< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حكم الشك في الطواف بعد الفراغ منه
 البحث في المسألة الثانية والعشرين من المسألة المتعلقة بالشك في الطواف، والكلام في الشك بعد الفراغ من الطواف.
 السيد الماتن يقول في هذه المسألة: الشك تارة في الأجزاء وتارةً في الشرائط. والشك الأجزاء تارة في الزيادة والأخرى في النقيصة.
 لا يعتني في الشك بالزيادة، ولكن يجب الاحتياط عند الشك في النقيصة بأن يكمل الطواف ثم يعيده.
 وأما في الشك في الشرائط فلا يعتني بشيء منها.
 يتنافلا يعتني بشيء منهايعيدهأن كلاًفى البحث السابق أسلفنا أقوال العلماء بأن هذه المسألة إجمالا أجماعية وأنّه بعد الفراغ من الطواف لا يعتني بالشك في الأجزاء ولا في الشرائط.
 دليل المسألة.
 الدليل الأول: قاعدة الفراغ.
 هذه القاعدة عامة وتجري في العبادات وفي غير العبادات، وأنّه بعد الفراغ من العمل لا يعتني بالشك به.
 ما هو الدليل على قاعدة الفراغ:
 الدليل الأساسي هو الروايات وهي تارة عامة وتارة أخرى خاصة، يعني في بعض الروايات يقول الإمام (عليه السلام) بشكل عام: في كل وقت تنتهي من العمل فلا تعتني بشكك، (في هذا المورد هناك سبع روايات في المجد الأول من كتاب القواعد الفقهية)، وبعض هذه الروايات خاصة وبينت في موارد ومصاديق خاصة.
 تقدمت روايتان من الروايات العامة واليوم نقرأ الرواية الثالثة:
 عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَالَ... كُلُّ شَيْ‌ءٍ شَكَّ فِيهِ مِمَّا قَدْ جَاوَزَهُ وَ دَخَلَ فِي غَيْرِهِ فَلْيَمْضِ عَلَيْهِ [1] .
 أما الروايات الخاصة فقد ورد قسم منها في المجلد الأول من الوسائل في باب 62، من أبواب الوضوء، في مورد الوضوء، الغسل، الصلاة، والأذان والإقامة وأمثالها.
 لا يمكن حمل هذه الروايات على العموم، ولكن ليس من البعيد إمكانية استنباط قاعدة عامة من خلال استقراء من روايات.
 خصوصاً أن هناك دليل من إحدى هذه الروايات يمكن أن يكون شاهداً على العموم.
 عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ قُلْتُ لَهُ الرَّجُلُ يَشُكُّ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ قَالَ هُوَ حِينَ يَتَوَضَّأُ أَذْكَرُ مِنْهُ حِينَ يَشُكُّ [2] .
 فالإنسان العاقل غالباً ما يكون منتبهاً أثناء عمله، حتى ينهيه، ثم يشك في ذلك. وهذا إشارة إلى دليل عقلي الذي يقبل التعميم إلى سائر الموارد.
 وهذا الدليل ليس علة الحكم، بل حكمة الحكم لأنّ الإنسان في بعض الأوقات تكون حواسه متشتتة ولكن غالباً ما يكون أثناء العمل أذكر.
 (الفرق بين العلة والحكمة بأن الحكمة تكون غالباً، والعلة تكون دائماً وفي كل الموارد).
 لا يمكن استنباط حكم كلي من الحكمة ولكن يمكن أن تعتبر مؤيدٍ.
 والدليل الأخر الذي ذكرناه في القواعد الفقهية هو بناء العقلاء الذي يدل في الجملة على ذلك، غالباً ما تكون للقواعد الفقهية جذور عقلائية مثل: قاعدة لا حرج، ولا ضرر، وقاعدة القرعة.
 مثلاً: إذا أجرى أحد عقداً. وبعد العقد شك في مراعاة الشرائط، فإنّ عادة العقلاء، أن لا يعملون بهذا الشك والعمل الذي تمّ يعتبرونه منتهياً.
 وتعليل الإمام (عليه السلام) في ذيل الرواية المذكورة تبين أنّ هذه القاعدة عقلائية، وهذه القاعدة تجري في مورد الشك في الشرائط، حتى أنّ البحث في الشرائط أسهل من البحث في الأجزاء.
 فالسيد الماتن أفتى بعدم الاعتناء في الشرائط، ولكن في الأجزاء فقد ذهب إلى الاحتياط فيما يرجع إلى الشك في النقيصة.
 فعليه فالذي يشك بعد الطواف في أنّه توضئ أو لا؟ أو أنّ قميصه كان طاهراً أو لا؟ فعليه عدم الاعتناء بذلك.
 إن قلت: إذا كانت الحالة السابقة الثوب النجاسة أو كان كل حدثٍ ولا يعلم هل توضئ للطواف أو لا؟ أو لم يعلم بتطهير ثوبه أولا؟ وبعد الطواف يحصل له الشك فهل عليه أن يستصحب أو لا؟
 قلت: أنّ استصحاب الحالة السابقة لا يجري في مورد قاعدة الفراغ بدليلين:
 الدليل الأول: إنّ قاعدة الفراغ أمارة وهي حاكمة على الاستصحاب لكون الاستصحاب من الأصول.
 الدليل الثاني: إذا أردنا أن نقدم الاستصحاب فلا يبقى لدينا موضوع للقاعدة، لأنّه إذا كانت الحالة السابقة الوضوء أو الطهارة مثلاً فلا حاجة لنا بقاعدة الفراغ ويجري الاستصحاب.
 وإذا أردنا أن نقدم الاستصحاب في هذه المواضع فلا يبقى موضوعٍ لقاعدة الفراغ إلا في موارد قليلة وهي في حالة مجهولي التاريخ حيث نعلم اننا توضأنا وأحدثنا ولكن لا نعلم أيهما كان مقدماً على الأخر ثم نطوف وبعد الفراغ من الطواف نشك في ذلك.
 وبعبارةٍ أخرى: إنّ ورود قاعدة الفراغ على مورد الاستصحاب معناه أنّه حتى ولو أنّ قاعدة الفراغ ليست أمارةٍ فإنّ قاعدة الفراغ تخصص الاستصحاب.
 وبهذا الدليل فإنّ أي قاعدة تجري في مورد الاستصحاب. بشكل أنّه إذا أردنا أن نعمل بالاستصحاب، فلا يبقى موضعاً للقاعدة، ففي هذه الموارد فإنّ الاستصحاب يخصص بالقاعدة.
 الدليل الثاني:
 التمسك بقاعدة لا حرج.
 قالوا: ان الشك بعد العمل يلزم منه إعادة العمل مرتين وثلاث مرات مما يؤدي إلى الوقوع في المشقة.
 وقد ذكر صاحب الجواهر وآخرون هذا الدليل ولكن نحن نقول: إنّ هذا الدليل جيد في الجملة لا بالجملة.
 قاعدة الحرج تشمل الحرج الشخصي لا النوعي مثلاً الصوم في الصيف عسر وحرج للكثيرين وليس كذلك للبعض.
 من هنا فإنّ وجود العسر والحرج النوعي لا يوجب أن لا يصوم أحد في الصيف، بل أن الذي يبتلى بالعسر والحرج عليه أن لا يصوم، والبقية الذين لا عسر ولا حرج لديهم عليهم أن يصوموا.
 بناءً عليه فإنّ ما نحن فيه ما لم يسبب الشك وتكرار العمل العسر والحرج، فيجب العودة والاعتناء بالشك.
 بناءً عليه فإنّه لا يمكن أن نصدّر قاعدة كلية من خلال قاعدة لا حرج، ثم نقول بعدم وجوب الاعتناء بالشك، بل الذين يقعون بالعسر فقط عليهم عدم الاعتناء لا غيرهم.
 الدليل الثالث: الرواية الواردة في خصوص الشك في الطواف.
 يذكر صاحب وسائل الشيعة هذه الروايات في باب 33 من أبواب الطواف، في هذا الباب روايات كثيرة ولكن الموارد المتعلقة بالشك بعد العمل تبلغ ثلاث روايات، وروايتان من هذه الروايات تتعلق بمنصور بن حازم وهي رواية صحيحة، ورواية تتعلق بمحمد بن مسلم وهي محل إشكال.
 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَيَابَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَدْرِ أَ سِتَّةً طَافَ أَوْ سَبْعَةً طَوَافَ فَرِيضَةٍ قَالَ فَلْيُعِدْ طَوَافَهُ قِيلَ إِنَّهُ قَدْ خَرَجَ (من المطاف والمسجد) وَ فَاتَهُ ذَلِكَ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ء. (يعني العمل قد مضى وعليه عدم الاعتناء بالشك) [3] .
 سند الشيخ الطوسي إلى موسى بن قاسم معتبر وموسى بن قاسم ثقة.
 ولكن عبدالرحمن بن سيابة مشكوك الحال، ووثاقته غير ثابتة، والبعض ضعفه.
 أما حماد وحريز ومحمد بن مسلم فلكهم ثقات.
 يقول صاحب الوسائل في خصوص السند: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ مُوسَى بْنُ الْقَاسِمِ هُوَ ابْنُ أَبِي نَجْرَانَ وَ تَفْسِيرُهُ هُنَا بِابْنِ سَيَابَةَ غَلَطٌ كَمَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَ غَيْرُهُ.
 يعني عبدالرحمن المذكور في الرواية بقرينة موسى بن قاسم الذي يروي عنه، هو عبدالرحمن بن أبي نجران الثقة، لا عبدالرحمن بن سيابة الذي لم يكن حياً في ذلك الزمان.
 وبذلك ينحل الإشكال السندي من الرواية، والرواية بذلك صحيحة، لذلك عبرت بعض الكتب الفقهية عنها بالصحيحة.
 على كل حال فإن الرواية المذكورة تتعلق بأجزاء الطواف، ونجري حكمها في موارد الشرائط كذلك من خلال إلغاء الخصوصية.
 عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِنِّي طُفْتُ فَلَمْ أَدْرِ أَ سِتَّةً طُفْتُ أَمْ سَبْعَةً فَطُفْتُ طَوَافاً آخَرَ (لأنه مبني على الأقل وأضاف شوطاً) فَقَالَ هَلَّا اسْتَأْنَفْتَ (يعني أن الشك أثناء الطواف يوجب البطلان، ويجب إعادة الطواف) قُلْتُ طُفْتُ وَ ذَهَبْتُ (يعني إن الشك قد حصل لي بعد الانتهاء من طوافي، فعدت وطفت طوافاً آخر) قَالَ لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْ‌ءٌ [4] .
 الرواية صحيحة.
 عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ طَافَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ فَلَمْ يَدْرِ سِتَّةً طَافَ أَمْ سَبْعَةً قَالَ فَلْيُعِدْ طَوَافَهُ قُلْتُ فَفَاتَهُ قَالَ مَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئاً وَ الْإِعَادَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَ أَفْضَلُ [5] .
 الرواية صحيحة، ومضمونها كمضمون الرواية السابقة مع اختلاف في هذه الرواية حيث لم يرد بأنه جاء بطواف آخر.
 على هذا الحال فإن الإمام (عليه السلام) يقول في الخاتمة: والإعادة أحب إليّ، بناءً عليه فإن الإعادة هنا مستحبة، وفي ذلك يقول صاحب الجواهر: لم أرَ أحداً يفتي باستحباب الإعادة، يعني إن ذيل الرواية قد أعرض عنها الأصحاب.
 هذه الروايات تعتبر دليلاً آخر على قاعدة الفراغ والتي وردت في خصوص الطواف.


[1] وسائل الشیعة، ج 9، باب 33 من أبواب الركوع، حدیث 4.
[2] وسائل الشیعة، ج 9، باب 33 من أبواب الوضوء، حدیث 7.
[3] وسائل الشیعة، ج 9، باب 33 من أبواب طواف حدیث 1.
[4] وسائل الشیعة، ج 9، باب 33 من أبواب طواف حدیث 3.
[5] وسائل الشیعة، ج 9، باب 33 من أبواب طواف حدیث 8.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo