< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 المحاضرة الأخلاقية
 يقول الإمام الهادي (عليه السلام): إِذَا كَانَ زَمَانٌ الْعَدْلُ فِيهِ أَغْلَبُ مِنَ الْجَوْرِ فَحَرَامٌ أَنْ يَظُنَّ بِأَحَدٍ سُوءاً حَتَّى يَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُ وَ إِذَا كَانَ زَمَانٌ الْجَوْرُ أَغْلَبُ فِيهِ مِنَ الْعَدْلِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَظُنَّ بِأَحَدٍ خَيْراً مَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ مِنْهُ [1] .
 إن مسالة سوء الظن هي من المسائل التي ورد النهي عنها في القرآن الكريم وفي الروايات أيضاً. إذ على المسلمين أن يحسنوا الظن ببعضهم البعض لأن سوء الظن من الوسائل التي تشتت المجتمع وتمزقه، ويستفاد من القرآن الكريم أن سوء الظن يسبب التجسس، والتجسس يسبب الغيبة، لذا علينا حمل أعمال الآخرين على الصحة.
 في هذه الرواية وفي الروايات الأخرى المشابهة المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة تفصيل بين إذا كان الغالب على أهل زمان العدالة والتقوى والطهارة فلا ينبغي لأحد أن يسيء الظن بأحد إلاّ إذا رأى شيئاً بشكل ملحوظ ولكن إذا كان العكس بأن يأتي زمان يحكم على الناس الظلم والفساد وسوء الخلق فلا ينبغي لأحد أن يحسن الظن بأحد إلاّ إذا تيقن أن العمل قد أدى بشكل صحيح حتماً لقد جاء هذا التفصيل وهذه التوصيات لدفع مفاسد متعددة، مثلاً في الوقت الذي يكون المجتمع فاسداً لا ينبغي بمجرد أن يظهر أحد بمظهر حسن أن تعتمد عليه وأن توكل الأمور إليه بسهولة.
 وكذلك لا ينبغي الوثوق بمجرد أن يقدم أحد الوصفات العرفانية، ونحن في زمن تكثر فيه الإدعاءات العرفانية الكاذبة فلا ينبغي أن نتبعهم وأن نوضعهم أسرارنا من دون تفحص وتحري.
 وإذا كنا في بيئةٍ تكثر فيها المفاسد الأخلاقية وجاء رجل مؤمن لطلب الزواج فلا ينبغي أن نوافق طلبه من دون تفحص وتحقيق. الشخص الذي يقترح على الآخر تجارة، في حال يكثر الاحتيال في المجتمع، لا ينبغي أن نودعه ثقتنا ببساطة من هنا فإن التفاوض مع الدول غير الإسلامية، يجب قبل اتخاذ القرار في أي شأن، دراسة الأمر بشكل دقيق.
 في مثل هذه الموارد يلزم أن لا يكون الأساس هو حسن الظن بل يجب التعامل معهم على أساس سوء الظن.
 وعليه إذا كنا في زمان فيه من الفريقين، فريق صالح وفريق طالح، يجب أن نتعاطى مع كل فريق طبقاً للقاعدة المذكورة في الحديث.
 الأمر الآخر أنه في المواقع التي لا ينبغي للإنسان أن يحسن الظن، فهذا لا يعني أن يتعاطى مع الآخرين على أساس سوء الظن فلو كان شخص سارق أو مجموعة تأخذ الرشوة، فلا ينبغي أن يجرنا سوء الظن إلى الغيبة والتهمة.
 * * *
 عنوان البحث الفقهي: حكم نية قطع الطواف في الأثناء وإعادته
 البحث هنا في المسألة التاسعة عشر من مسائل الطواف وقد كان البحث عن قطع الطواف من دون أي عذر شرعي أو عرفي معتدٍ به، فهل يمكن لشخص إن يقطع الطواف بدون فوت الموالاة.
 قلنا أننا مأمورون بأداء سبعة أشواط، والذي يريد الإعادة فإنما يؤدي الأشواط السبعة المأمور بها.
 والذي يقطع طوافه، يشك في أن قطع الأشواط السابقة هل ضر باللاحقة؟
 في هذا الحال نجري أصالة البراءة التي مفادها: إن الأصل عدم المانعية.
 هناك بحث في علم الأصول هو (تبديل الامتثال)، ومثال ذلك إذا قال المولى لغلامه: أصنع لي غذاءاً، والغلام وهو في أثناء العمل، يضع ما كان يصنعه جانباً ثم يستأنف يعيد طبخ الطعام من مواد أخرى. فهل يضرّ هذا الفعل بالامتثال؟
 إن هذا الأمر لا يجري عندما ينوي الشخص إبدال نية الامتثال بل تجري في الذي يريد أن يتم الطواف. والبحث في شأن من نيته القطع وإراد الإعادة من جديد فلا يشمل ابن على ما مضى هذا المورد فإن هذه تتعلق بالشخص الذي يريد أن يتم أشواطه.
 إن قلت: إذا قال شخص إن الإتيان بالأشواط الثلاثة يسقط الأمر بها، والذي يريد أن يعيد من جديد وموالاته ما زالت قائمة فلا يمكن أن ينوي هذه الأشواط مرة أخرى، لأن أمرها قد سقط، ولا يمكن أن يتحقق قصد القربة بها مرة أخرى، وهكذا إذا كان الحال بعد الأشواط الأربعة، وحتى بعد فوات الموالاة، فيجب أن يؤدي ما بعدها.
 قلت: في المركبات ليس للأجزاء أمر مستقل، بحيث أنه لو أتيت بأي جزء فإن أمر ذلك الجزء يسقط إنما يسقط الأمر في المركبات إذا أتينا بالجميع، وإلا حتى ولو بقي جزء واحد فإن الأمر لا يسقط.
 ولبيان هذا المدعى، يمكننا الاستناد إلى رواية.
 عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مُظَاهِرٍ قَالَ ابْتَدَأْتُ فِي طَوَافِ الْفَرِيضَةِ فَطُفْتُ شَوْطاً وَاحِداً فَإِذَا إِنْسَانٌ قَدْ أَصَابَ أَنْفِي فَأَدْمَاهُ فَخَرَجْتُ فَغَسَلْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ فَابْتَدَأْتُ الطَّوَافَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقَالَ بِئْسَ مَا صَنَعْتَ كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَبْنِيَ عَلَى مَا طُفْتَ ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْ‌ءٌ [2] .
 والشاهد في ذيل الرواية حيث قال الإمام: كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَبْنِيَ عَلَى مَا طُفْتَ، (لأنه في باب الطهارة والنجاسة ولو فاتت الموالاة يجب أن يكمل من حيث وصل)، ومع هذا فإن الإعادة لا إشكال فيها.
 ولكن في سند الرواية إشكال، فإذا كانت الرواية عن الإمام الحسين (عليه السلام)، فيكون حبيب بن مظاهر ذلك الرجل المعروف، ولكن على هذا الحال لا يمكن لحماد بن عثمان أن ينقل عن حبيب بن مظاهر الذي يسبقه بحوالي مائة سنة، لذلك قالوا إن المراد من حبيب بن مظاهر رجلاً آخر، وأن المراد من أبي عبدالله هو الإمام الصادق (عليه السلام) وقد وقع الناسخ في الخطأ، وأضاف لفظ الحسين إلى أبي عبدالله.


[1] بحار الأنوار، ج 75، ص 370.
[2] وسائل الشیعة، باب 41، من أبواب طواف، حدیث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo