< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/01/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: ما يستحب الإتيان به في الطواف
 في البحث عن شرائط الطواف تطرقنا إلى مستحباته، كان من المناسب أن يؤتى بموضوع المستحبات بعد المسألة 11 لأن فيها قد أشير إلى واحدة من المستحبات، ولذلك نحن أولاً نعالج هذه المسألة ثم نتطرق إلى المستحبات الأخرى، وقد أشار صاحب الجواهر إلى خمسة عشر مستحباً والمحقق النراقي إلى ستة.
 في هذا المقام يلزم الانتباه إلى نقطتين:
 الأولى: قسم هام من المستحبات غير صالحة للعمل وإن عمل بها أحد فإنه يسبب إزعاج الآخرين فيكون في عمله شبهة الحرمة فمثلاً لو أرادوا إلصاق الخد والبطن بالمستجار فإن ذلك يؤدي إلى قطع الطريق وإتعاب الآخرين، هذا مع أن الدعاء لا يؤدي إلى إزعاج أحد وكذلك في الصلوات وأما في استلام الحجر فيستطيع أن يكتفي بالإشارة!
 الثانية: أن القائل بالتسامح في أدلة السنن يذهب إلى أن الروايات الدالة على الاستحباب يمكن الأخذ بها وإن لم تكن معتبرنا سنداً!
 وأما نحن فنرى أن الواجب والمستحب من الأحكام الإلهية فتفتقر إلى أدلة معتبرة سواء بسواء وإن التسامح في أدلة السنن لا يعني أن الروايات الضعيفة بمنزلة الروايات الموثوقة فلا يمكن الإفتاء بالاستحباب في تلك الموارد وإن أفتي في تلك الموارد بقصد الورود فذلك بدعة!
 نحن نرى أن التسامح في أدلة السنن يعني أن المستحب التي ليس لها سند صحيح لو أتى بها رجاءً يُثاب على عمله! وهذا هو ما يرمي إليه قوله (عليه السلام): من بلغه عن النبي (صلى الله عليه وآله) شيء من الثواب فعمل به كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقله.
 مهما كان نحن لا نناقش في سند أحاديث من بلغ وأحاديث التسامح في أدلة السنن وإنما نقاشنا في الدلالة حيث نقول أنها تدل على رجاء الثواب دون الاستحباب. للشيخ الانصاري رسالة في ذلك حيث ان سماحته عالج القضية علاجاً ناجعاً.
 وفقا لما تقدم فعلى ما ذهبنا إليه من إن الروايات الضعيفة لا تفيد الاستحباب نقول أن المستحبات على صنفين:
 صنف منها في الدعاء وهو لو لم يكن له دليل خاص يدخل في مطلق استحباب الدعاء فنستطيع أن نحكم بالاستحباب ولكن عند القصد يلزم أن نقصد مطلق الورود لا الورود الخاص.
 وأما الموارد التي ليس لها دليل معتبر مثل إلصاق البطن على المستجار فيجب الإتيان بها بقصد الرجاء لا بقصد الاستحباب.
 ومن هنا قد نبهنا في حاشية العروة في المستحبات التي لم يرد فيها دليل معتبر مثل مستحبات الركوع والقيام فيجب أن يؤتى بها بنية الرجاء.
 مسألة 11: يصح الطواف بأيّ نحو من السرعة و البطء ماشيا و راكبا‌ لكن الأولى المشي اقتصادا.
 في هذه المسألة فرعان:
 الأول: يجوز الإتيان بالطواف بأي نحو من الأنحاء راكباً أو راجلاً أو محمولاً أو مستقلاً كرسياً متحركاً.
 يبدو أنه لا خلاف في المسألة وإن لم تذكر أقوال كثيرة فيه!
 الثاني: وهو استحباب الاقتصاد في الطواف وقد وردت فيها أقوال عديدة يستفاد منها أن الطرق الأخرى جائزة.
 الدليل على الفرع الأول:
 إن أطلاقات روايات الطواف تدل على أنه يجب أن تطوف سبعة أشواط حول الكعبة ولم تقيد بشيء مثل أن تكون راكباً أو راجلاً أو مقتصداً أو مسرعاً!
 وكذلك جرت سيرة المسلمين على إتيان الطواف بحالاته المختلفة من سرعة وبطئ وما إلى ذلك من حالات إن هذه السيرة جارية من لدن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى يوم الناس هذا! بل نستطيع أن نمشي حفاتاً أو محتذين حذاءً لو لم يعد ذلك إساءة للبيت!
 وأما الركوب ففيه دليل خاص منصوص والروايات عن ذلك فيها الصحيح وفيها الضعيف إلاّ أنها متضافرة!
 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الْكَاهِلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ وَ جَعَلَ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ وَ يُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ [1] .
 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (إمام باقر) (عليه السلام) يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ وَ سَعَى عَلَيْهَا بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ [2] .
 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الْمَرْأَةِ تُحْمَلُ فِي مَحْمِلٍ فَتَسْتَلِمُ الْحَجَرَ وَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَ لَا عِلَّةٍ قَالَ فَقَالَ إِنِّي لَأَكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ وَ أَمَّا أَنْ تُحْمَلَ فَتَسْتَلِمَ الْحَجَرَ كَرَاهِيَةَ الزِّحَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ حَتَّى إِذَا اسْتَلَمَتْ طَافَتْ مَاشِيَةً [3] .
 هذه الروايات صحيحة سنداً.
 الفرع الثاني:
 وهو في استحباب الاقتصاد في المشي كما أسلفنا.
 الأقوال: المشهور أفتى بالاستحباب.
 قال المحقق النراقي: ومنها ان یقصد في مشیه بان لا یُسرع و لا يبطئ مطلقا وفاقا للقدیمین (ابن أبي عقیل و ابن جنید) و النهایة و الحلبي و الحلي و الشرائع و النافع و غیرهم بل الاکثر کما حکی عن جماعة... و عن المبسوط و القواعد و في الإرشاد استحباب الرمل و هو الهرولة کما في الصحاح و القاموس، في الأشواط الثلاثة الأولى خاصة و المشي في الأربعة الباقیة في طواف القدوم خاصة و هو أول طواف یأتي به القادم إلى مکه مطلقا [4] .
 الدليل:
 بعض الروايات تفيد استحباب الرمل وهو الإسراع في المشي وبعضها يفيد الاقتصاد فيه، قد وردت هذه الروايات في الباب 21 من أبواب الطواف:
 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الْمُسْرِعِ وَ الْمُبْطِئِ فِي الطَّوَافِ فَقَالَ كُلٌّ وَاسِعٌ مَا لَمْ يُؤْذِ أَحَداً [5] .
 إن هذه الرواية تدل على الجواز دون الاستحباب كما أنها ضعيفة سنداً بسعيد الأعرج لأنه مجهول الحال!
 وَ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ عَنْ زُرَارَةَ أَوْ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنِ الطَّوَافِ أَيَرْمُلُ فِيهِ الرَّجُلُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) لَمَّا أَنْ قَدِمَ مَكَّةَ وَ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْكِتَابُ الَّذِي قَدْ عَلِمْتُمْ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَجَلَّدُوا وَ قَالَ‌ أَخْرِجُوا أَعْضَادَكُمْ وَ أَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ رَمَلَ بِالْبَيْتِ لِيُرِيَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُمْ جَهْدٌ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَرْمُلُ النَّاسُ وَ إِنِّي لَأَمْشِي مَشْياً وَ قَدْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) يَمْشِي مَشْياً [6] .


[1] الوسائل، ج 9، من أبواب الطواف، باب 81، حدیث 1.
[2] الوسائل، ج 9، من أبواب الطواف، باب 81، حدیث 2.
[3] الوسائل، ج 9، من أبواب الطواف، باب 81، حدیث 4.
[4] المستند، ج 12، ص 77.
[5] الوسائل، ج 9، من أبواب الطواف، باب 21، حدیث 4.
[6] الوسائل، ج 9، من أبواب الطواف، باب 21، حدیث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo