< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/12/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 المحاضرة الأخلاقية
 عن الإمام علي الهادي (عليه السلام): المصيبة للصابر واحدة وللخارج اثنتان [1] .
 إن ملذات الدنيا ـ شئنا أو أبينا ـ قرينة بالمصائب والمنغصات! قد تكون المصيبة مالية كما لو أفلس الرجل في تجارته وقد تكون نفسية كما لو فقد الشخص عزيزاً له أو أصيب بمرض عضال! وقد تكون المصيبة في اعتبار الإنسان وماء وجهه فان الإنسان قد يرتكب خطأ أو تدبر ضده مكيدة للإيقاع به وإراقة ماء وجهه!
 وقد تكون المصيبة اجتماعية كما لو عمت الانحرافات والمفاسد وساد الانحطاط الأخلاقي.
 والسؤال ما هو الموقف الذي ينبغي أن يتخذه الإنسان أمام هذه المصائب؟
 إن الإنسان في مثل ذلك يمكن أن يقوم بأحد تصرفين:
 الأول: يحاول أن لا تقع المصيبة ما استطاع وإذا ما وقعت فيصبر فلا يواجه إلا مصيبة واحدة.
 الثاني: أن يفقد صوابه فيجزع ويفزع وبما أن الجزع والفزع يمحيان الصواب فهذه مصيبة ثانية تضم إلى المصيبة الأولى أو أن فقد الصواب يؤدي إلى مردودان سلبية مثل الكآبة وسوء الخلق وانهيار الأعصاب وضيق الصدر وهذه هي مصيبة أخرى!
 بسبب عدم ضبط النفس والسيطرة على الأعصاب وعدم الصبر قد يصاب الإنسان بأكثر من مصيبة!
 قال المولى الحق في المحكم من كتابه: الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إنَّا لِلّهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [2] .
 فالله سبحانه يصلي على هؤلاء كما يصلي على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): إنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [3] .
 إن الذي يأخذ الجزع منه مأخذه يفقد القدرة على التفكير فلا يستطيع أن يضع حلاً لمشكلته كالعصفور الذي يحاصر في غرفة فإنه يضرب بنفسه على الجدران والنوافذ طلباً للنجاة ولكنه إذا هدأ ونظر نظرة فاحصة قد يستطيع أن يجد مخرجاً.
 * * *
 عنوان البحث الفقهي: حكم إباحة الساتر في الطواف
 تقدم انه يلزم إباحة الساتر للطائف وأفضل دليل على لزومه هو قاعدة اجتماع الأمر والنهي لأنه ما يكون مبغوضاً ومحبوباً هو الصلاة والغضب الخارجيان، حيث تمثلا في حركة واحدة فإنه يجب ستر البدن في الصلاة كما يحرم أن يكون غصبياً فإذا كان الستر غصبياً ففي الحقيقة أن الصلاة والغضب تجسدا في عمل واحد.
 لا يقال أن الأحكام تتعلق بالطبائع لا بالخارج لأن الخارج ظرف سقوط الأحكام لا ثبوتها فإذا وجدت الصلاة في الخارج يسقط التكليف فلا يصح أن يقال أن التكليف تعلق بالصلاة الخارجية!
 لأنه يرد عليه:
 إن ذلك نوع من المغالطة لأن الذي ينهي عن الفحشاء والمنكر ليس هو العنوان الذهني للصلاة بل هي الصلاة الواقعية المتحققة في الخارج وكذلك الغصب! وعليه أن المولى لا يأمر بالصلاة المتحققة في الخارج بل يأمر بإيجاد الصلاة في الخارج وكذلك في النهي عن الغصب! فمن هنا نقول أن الله سبحانه أراد أن يأتي المكلف بالصلاة مستور العورة ولكن بساتر غير مغصوب فهذان الأمران قد اجتمعا في عمل واحد في الخارج فلا يصح أن يكون مأموراً منهياً عنه ولذلك نحن نذهب إلى عدم اجتماع الأمر والنهي.
 هنا نقطتان:
 الأولى: إن قولنا باتحاد الايجادين وأنهما في هذا الحال يؤديان إلى اجتماع الأمر والنهي في عمل واحد وان ذلك ممتنع عقلاً ولا يوجب القربة، هل أن ذلك كله يفهم من قبل جمهور الناس أم أن ذلك لا يفهم إلاّ بالدقة العقلية؟! واضح أن العقلية العرفية لا تستوعب ذلك ولا تدركه ولذلك ان فقهاء الجمهور لا يعتبرون الإباحة شرطاً في صلاة المصلي وهذا يشير إلى أن المسألة ليست بتلك الدرجة من الوضوح، وبما أن المسألة معقدة فكان يلزم أن ينبه الشارع على الحكم فيها ليطلع المكلفون عليها، مع ذلك لم نجد رواية وردت في ماء الوضوء والغسل ولباس المصلي وأن يكون لباس الطائف مباحاً. ومن هنا يصبح شرط الإباحة مشكوكاً ولذلك نحن لا نفتي بشرطية الإباحة وإنما نقول بالاحتياط الوجوبي.
 النقطة الثانية:
 ما هو حكم الساتر الآخر أعني غير ساتر العورة وكل البدن، هل يجب أن يكون مباحاً؟
 إن السيد الماتن قال بالبطلان احتياطاً لأن الطائف عند الطواف يقوم بحركة واحدة يصدق عليها الغضب كما يصدق عليها الطواف وهي مبغوضة للمولى فتحرم.
 يلاحظ عليه:
 ما يحرم هو لبس المغصوب سواء أكانت حركة أم لم تكن! فعندما يلبس المحرم الثوب قد أغصب والحركة لا تؤدي إلى نصب إضافي، وبعبارة: ما يحرم هو التصرف في الثوب وهو يتحقق باللبس سواء تحرك أو لم يتحرك!


[1] بحار الأنوار، ج 75، ص 369.
[2] سورة البقرة، الآية: 156 و 157.
[3] سورة الأحزاب، الآية: 56.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo