< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 البحث الأخلاقي
 يقول الإمام الهادي (عليه السلام): مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُونَ عَلَيْهِ الْغِنَى قِلَّةُ تَمَنِّيكَ وَالرِّضَا بِمَا يَكْفِيكَ وَالْفَقْرُ شِرَّةُ النَّفْسِ وَشِدَّةُ الْقُنُوطِ [1] .
 يشير الإمام (عليه السلام) في هذا القسم من الحديث إلى ثلاثة أمور (والحديث كله يحتوي على ستة أمور) في الأول يقول: مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُونَ عَلَيْهِ.
 من الحالات التي تعرض على الإنسان هي رضاه عن نفسه، يرضى الإنسان عن نفسه، على أثر حب الذات، الوسوسات الشيطانية، عبادة الهوى، قربه من الأشخاص المتملقين الذين يمتدحوه، عدم امتلاكه قابلية الكمال، والجهل بنواقصه، وعوامل أخرى.
 لا ترضى الناس عن الذي يرضى عن نفسه ولا الله، فالله لا يرضى عنه لأنه لا يضع نفسه على طريق الإصلاح لأنه يعتبر نفسه كاملاً وخالٍ من النواقص. فالرسول (صلى الله عليه وآله) الذي لا يوجد من هو أفضل منه بقول: مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَمَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ [2] . فالذي يرضى عن نفسه لا يضع نفسه في طريق التكامل وتهذيب النفس، والله (عز وجل) بالتالي لن يرضى عنه.
 أما أن الناس لا ترضى عنه لأن مثل هكذا شخص يتوقع الكثير من الناس، وينتظر منهم الاقدام والخضوع، والتواضع، لكنه لن يجد الناس مستعدين أن يعاملوه كذلك، فيؤدي ذلك إلى أن إلى عدم رضاه عنه، لذا فإن من نتائج الرضى عن النفس هو أن يعاني ذلك الشخص من العزلة الاجتماعية.
 ثم يقول الإمام (عليه السلام) في الأمر الثاني: الْغِنَى قِلَّةُ تَمَنِّيكَ وَ الرِّضَا بِمَا يَكْفِيكَ. غالباً ما يعرف الناس الغنى في خارج الإنسان، ولكن ورد في التعاليم الإسلامية إن الغنى في داخل الإنسان.
 كثير من الناس لديهم الأموال الكثيرة، ولكن يسعون إلى الزيادة دائماً وهم فقراء في داخلهم ويفتقدون الرضى، وهم دائماً في حالة السعي للربح والزيادة، ولكن وبعكس هؤلاء هناك أشخاص بداخلهم تمنيات قليلة، وهم مقتنعون بما عندهم، وراضون بذلك ومسرورون بالقليل، وهكذا إنسان غني بكل المقاييس، غني لأنه لا يحتاج إلى الناس، على عكس الذي يمتلك الآلاف المؤلفة ولكن يفتقد الغنى في داخله ويرافقه الشعور بالفقر، ويمد يد الحاجة للآخرين.
 ثم يقول الإمام في الأمر الثالث: وَالْفَقْرُ شِرَّةُ النَّفْسِ وَشِدَّةُ الْقُنُوطِ. حقيقة الفقر هو عبادة الدنيا وعبادة الهوى واليأس من رحمة الله، الإنسان عابد الدنيا فقير، والفقر نقطة تقابل الغنى، فالذي عنده أمل باللطف الإلهي يعلم أن الله هو الرزاق، لذا لا ينبغي لأجل تأمين المستقبل خلط الحلال بالحرام فالأشخاص الذين يختلسون مليارات من الأموال، إذا حكموا عقولهم سوف يرون أنهم لو عمرّوا ألف سنة لكان هذا المبلغ أكثر من حاجتهم لذلك فإن هذا الاختلاس هو حماقة كبيرة بالأخص أنهم خلطوا الحلال بالحرام، ويجب أن ينالوا جزاءهم في المحكمة الإسلامية.
 * * *
 موضوع البحث الفقهي: مستحبات الطواف ومكروهاته الطواف
 البحث في المسألة 26 من مسائل الطواف وهي في مستحباته ومكروهاته، وقد أشار السيد الماتن لكل منهما ثلاثة موارد.
 في خصوص الشعر هناك روايات عامة وخاصة. الروايات العامة تقول: يحرم الشعر في المسجد أو الشعر حال الإحرام أو الشعر في الحرم مطلقاً.
 كذلك وردت روايات خاصة في شأن الطواف. في حين أن هناك مجموعة من الروايات تدل على عدم المحذور في إنشاد الشعر أثناء الطواف. والجمع بين تلك الروايات يوجب حمل الروايات الناهية على الكراهية.
 أما في ما يخص التكلم والضحك، فقد نهت عنهما بعض الروايات:
 مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَالَ طَوَافُ الْفَرِيضَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَتَكَلَّمَ فِيهِ إِلَّا بِالدُّعَاءِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ قَالَ وَالنَّافِلَةُ يَلْقَى الرَّجُلُ أَخَاهُ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَيُحَدِّثُهُ بِالشَّيْ‌ءِ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا لَا بَأْسَ بِهِ [3] .
 تشعر عبارة (لا ينبغي) في طواف الفريضة بالكراهية، ثم يضيف الإمام (عليه السلام) بعدم المحذور في طواف النافلة.
 وقد ذكر العلماء أن من الحسن ترك هذه المكروهات في طواف النافلة كذلك لأن طواف النافلة نوع من العبادة، وتختلف الكراهة بين النافلة والفريضة بالدرجة، أي أن هذه المكروهات تكره في طواف الفريضة، وتقل كراهتها في طواف النافلة.
 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) عَنِ الْكَلَامِ فِي الطَّوَافِ وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ وَالضَّحِكِ فِي الْفَرِيضَةِ أَوْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ أَيَسْتَقِيمُ ذَلِكَ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَ الشِّعْرُ مَا كَانَ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْهُ [4] .
 عرضت الرواية الأمور الثلاثة التي ذكرها السيد الماتن في تحرير الوسيلة، والتي أجازها السيد الماتن.
 الجمع بين هذه الرواية التي تدل على الجواز والرواية السابقة التي ذكرت عبارة (لا ينبغي) يوجب حمل الرواية السابقة على الكراهة.
 أما عن استحباب الدعاء والقراءة فقد وردت روايات من جملتها ما ورد في الباب 20 من أبواب الطواف الذي يضم سبعة أحاديث في الأدعية الواردة أثناء الطواف.
 معظم هذه الروايات ـ إذا لم نقل الجميع ـ هي من أفعال الأئمة (عليهم السلام) والتي تدل على الاستحباب لا الإباحة الصرفة وقد ورد في باب 21 كذلك ثلاثة أحاديث تذكر أن من أكثر الأعمال تأكيداً أثناء الطواف هي الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله).
 في إحدى هذه الروايات تعبير جميل يقول فيه الإمام (عليه السلام): عندما دخلت الطواف لم ينشغل لساني بغير الصلاة على محمد وآله.
 والمطلب الآخر هو أن حل الكثير من معضلات المستحبات والمكروهات يتم بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع، فبعض الأفعال لا تتناسب مع العبادة.
 وهكذا يحكم العقل بعدم مناسبة الأكل والشرب أثناء الطواف، فإن هكذا أفعال لا تتناسب مع العبادة.
 وهل يدل فعل المعصوم دائماً على الاستحباب؟
 نجيب: إن فعل المعصوم لا يدل دائماً على الاستحباب، بل في بعض الأحيان يدل على الجواز، ولكن فعله في الدعاء أثناء الطواف يدل على الاستحباب.
 للبحث صلة إن شاء الله


[1] بحار الأنوار، ج 75، ص 368.
[2] بحار الأنوار، ج 68، ص 23.
[3] وسائل الشیعة، باب 54 من أبواب الطواف، حدیث 2.
[4] وسائل الشیعة، باب 54 من أبواب الطواف، حدیث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo