< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/12/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: الستر في الطواف
 كان البحث في وجوب ستر العورة عند الطواف، تقدم أن المسألة خلافية وأن بعض الفقهاء لم يتعرض لها أو تردد فيها إلا أن جمعاً غفيراً منهم اعتبره واجباً وشرطاً، قد تقدم منا أنه لا شك في الشرطية لأنه بدونها لا تتمشى نية التقرب فلا تحصل، زد على ذلك بأن ثماني روايات تدل على ذلك وهي وإن كانت ضعيفة إلا أنها متضافرة بل أنها تدل على أكثر من ستر العورة فيجب أن يكون الحاج على حال لا يسمى بها عرياناً!
 تقدم أن كثيراً من الفقهاء لم يشيروا إلى هذا الشرط ولكن بعضهم في بحث ستر الصلاة تعرض لذلك مثل صاحب العروة في المسألة 10 من كتاب الصلاة وقد أيده في ذلك المحشين على العروة وإن كان بعضهم أوجب ستر العورة في الطواف على نحو الاحتياط الواجب.
 وهناك نقطة أخرى وهي أن المحقق الخوئي قد تمسك برواية كانت تقول أنه لو تنجس ثوب الطائف فعليه أن يوقف الطواف ثم يطهر وبعد ذلك يواصل الطواف، وقد أستنتج سماحته من هذه الرواية وجوب لبس الثوب وطهارته!
 يلاحظ عليه أن الدليل أخص من المدعى لأن غاية ما تدل عليه الرواية هو أنه لو كان لابساً ثوباً يجب تطهيره فلا تدل على وجوب لبس الثوب! فالرواية لا تدل على أن لبس الثوب كان مفروغاً عنه بل هي أمارة على أن الجميع كانوا يطوفون مرتدين أثوابهم لا انهم كانوا يطوفون مكشوفي العورة.
 وهناك نقطة ثالثة:
 يقول المحقق النراقي في المستند [1] أن روايات لا يطوفن بالبيت عريان لا تدل على المدعى! فغاية ما تدل عليه الرواية هو وجوب التبليغ على الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأما وجوب امتثال ما يقول أمير المؤمنين في هذه الحالة فلا دليل عليه.
 يلاحظ عليه:
 كما ورد في الأصول أن الأمر بالأمر أمر، فعندما يأمر السيد عبده أن يأمر شخصاً ليقوم به عمل ما فإن أمره هذا هو نفس أمر المولى ويدل على الوجوب، هذا هو الظهور العرفي للأمر بالأمر وهو سائد بين الناس فإن رجال الدولة في الغالب يقومون بأعمالهم بهذه الطريقة فيأمرون من هو تحت إمرتهم ليأمر من هو أقل منه رتبة ليقوم بعمل ما! وإن لم يمتثل فيعاقب! هذا هو السائد بين الناس.
 النقطة الرابعة:
 قد يقال أن قوله لا يطوفن بالبيت لا صلة لها بقضية الستر فإن الرسول (صلى الله عليه وآله) بقوله هذا أراد أن يطيح بتقليد جاهلي ولا علاقة بين ذلك وبين وجوب الستر في الطواف.
 يلاحظ عليه:
 أن هذه الروايات لا تختص بالمشركين لأن الخطاب فيها عام يشمل المسلمين أيضاً! فعندما يقول: لا يطوفن عريان، هذا يعني أن الستر واجب بل يجب أن تستر أعضاء البدن الأخرى وهذا لا يتنافى مع العمل على إلغاء التقليد الجاهلي فيجب الستر عند الطواف بحسب هذه الروايات.
 النقطة الخامسة:
 قال بعض الأعلام أن النسبة بين روايات (لا يطوفن) ووجوب الستر عموم وخصوص من وجه لأن وجوب الستر أعم من أن يكون عرياناً أو لا أي أنه مضافاً إلى ستر العورة قد تكون بقية الأعضاء مستورة وقد لا تكون وأن لا يكون عرياناً أعم من أن يكون عورته مكشوفة وباقي الأعضاء مستورة وأن تكون العورة مستورة وباقي الأعضاء مكشوفة.
 يلاحظ عليه:
 إن كان البدن مستوراً والعورة مكشوفة يعد عرياناً ولذلك النسبة عموم وخصوص مطلق لأن ستر العورة أعم من أن يكون عرياناً أو لا أي أن الصورة إن كانت مستورة قد يكون عرياناً أعني لا تكون أعضائه الأخرى مستورة وقد تكون مستورة، وما ترمي إليه روايات لا يطوفن بالبيت عريان هو العريان الخاص فيجب أن تكون العورة والأعضاء الأخرى مستورة.
 * * *
 الفرع الثاني: في إباحة الساتر
 إن الفقهاء لم يتطرقوا في الساتر إلى بحث الإباحة وكانت معالجاتهم في موضع آخر فمثلاً صاحب الجواهر أشار إلى الإباحة في موضوع الإحرام فهو يقول: ومنه يعلم عدم الجواز [أي عدم جواز الإحرام] في المغصوب وفي جلد الميتة وفي المذهب للرجال بل لو قلنا بشرطية لبسهما في الإحرام اشترط إباحته أيضاً [أي ان قلنا ان لبس ثوبي الإحرام شرط للإحرام لا واجب مستقل تكون الإباحة شرطاً فبطل الإحرام بدونها ولو قلنا أن لبسهما واجب مستقل يجوز نزعمهما مع عدم الناظر المحرم].
 فبناء على ما ذهب إليه شيخ الجواهر لو قلنا بشرطية لبسهما حال الإحرام اشترط إباحتهما أيضاً، ففي الطواف أيضاً لو قلنا بوجوب ستر العورة في الطواف تشترط الإباحة كذلك.
 والدليل:
 أكثر الفقهاء لم يتطرقوا إلى دليل هذه المسألة وقد عالجها المعاصرون من طريق موضوعة اجتماع الأمر والنهي، وقد قلنا في مباحثنا الأصولية في الثوب الغصبي أن الشارع قد أمر بالصلاة ونهى عن الغصب فعندما يصلي الشخص بالثوب المغصوب يكون ممتثلاً من ناحية الأمر بالصلاة وعاصياً من ناحية النهي عن الغصب، وقد قلنا في بحوثناً الأصولية أن اجتماع الأمر والنهي محال لأن متعلقهما هو الخارج والخارج هو عمل واحد لا يمكن أن يكون مأموراً به ومنهياً عنه.
 أجل البعض قال أن الأمر والنهي تعلق بالعناوين الكلية الذهنية دون الخارج فلم يجتمع الأمر والنهي في مصداق واحد حتى يستلزم محذوراً.
 يلاحظ عليه:
 ان الأمر والنهي تعلق بالعنوان ولكن ما هو حرام وواجب ليس الغصب والصلاة الذهنيان بل الواقعيان فننتقل من العنوانين إلى الخارج والخارج هو فعل واحد ومصداق فارد وهذا الواحد لا يمكن أن يكون مأموراً به ومنهي عنه فلا يصح اجتماع الأمر والنهي فتبطل الصلاة حينئذ!
 
 


[1] ج 12، ص 57.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo