< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حكم الطواف بين والمقام البيت
 البحث في الخامس من واجبات الطواف حيث أن بعض الفقهاء قالوا أن الطواف يلزم أن يكون في المسافة بين البيت والمقام وهي لا تتجاوز السادسة والعشرين ذراع ونصف وقد أسلفنا أن فقهاء الجمهور لم يتعرضوا لذلك. دليل القول بهذا هو رواية ياسين الضرير وقد أوردنا عليها الإشكالات التالية:
 ـ إنها ضعيفة سنداً.
 ـ إنها مضمرة إلاّ أن يقال أن الإضمار لا يضر لأن الراوي عن الإمام محمد بن مسلم وهو لا يروي عن غيره.
 ـ الرواية تقول أنه في عصر الرسول كان المقام ملصقاً بالكعبة لكن السؤال: لم فصل عن الكعبة وهل أن التاريخ يؤيد ذلك.
 ـ الرواية تقول يجب مراعاة الفاصل بين موضع المقام والبيت، هل ورد في التاريخ أنه مع لصوق المقام بالكعبة كان الطائفون يراعون الفاصل بين البيت وموضع المقام الحالي؟
 مهما كان إن ما يترتب على الفتوى وفق هذه الرواية هو انه يجب على ملايين الطائفيين أن يمروا من فتحة عرضها ثلاث أمتار ونصف.
 وأما الرواية الصحيحة:
 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ قَالَ مَا أُحِبُّ ذَلِكَ وَمَا أَرَى بِهِ بَأْساً فَلَا تَفْعَلْهُ إِلَّا أَنْ لَا تَجِدَ مِنْهُ بُدّاً [1] .
 الظاهر من هذه الرواية هو كراهة الطواف من خلف مقام إبراهيم وذيلها يفيد انه لا تأتي بهذا المكروه ما استطعت.
 إن المشهور [لو كانت هناك شهرة] جمع بين الروايتين جمعاً دلالياً بأن رواية ياسين تفيد المنع عند الاختيار ورواية الحلبي تفيد الجواز عند الاضطرار فمن خلال ذلك يستخلص ما ذهب إليه المشهور.
 ولو لم نأخذ بما ذهب إليه المشهور واستقر التعارض فنأخذ بما اشتهر بين الأصحاب فالشهرة أجبرت ضعف السند كما تعد مرجحاً عند التعارض.
 ويلاحظ عليه:
 هذا الجمع الدلالي مرفوض لأن هذا الجمع يحتاج إلى شاهد عرفي! كما أن الرواية الثانية صريحة في الكراهة فلا نستطيع أن نحملها عل حال الاضطرار! وكذلك لا يصلح عمل المشهور أن يكون دليلاً هنا للترجيح لأنه لاحظنا مراراً أن الفقهاء يفتون بالرواية التي تأتي مطابقة للاحتياط كما رأينا في عبارة الشيخ في الخلاف في المحاضرة السابقة بأنه يلزم الطواف بين الحدين لأنه موافق للاحتياط! ونحن اليوم لا نعد الاحتياط من المرجحات عند التعارض فمبنانا يختلف عن مبناهم فلا نستطيع أن نسير على ما رأوه في هذه المسألة.
 زد عليه لو كان الطواف في هذه الدائرة فلم لم ترد الإشارة إليه لا في التاريخ ولا في الحديث؟! كما أن المسألة لم تكن سياسية ترتبط بالولاية حتى يقال لم تذكر للتقية. زد على ذلك لو كان الممر خلف الحجر ثلاثة أمتار ونيف وكان عشرات الآلاف مع النبي (صلى الله عليه وآله) يطوفون منه فلماذا لم يذكر ذلك في التاريخ أصلاً وكيف كانت تلك الجموع المحتشدة تتمكن أن تعبر من هذا الممر الضيق؟
 كما إن الشريعة الإسلامية شريعة سهلة سمحة، هل بالإمكان أن نلزم أتباعها بحكم حرجي متعسر؟ خصوصاً بالمرور في ثلاثة طوافات وكل طواف سبعة أشواط! أضف إليه حضور النساء في هذه الجموع المكتظة!
 وإن قيل أنه عند الاضطرار يجوز الطواف خلف المقام!
 نقول: إن الاضطرار موجود دائماً فيرفع الحكم بالمرة والشارع لا يشرع حكماً يرافقه الاضطرار دائماً أو في الغالب! وإن كان مثل هذا الحكم فلا يمكن الحديث عنه في عصرنا أصلاً لأنه لا يمكن العمل به إلاّ نادراً، ولذلك نلجأ إلى إطلاق الآية الكريمة وإطلاق الروايات. ففي روايات كثيرة في باب الطواف لم ترد إشارة إلى هذا الحكم إلاّ رواية ياسين الضعيفة سنداً وهي معارضة برواية أخرى صحيحة سنداً، فنخلص إلى القول بأن الطواف صحيح من أية نقطة من المسجد كانت.
 بقي هنا أمور:
 الأول: هل هنا احتياط استحبابي في العمل بهذا الحكم؟ على رأينا لا استحباب في ذلك والعمل بالاحتياط هنا يوجب إحراجاً وضرراً وخطراً فلذا من يعمل بهذا الاستحباب في سفره الأول فهو بعيد عن الصواب، نعم في العمرة إذا لم يكن زحام لعله أفضل.
 الثاني: ذهب السيد الگلپايگاني إلى أنه من يطوف خارج المقام فلا بد أن يكون متصلاً بالطائفين وإلا إذا لم يكون متصلاً بأن كان يطوف في دائره على حدة فطوافه باطل!
 نقول: إن هذا الشرط غير صحيح لأن المقياس هو صدق الطواف حتى وإن لم يكن الطائف متصلاً بصفوف الطائفيين!
 نعم لو لم يكن الطائف في المطاف وكان بعيداً بحيث يعد وضعه غير معتاد وطوافه غير متعارف فمثل هذا قد يقال عنه إن طوافه غير صحيح.
 الأمر الثالث:
 وهو أمر هام للغاية وهو الطواف في الطبقات العلى، فإنه على ما نذهب إليه أن الطبقة الأولى محاذية لأعلى الكعبة فيصدق الطواف حول الكعبة في الطابق الأول فنستطيع في حال الاختيار الطواف في الطابق الأول.
 وأما الطابق الثاني فبما أنه أعلى من الكعبة فلا يصح معه الطواف حول البيت.
 إن قلت: إن البيت يمتد من الأرض إلى البيت المعمور ففي هذا الحال يصدق الطواف حول البيت كما في الصلاة حيث تصح حتى في الطائرة إذا كانت باتجاه الكعبة فيصح الطواف حينئذ!
 سيأتي البحث ذلك إن شاء الله تعالى.
 


[1] الوسائل، ج 9، باب 28 من أبواب الطواف حدیث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo