< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 موضوع البحث: جواز الاعتماد على إحصاء الغير في عدد أشواط الطواف
 ما زال البحث في المسألة 24 من مسائل الطواف في كثير الشك وقلنا إن شك مثل هذا الشخص لا أهمية له في الطواف، وحكمه حكم الشك.
 في هذا الشأن عادةً ما تطرح مسألة، عالجها كبار العلماء، ولكن السيد الماتن لم يعالجها بشكل مستقل بل أشار إليها في قالب الاحتياط، والمسألة هي هل يمكن الاعتماد على الغير في عدد الأشواط؟ وإذا كان جائزاً فهل تشترط العدالة، الوثوق، الرجولة، وأمور أخرى أو لا؟ ونحن سنعالج هذا البحث بعنوان الأمر الثاني.
 فنقول هل يجوز الاعتماد على إحصاء الغير أم لا؟
 يقول صاحب الجواهر ممزوجاً بكلام الشرائع: لا بأس أن یعول الرجل علی غیره فی تعداد الطواف لأنه کالإمارة كما في القواعد وغیرها ومحکي النهایة و المبسوط و السرائر و الجامع [1] .
 ويتبين أن المحقق يعتمد على الإمارة دون الروايات.
 ويقول صاحب الحدائق: قد صرح الأصحاب رضوان الله تعالی علیهم بأنه لا بأس أن یعول الرجل علی غیره فی إحصاء عدد الطواف [2] .
 ويقول صاحب کاشف اللثام: ویجوز الإخلاد إلى الغیر کما فی النهایة والمبسوط والسرائر والجامع والشرائع [3] .
 دلالة الروايات:
 هناك روايتان في هذا الشأن لا يخلو سندهما من إشكال، وإن كانت دلالتهما واضحة.
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الطَّوَافِ أَيَكْتَفِي الرَّجُلُ بِإِحْصَاءِ صَاحِبِهِ فَقَالَ نَعَمْ [4] .
 في سند الرواية سعيد الأعرج وهو مجهول الحال ولذلك عبّر صاحب الجواهر عن الرواية بالخبر.
 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ الْهُذَيْلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي الرَّجُلِ يَتَّكِلُ عَلَى عَدَدِ صَاحِبَتِهِ فِي الطَّوَافِ أَيُجْزِيهِ عَنْهَا (أشواط الطواف) وَ عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَ نَعَمْ أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ إِذَا صَلَّيْتَ خَلْفَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ [5] .
 في سند الراوية الهذيل وهو مجهول الحال، وفي الرجال رجلان بهذا الاسم هما هذيل بن حيان وهذيل بن صدقة، ويظهر أنه هنا هو هذيل بن صدقة بقرينة الذي روى عنه، وهو مجهول الحال كذلك.
 وفي ذيل الرواية، شبِّه الأمر بالشك بين الإمام والمأموم ففي هذه الحالة إذا شك المأموم فإنه يرجع إلى الإمام ولا يعتني بشكه.
 نقول: من الواضح أن الروايتين تشيران إلى الاعتماد على خبر الثقة، يعني يمكن الاعتماد على الشخص الثقة، لا على الشخص لا على الذي لا يبالي ومشكوك الحال، نعم العدالة ليست شرطاً.
 على أي حال وإن كان سند الروايتان ضعيف ولكن يمكن القول: إن عمل الأصحاب بهما يجبر ضعفهما، ولكن مع هذا الأفضل أن نقول: الروايتان من باب قاعدة حجية خبر الواحد الثقة في الموضوعات.
 وهنا بحث بين العلماء وهو هل الخبر الواحد الذي هو حجة في الأحكام هل هو حجة في الموضوعات كذلك؟
 قالت جماعة: إن الموضوعات نحتاج إلى شاهدين عادلين كمصداق شهادة البينة، والخبر الواحد ليس بحجة.
 في مقابل ذلك هناك جماعة قالوا بحجية الخبر الواحد الثقة في الموضوعات.
 يظهر من جماعة من علماء العامة أنهم يقولون بالحجية في الموضوعات.
 نحن عالجناً هذه المسألة بوصفها قاعدة فقهية في كتاب القواعد الفقهية، وعنونها في ذيل القاعدة الثانية عشر وخلاصتها كالتالي: هناك ثلاثة أدلة أساسية لحجية الخبر الواحد في الموضوعات.
 الدليل الأول: آية النبأ، استدل بهذه الآية على حجية الخبر الواحد في الأحكام، ولكن نحن نقول إن الآية المذكورة عامة لأن الله (عز وجل) يقول: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [6] .
 وهي تدل على أنه إذا جاءكم عادل بنبأ فلا يجب الفحص والتبيين، بل عليكم القبول، وهذا المفهوم عام.
 خصوصاً إن شأن نزول هذه الآية هي في الموضوعات وهي إن الوليد بن عقبة جاء بخبر كاذب يفيد أن قبيلة بني المصطلق قد ارتدت.
 فعلى هذا فإذا استدل بهذه الآية في الأحكام فبطريق أولى الاستدلال بها في الموضوعات. وكذلك قيل إن المراد من (النبأ) هو الخبر المهم. لذلك فإن حجية خبر الواحد في الخبر غير المهم يثبت بطريق أولى.
 الدليل الثاني: دلالة الروايات الخاصة:
 وهذه الروايات وردت في موارد خاصة مثل آذان الشخص الثقة الذي يمكن الاعتماد عليه لدخول الوقت، كذلك في مورد هلال الشهر، وكذلك في مورد أخبار الشخص الثقة عن الوصية والذي جاء في الروايات بوجوب قبول قوله، كذلك أخبار الثقة على إن فلانة زوجة فلان.
 فمن مجموع هذه الروايات يمكن استفادة العموم ويمكن القول بحجية خبر الثقة في الموضوعات.
 فعليه فإذا أخبر الثقة إن الماء المذكور نجس، أو أن اللباس المذكور مغصوب فيجب العمل بقوله.
 الدليل الثالث: بناء العقلاء:
 فالعقلاء يعملون بخبر الثقة في الموضوعات وفي الأحكام.
 فعلى هذا الأساس إذا أخبر مخبر معتبر إن هناك حرب في المكان الفلاني، أو حدث حادث هناك، فإن العقلاء يقبلون كلامه.
 حتى أن الأساس في حجية الخبر الواحد هو بناء العقلاء، والروايات المتعددة التي وردت في حجية الخبر الواحد في الأحكام والموضوعات هي من باب أمضاء السيرة العقلائية.
 ومن الملفت إن العلماء يفتون بوجوب قبول ناقل الفتوى، وهذه علامة على أن خبر الواحد في الموضوعات حجة (لأن الناقل إنما يخبر عن الموضوعات الخارجية ويقول: المجتهد الفلاني في كتابه يقول كذا).
 ومن العجيب أن البعض رغم أنهم يفتون بهذا الحكم، يقولون بعدم حجية الخبر الواحد في الموضوعات. وكذلك في صلاة الجماعة فإن الذين يؤمون يعتمدون قول المكبر في ركوع الإمام وسجوده.
 بقي مسألة في خصوص كلام كشف اللثام فهو يقول: وهل یشترط فیه العدالة؟ احتمال للأصل (أصل عدم حجية ظن إلا ما خرج بالدلیل) و الاحتیاط و ظاهر التمثیل بالاقتداء والأولى الاقتصار علی إخلاد (اعتماد) الرجل إلي الرجل دون المرأة [7] .
 وقد ذكرنا سابقاً إن كلام كاشف اللثام لا يمكن القبول به، فنحن لا نرى العدالة شرطاً، بل حتى فساد المذهب لا يضر، فالمهم هو الوثاقة فقط.
 ولأن عند قيام الدليل على الوثاقة، لا يبقى محل للأصل والاحتياط، تشبيه ما نحن فيه بصلاة الجماعة لا يوجب أن تكون العدالة شرطاً، لأن في صلاة الجماعة يمكن أن يرجع الإمام إلى المأموم في حالة الشك، في حين إنه لا يشترط بالمأموم أن يكون عادلاً، حتى أنه في أكثر الأحيان يذكّر المأمومون الإمام.
 وكذلك لا فرق بين أن يكون رجلاً أو امرأة؟ فالقول أن قول الرجل حجة، وقول المرأة ليس بحجة ليس في محله خصوصاً أن كثيراً من رواة الأحاديث كانوا من النساء الثقات.
 


[1] جواهر الکلام، ج 19، ص 403.
[2] حدائق الناضرة، ج 16، ص 249.
[3] کشف اللثام، ج 5، ص 443.
[4] وسائل الشیعة، ج 9، باب 66 من أبواب الطواف، حدیث 1.
[5] وسائل الشیعة، ج 9، باب 66 من أبواب الطواف، حدیث 2.
[6] سورة الحجرات، الآية: 6.
[7] کشف اللثام، ج 5، ص 443.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo