4] .
 الرواية مرسلة، طبعاً فإن جميل من أصحاب الإجماع، ولكن نحن لا نقبل بأنه إذا كان السند صحيحاً إلى جميل، فلا يعتنى بعده بالسند.
 يدل صدر الرواية على الوجوب، وذيلها يشير إلى المستحبات التي لا تتنافى مع الوجوب في الصدر.
 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَالَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ إِلَّا خَلْفَ الْمَقَامِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فَإِنْ صَلَّيْتَهَا فِي غَيْرِهِ فَعَلَيْكَ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ [5] .
 الحديث مرسل، وإن كان صفوان من أصحاب الإجماع، والحديث أكثر صراحة من الأحاديث السابقة، حتى أن الإمام (عليه السلام) يستند للآية الشريفة، ثم يضيف (عليه السلام) بوجوب إعادة الصلاة، إذا لم يصلها المصلي خلف المقام.
 مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَبْزَارِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ فِي الْحِجْرِ قَالَ يُعِيدُهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى عَنَى بِذَلِكَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ [6] .
 في سند الرواية إشكال من ناحية محمد بن سنان، والأقوال في توثيقه وعدم توثيقه متعددة، ونحن نتوقف في أمره، وكذلك في السند إشكال من ناحية أبي عبدالله الأبزاري.
 عبارة (نسي) لها مفهوم بمعنى إن الشخص كان يعلم بعدم صحة صلاة الطواف داخل الحجر لكنه نسي ذلك.
 ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ نَسِيتُ أَنْ أُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ لِلطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مِنًى فَرَجَعْتُ إِلَى مَكَّةَ فَصَلَّيْتُهُمَا ثُمَّ عُدْتُ إِلَى مِنًى فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقَالَ أَفَلَا صَلَّاهُمَا حَيْثُ مَا ذَكَرَ [7] .
 عبارة (نسيت) في الرواية لها مفهوم، والإمام (عليه السلام) يجيب: عندما نسيتها أفلا صليتها حين ذكرتها؟ وما كان عليك أن ترجع إلى المطاف وتصليها خلف المقام، ويظهر أنه كان مرتكزاً في ذهن الراوي أن الصلاة يجب أن تكون خلف المقام، والإمام (عليه السلام) لا ينفي ذلك.
 الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ يَعْنِي الْمُرَادِيَّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْمَقَامِ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى حَتَّى ارْتَحَلَ قَالَ إِنْ كَانَ ارْتَحَلَ فَإِنِّي لَا أَشُقُّ عَلَيْهِ وَ لَا آمُرُهُ أَنْ يَرْجِعَ وَ لَكِنْ يُصَلِّي حَيْثُ يَذْكُرُ [8] .
 الرواية صحيحة، ويبدو إن وجوب الصلاة خلف المقام كان أمراً مسلماً لدى الراوي، ولكنه نسي ذلك.
 عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) رَجُلٌ نَسِيَ الرَّكْعَتَيْنِ خَلْفَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى ارْتَحَلَ مِنْ مَكَّةَ قَالَ فَلْيُصَلِّهِمَا حَيْثُ ذَكَرَ وَ إِنْ ذَكَرَهُمَا وَ هُوَ فِي الْبَلَدِ فَلَا يَبْرَحْ حَتَّى يَقْضِيَهُمَا [9] .
 وهناك أحاديث أخرى [10] .
 في مقابل هذه الروايات، طائفة ثانية من الروايات عبرت بـ (عند المقام)، وعمدة هذه الروايات وردت في الباب 74، وهي عبارة عن الأحاديث رقم (5، 6، 7، 8، 12، 16، 19، 20).
 صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ‌ زُرَارَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ طَافَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ وَ لَمْ يُصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى ذَكَرَ وَ هُوَ بِالْأَبْطَحِ (أطراف مکة) يُصَلِّي أَرْبَعاً قَالَ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ أَرْبَعاً [11] .
 هل الرجوع هنا واجب أم مستحب بحيث يمكن أن يصلي في المكان الذي ذكرها؟
 هذه من المسائل التي تطرح في باب نسيان صلاة الطواف.
 الطَّاطَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَ دُرُسْتَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيِ الْفَرِيضَةِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ حَتَّى أَتَى مِنًى قَالَ يُصَلِّيهِمَا بِمِنًى [12] .
 كان في نفس الراوي إن الصلاة عند المقام، والإمام (عليه السلام) لم ينفِ ذلك.
 أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْفَرِيضَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى أَتَى مِنًى قَالَ يَرْجِعُ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَيُصَلِّيهِمَا [13] .
 لم تعبر الرواية لا بـ (عند) وبـ (خلف)، ولكن لازمها التعبير بـ (عند).
 الروايات الأخرى التي عبرت بـ (عند المقام) وردت في الباب 73، وكذلك هناك أحاديث في باب 75، الحديث 1 و 2، حيث عبرت الروايتين بتعبير (حيال) بمعنى (عند).
 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ وَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَرِيضَةِ بِحِيَالِ الْمَقَامِ قَرِيباً مِنَ الظِّلَالِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ [14] .
 يعني سبب الازدحام أو حرارة الطقس، كان الإمام (عليه السلام) يصلي عند الظل آخر المسجد، والحيال في اللغة بمعنى (حول) أي أطراف المقام لا الظلال الذي خلف المقام.
 يضاف على ذلك الروايات الواردة في الباب 2 من أبواب أقسام الحج في المجلد الثامن من الوسائل والتي عبرت بـ (عند).
 طرق الجمع:
 الطريق الأول: نقيد العند بالخلف، لأن الخلف أخص من العند، فالعند يشمل الخلف واليمين واليسار.
 نعم، وإن كان كلا الاطلاقين متبين، ولكن وبما أن الواجب واحد فالمقيد يقيد المطلق، فعلى المكلف أن يصلي صلاة واحدة، وبما إن الواجب واحد فروايات الخلف تقيد روايات العند.
 الطريق الثاني: العند هو الواجب، لكن يستحب ويفضل الخلف، يمكن أن يكون رأي السيد الماتن حيث أنه لم يعتبرها من الواجبات، ولكنه أوجب الاحتياط بالصلاة خلف المقام، لأنه كان مردداً بين طريقي الجمع بين الروايات.
 نقول: ورد في بعض الروايات (لا يصليها إلاّ خلف المقام) وعلى هذا لا يمكن حمل (خلف المقام) على الأفضلية، لذا فإن الجمع الأول أولى بالقبول.
 نعم يمكن القول بأن هذه العبارة هي من رواية فيها إشكال سندي، وفي النتيجة نبقى نحن مرددون بين طريقي الجمع.
 الطريق الثالث: للخلف معنى واسع، وهو يتفق مع العند في معناه، فعندما نقول صليت خلف فلان، ففي الواقع يمكن القول صليت إلى جانب فلان، نعم لا يستطيع أن يتقدمه، والشاهد على هذا الجمع هو الروايات التي عبرت بالعند، كذلك فإن الآية الشريفة (من مقام إبراهيم) قرينة على هذا الجمع الذي يوسع معنى الخلف.
 والاحتياط يوافق ما ذهب إليه السيد الماتن في المسألة.


[1] سورة البقرة، الآية: 125.
[2] وسائل الشیعة، باب 71 من أبواب طواف، حدیث 1.
[3] وسائل الشیعة، باب 71 من أبواب طواف، حدیث 3.
[4] وسائل الشیعة، باب 71 من أبواب طواف، حدیث 5.
[5] وسائل الشیعة، باب 72 من أبواب طواف، حدیث 1.
[6] وسائل الشیعة، باب 72 من أبواب طواف، حدیث 2.
[7] وسائل الشیعة، باب 74 من أبواب طواف، حدیث 9.
[8] وسائل الشیعة، باب 74 من أبواب طواف، حدیث 10.
[9] وسائل الشیعة، باب 74 من أبواب طواف، حدیث 18.
[10] وسائل الشیعة، ج 8، باب 2 من أبواب أقسام الحج، حدیث 6 و 7.
[11] وسائل الشیعة، باب 74 من أبواب طواف، حدیث 6.
[12] وسائل الشیعة، باب 74 من أبواب طواف، حدیث 8.
[13] وسائل الشیعة، باب 74 من أبواب طواف، حدیث 12.
[14] وسائل الشیعة، باب 74 من أبواب طواف، حدیث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo