< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/03/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 محاضرة أخلاقية
 عن الإمام الهادي (عليه السلام): وَ الْحَسَدَ فَإِنَّهُ يَبِينُ فِيكَ وَ لَا يَعْمَلُ فِي عَدُوِّكَ [1] .
 الحسد ظاهرة اجتماعية وهي منشأ للمفاسد وأحياناً تؤدي إلى النزاع والقتل، وإلى تفكيك العوائل، وتفريق الأصدقاء، وإلى النزاعات الاجتماعية وما إلى ذلك من آثار سيئة.
 ذكرت الروايات للحسد آثاراً سلبية متعددة، وإن الإمام الهادي (عليه السلام) في الرواية المذكورة يبين مسألة جديدة وهي إن الحسد يضر الحاسد ولا يلحق بالخصم أي ضرر، فالذي يحسد يتعذب وتنهار أعصابه، ويصيبه القلق، في حين إن الخصم لا يؤثر فيه الحسد شيئاً.
 للحسد ثلاثة أضرار أساسية على الأقل:
 الأول: الضرر الذي ذكره الإمام (عليه السلام) آنفاً وهو إن الحسد يؤذي الروح الإنسانية وهو من أنواع الأمراض النفسية.
 الثاني: يهدر قوى الإنسان، فبدلاً من أن يستفيد الحسود من القوى الإيجابية ليصل إلى أهدافه، فإنه يسير في الطريق السلبي الذي لا يوصل صاحبه إلى شيء.
 الثالث: الضرر الذي هو أهم من الضررين السابقين وهو إن الحسد هو اعتراض على القضاء الرباني.
 جاء في الروايات: إِنَّ الْحَسَدَ لَيَأْكُلُ الْإِيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ [2] .
 ويقول الله (عزوجل) في كتابه الكريم: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‌ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [3] .
 يعني إن الحسود يعارض العطاء الإلهي مع إن المعطي هو الله!
 على الإنسان أن يبدل مسألة الحسد إلى فرصة، فالذي يسعى للإضرار بالخصم فليسعى إلى التعالي عن ذلك.
 عندما يلاحظ الإنسان الآثار السيئة للمفاسد الأخلاقية ويرى أنها لا تنفعه بل تضره، فيمكنه بالتدريج أن يبتعد عن الصفات السلبية لأن الإنسان يسعى وراء جلب المنفعة ودفع المضرة.
 الحسد من الأشياء التي يمكن أن تكون في وسط كل الطبقات وحتى في وسط أهل العلم، لأنها لا تنال فقط من الأشخاص العاديين.
 علينا الانتباه عندما يصبح الحسد عملياً، فتوضع الموازين الشرعية جانباً، ونضع مكانها التهمة والكذب والأمور الأخرى.
 * * *
 عنوان البحث الفقهي: حكم الزيادة والنقيصة في الطواف جهلاً
 عالجنا البحث في المسألة الثامنة عشر من المسائل المتعلقة بالطواف، والآن نعالج الأمر السادس المتبقي في ذيل المسألة.
 الأمر السادس:
 هذا الأمر في من يضيف إلى أشواطه السبعة شوطاً جهلاً منه، أو ينقص شوطاً من أشواطه كذلك مثلاً: بدل أن يأتي بسبعة أشواط، يأتي بثمانية أو ستة أشواط، (سواء كان جاهلاً بالحكم أو بالموضوع)، لم يتعرض كثير من العلماء لحالة الجهل!
 أما حكم الزيادة، قلنا إن مقتضى القاعدة هو البراءة، لأننا نشك في المانعية، فتجري البراءة كما أن حديث الرفع ينطبق هنا أيضاً.
 لم تكن الروايات في الزيادة العمدية مقنعة، لا من جهة الصحة ولا من جهة البطلان.
 على هذا وضعنا الروايات جانباً، وأجرينا القاعدة فعندما لا يكون الزيادة مبطلة في حال الجهل ففي حال العمد أولى أن لا تبطله الزيادة عن جهل، خصوصاً إنه لا توجد روايات في حالة الجهل، على هذا نقول: وضعنا أربع صور للزيادة العمدية، وفي صورتين منها يكون العمل باطلاً، وفي صورتين آخريتين يكون العمل صحيحاً، وتأتي هذه الصور في حالة الجهل أيضاً.
 على هذا فإذا نوى أحد من البداية ثمانية أشواط، أو يدّل نيته في الأثناء، فعمله باطل في الحالتين.
 نعم في القسمين الذي يكون طوافه فيهما في حالة العمد صحيحاً ففي حالة الجهل أيضاً يكون صحيحاً كذلك.
 أما حكم النقيصة: تارة يلتفت إلى ذلك قبل نصف الأشواط، وما تزال الموالاة قائمة، كما لو أتى بشوطين أو ثلاثة، مع قصده الإتيان بالأمر الواقعي ولكن لم يكن يعلم إن الأمر الواقعي يتعلق بسبعة أشواط. فمن الواضح إنه يكمل أشواطه السبعة، وطوافه صحيح، تارة لم تكن الموالاة قائمة، فعليه الإعادة من البداية.
 الصورة الثانية: هو إن يلتفت بعد النصف، فتارة يكون جاهلاً بالحكم يعني لم يكن يعلم أن عليه أن يأتي بسبعة أشواط وأتى بنية الأمر الواقعي فقط، وتارةً يكون جاهلاً بالموضوع يعني تخيل أنه جاء بسبعة أشواط وبعدها التفت إلى إنه أتى بأربعة أشواط. قلنا في النقيصة السهوية أنه إذا تجاوز النصف فإنه يعود ويكمل الباقي، والأشواط الباقية التي أتى بها تكون صحيحة.
 وقد أسلفنا إنه ليس لدينا روايات في باب السهو، ونحن نستفيد حكم هذا المورد من الموارد المشابهة مثل: الروايات الواردة في خصوص المرض، أو تنجس الثياب أو الحدث في الطواف، والموارد المختلفة التي فرقت بين قبل النصف وبعده، فهنا نلغي الخصوصية ونضيف إليها حالة السهو خصوصاً إن الروايات عللت ففي ذلك يقول الإمام (عليه السلام): لأنه زاد علی النصف فهذا القسم يمكن أخذه بعنوان كبرى كلية التي تسري على كل المصاديق يعني في أي مكان إذا جاوز النصف يمكن أن يكمل ولا يلزم الإعادة من البداية مهما كان، فإن حالة الجهل تلحق به، ولكن سند الرواية المذكورة فوق كان فيه إشكال.
 * * *
 المسألة التاسعة عشرة: يجوز قطع الطواف المستحب بلا عذر، وكذا المفروض على الأقوى، و الأحوط عدم قطعه بمعنى قطعه بلا رجوع إلى فوت الموالاة العرفية، (يعني لا يقطع بدون فوات الموالاة).
 يقول السيد الماتن في الفرع الأول: لا إشكال في جواز قطع الطواف المستحب ولو بدون عذر.
 ويقول في الفرع الثاني: يجوز قطع الطواف الواجب على الأقوى بدون عذرٍ كذلك.
 بعدها يحتاط احتياطا وجوبياً ويقول: الأحوط إذا أردت أن تقطع الطواف الواجب، فدع الموالاة تفوت ثم أقطع الطواف (كما يقولون في مورد الصلاة، إذا حصل لك شك مبطل للصلاة فلا تقطع الصلاة فوراً ثم تعيدها من البداية، أصبر أو تفكر حتى تفوت الموالاة، ثم أعدها) بمعنى أنه إذا قطع أحد طوافه قبل فوات الموالاة أعاد، فإن نية القطع قد لا توجب القطع، والذي بدأ الإتيان به أولاً يحسب من الطواف السابق.
 نقول: القطع على أربعة صور:
 الأول: أن يحصل القطع بسبب عذر شرعي، مثل الحدث، المرض وأمثالها، وقد أوضحنا هذا القسم سابقاً.
 الثاني: أن يكون القطع بسبب الواجب الأهم، كما لو أراد أن ينقذ حياة مسلم فمثلاً شخص في وسط الطواف أصابته السكتة القلبية فإنه يقطع طوافه لأخذه إلى المستشفى.
 الثالث: أن يكون قطع الطواف لأداء عمل مستحب، مثلاً يقطع طوافه للوصول إلى صلاة الجماعة (وهذا الأمر ورد في الروايات)، أو (كما ورد في الروايات) يأتي مؤمن وعنده حاجة، وقد تكون حاجته غير ضرورية ومع ذلك ـ كما في الروايات ـ يمكنه قطع الطواف والسعي لحاجة المؤمن.
 الرابع: وهو محور بحثنا، وهو لا يكون لديه أي من الأعذار التي وردت سابقاً، بل يقطع طوافه من دون أي عذرٍ كما لو كان متعباً قليلاً، وإنه تضايق بعض الشيء، أو إنه جائع أو عطش فما هو الحكم في مثل ذلك؟!
 للبحث صلة.


[1] بحار الأنوار، ج 75، ص 370.
[2] الکافي، ج 2، ص 306، حدیث 1.
[3] سورة النساء، الآية: 54.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo