< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حكم زيادة شوط سهواً
 البحث في المسألة السابعة عشر من مسائل الطواف والتي تختص بزيادة شوط كامل على أشواط الطواف، للمسألة فروع كثيرة، قد عالجنا أصل المسألة وقلنا أن المشهور يذهب إلى ضرورة زيادة ستة أشواط أخرى لتصبح أربعة عشر شوطاً، ويظهر من بعض الأقوال إن زيادة ستة أشواط واجبة.
 الروايات:
 في الباب 34 من أبواب الطواف روايات كثيرة، اثنتا عشرة منها تدل على إتمام الأربعة عشر شوطاً.
 وثلاث روايات تدل على البطلان، وروايتان لا علاقة لهما بالبحث.
 قلنا سابقاً إن الأصل يدل على عدم البطلان.
 لأن أصل البراءة يدل على عدم المانعية، الجزئية، الشرطية، وبالتالي فإن الأصل هو عدم البطلان.
 الروايات الدالة على قول المشهور (وهو وجوب أداء أربعة عشر شوطاً)، تُقسم إلى قسمين الطائفة الأولى منها تدل على إتمام الأربعة عشر شوطاً والطائفة الأخرى روايات تبين صلاة الطواف وهي مختلفة في ما بينها:
 أما الطائفة الأولى: الروايات 8 ، 10، 12، 17 والروايات 8، 10، 12، عن راوٍ واحد وهو محمد بن مسلم، ويمكن أن تكون رواية واحدة، وخصوصاً أن مضامينها واحدة، عن أحدهما (أي الإمام الباقر (عليه السلام) أو الإمام الصادق (عليه السلام).
 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ طَافَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ ثَمَانِيَةَ أَشْوَاطٍ قَالَ يُضِيفُ إِلَيْهَا سِتَّةً [1] .
 هذه الرواية صحيحة سنداً.
 وظاهر (يضيف) هو الوجوب ولا يوجد في هذه الروايات شيء عن النسيان أو العمد، ولكن من الواضح إنها تحمل على النسيان، لأنه لا يوجد داعي لكي يضيف الشخص على طوافه شوطاً وهو مأمور بسبعة أشواط، لذلك يقول صاحب الوسائل: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى النِّسْيَانِ.
 ومع ذلك فإن بعض الروايات حملت على العموم لتشمل العمد أيضاً.
 عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَلَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليه السلام) قَالَ إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (عليه السلام) إِذَا طَافَ الرَّجُلُ بِالْبَيْتِ ثَمَانِيَةَ أَشْوَاطٍ الْفَرِيضَةَ فَاسْتَيْقَنَ ثَمَانِيَةً أَضَافَ إِلَيْهَا سِتّاً وَ كَذَلِكَ إِذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ سَعَى ثَمَانِيَةً أَضَافَ إِلَيْهَا سِتّاً [2] .
 الرواية صحيحة سنداً.
 ويستفاد من فَاسْتَيْقَنَ ثَمَانِيَةً إنه لم يزد شوطاً عمداً، بل سهواً ومن بعدها حصل له اليقين بالزيادة.
 عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَلَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليه السلام) قَالَ قُلْتُ رَجُلٌ طَافَ بِالْبَيْتِ فَاسْتَيْقَنَ أَنَّهُ طَافَ ثَمَانِيَةَ أَشْوَاطٍ قَالَ يُضِيفُ إِلَيْهَا سِتَّةً.. [3] .
 هذه الرواية مثل سابقتها، وهي ظاهرةً في السهو.
 مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ فِي الْمُقْنِعَةِ قَالَ قَالَ (عليه السلام) مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ ثَمَانِيَةَ أَشْوَاطٍ نَاسِياً ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا سِتَّةَ أَشْوَاطٍ [4] .
 الرواية مرسلة، ويظهر أنها أخذت من الروايات الثلاث السابقة.
 مهما كانت الروايات الثلاث الأولى، منقولة عن راوٍ واحد، والرواية المرسلة هي عبارة عن نقل بالمعنى من تلك الروايات، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن هذه الروايات جميعاً هي رواية واحدة في هذا الباب.
 أمّا الطائفة الثانية:
 التي تبين حكم الصلاة وهي روايات 4، 5، 6، 7، 9، 13، 15، 16.
 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ مِثْلَهُ (عبارة مثله تدل على أن رجال السند، هم رجال السند في الرواية السابقة وهم عبارة عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي كَهْمَسٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه‌) وَ زَادَ وَ قَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ (إذا كان أقل من شوط) وَ إِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى بَلَغَهُ (يعني وصول إلى الركن وأتمّ شوطاً كاملاً) فَلْيُتِمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطاً وَ لْيُصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ [5] .
 في هذه الرواية إشكال من ناحية السند، وقد ذكرت هذه الرواية صلاة أربع ركعات ولم تفصل في الجزئيات أعني النية وأمثالها.
 عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَنْ‌ طَافَ بِالْبَيْتِ فَوَهِمَ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الثَّامِنِ (ويتم الشوط الثامن) فَلْيُتِمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطاً ثُمَّ لْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ [6] .
 الرواية صحيحة، والقائلون بصحة الطواف تمسكوا بها، وقالوا إن قول الإمام (عليه السلام) حَتَّى يَدْخُلَ فِي الثَّامِنِ معناه الدخول في الشوط الثامن وإتمامه.
 والقائلون بالفساد تمسكوا أيضاً بهذه الرواية وقالوا إن الأشواط السبعة الأولى صحيحة ولكن الإمام (عليه السلام) في النهاية حكم بصلاة ركعتين لا أربع.
 ولكنهم لم يجيبوا عن هذا السؤال: لماذا حكم الإمام بإتمام الأربعة عشر شوطاً؟ وإذا كانت الأشواط السبعة الأولى صحيحة فما الداعي لإتمام الأربعة عشر شوطاً؟
 لعلهم يقولون إن هذه الأشواط الستة من باب العقاب.
 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ إِنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) طَافَ ثَمَانِيَةَ أَشْوَاطٍ فَزَادَ سِتَّةً ثُمَّ رَكَعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ [7] .
 نحن نعتقد بأن الإمام لا يسهو حتى في المسائل العادية، فكيف بالأحكام.
 والدليل على هذا ـ كما ورد في علم الكلام ـ إن الإمام إذا سهى يفقد الناس ثقتهم به، لأن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، وإذا سهى الإمام في الطواف فيمكنه أن يسهو في الأمور الأخرى كبيان الأحكام مثلاً، لذلك فإن الأكثرية الساحقة من العلماء اعترضوا على الشيخ الصدوق الذي كان يقول بسهو النبي (صلى الله عليه وآله)، معللين ذلك بأن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إذا سهى في الصلاة فإن الناس يفقدون ثقتهم به تماماً في الأمور الأخرى.
 فعليه فإن الذين تمسكوا بهذه الرواية فإنهم حملوها على حالة العمد، في حين ما المبرر الذي يجعل الإمام علي (عليه السلام) يتعمد زيادة شوطٍ؟
 البعض حمل هذه الرواية على التقية، فإن الإمام الصادق (عليه السلام) ذكر هذا الحديث، لأن الناس آنذاك كانوا يعدونه راوٍ، لذلك نسب الحديث إلى الإمام علي (عليه السلام) حتى يقبل الناس منه، بناءً على هذا التفسير فإن الإمام علي (عليه السلام) لم يواجه مثل هذا الأمر، ولم يزد شوطاً، وإنما نسب الإمام إليه هذا تقية.
 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ إِنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) طَافَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ ثَمَانِيَةً فَتَرَكَ سَبْعَةً وَ بَنَى عَلَى وَاحِدٍ وَ أَضَافَ إِلَيْهِ سِتّاً ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا رَجَعَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَرَكَ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ [8] .
 إذا كان الطواف الأول باطلاً فلماذا صلى الإمام (عليه السلام) صلاة الطواف؟
 على هذا فإن الأشواط السبعة الأول كانت صحيحة، وبناءً عليه فإن الإمام (عليه السلام) صلى صلاة الطواف مرتين، فالأولى من دون فأصل، والأخرى بعد السعي.
 خصوصاً إن ذيل الرواية يقول: َصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَرَكَ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ يعني صلى تلك الركعتين اللتين كان يجب أن يصليهما وهذا علامة على إن طوافه كان صحيحاً، وكان عليه أن يأتي بصلاة الركعتين على كل حال فإن هذه الرواية ظاهرة بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد سهى، ولكن يجب حملها على التقية من جهة الإمام الصادق (عليه السلام) كما أسلفنا.


[1] الوسائل، ج 9، باب 34، من أبواب طواف، حدیث 8.
[2] الوسائل، ج 9، باب 34، من أبواب طواف، حدیث 12.
[3] الوسائل، ج 9، باب 34، من أبواب طواف، حدیث 10.
[4] الوسائل، ج 9، باب 34، من أبواب طواف، حدیث 17.
[5] الوسائل، ج 9، باب 34، من أبواب طواف، حدیث 4.
[6] الوسائل، ج 9، باب 34، من أبواب طواف، حدیث 5.
[7] الوسائل، ج 9، باب 34، من أبواب طواف، حدیث 6.
[8] الوسائل، ج 9، باب 34، من أبواب طواف، حدیث 7.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo