< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حكم الاستظلال سفراً وحضراً
 قلنا في بحث سابق ان المحرم الرجل لا يجوز له أن يستظل أثناء الطريق عند سيره، والبحث الآن عن الاستظلال في المنزل فهل يحرم عليه الاستظلال تحت السقف في منزله أم لا؟
 يقول السيد الماتن: حرمة الاستظلال مخصوصة بحال السیر و طي المنازل من غیر فرق بین الراکب و غیره و اما لو نزل في منزل کمنی و عرفات او غیرهما فیجوز الاستظلال تحت السقف و الخیمة و اخذ المظلة فیجوز لمن کان فی منی ان یذهب مع المظلة الی المذبح او محل رمي الجمرات و ان کان الاحتیاط في الترك.
 إن السيد الماتن في أول المسألة يشير إلى قاعدة كلية ثم يأتي بمصاديق ثم يقول أن الحرمة تختص بحال السير راكباً كان أو راجلاً ـ وبهذا يشير إلى ما ذهب إليه الشهيد الثاني من جواز استظلال الراجل ـ.
 وعندما يصل المحرم إلى منزل كوصوله إلى منى أو عرفات أو مقهى أثناء الطريق فله أن يستظل أو يمسك بمظلة فيمشي بها، هذا وان كان الاحتياط ألاستحبابي هو الترك، وبهذا الاحتياط يشير إلى من منع ذلك من الفقهاء.
 الأقوال:
 إن المسألة من ناحية الأقوال متسالم عليها، يقول كاشف اللثام: في المنتهی إذا نزل جاز ان یستظل بالسقف و الحائط و الشجرة والخباء والخیمة وان ینزل تحت الشجرة و یطرح علیها ثوبا یستتر به و ان یمشی تحت الظلال [1] .
 وقد وردت عبارة صاحب الجواهر بوضوح أكثر: لا خلاف في جوازه للرجل حال النزول بل الاجماع بقسمیه علیه نعم قد یتوقف في تظلیل یسیر معه و نحوه فالاحوط إنْ لم یکن اقوی اجتنابه [2] .
 وعلى ما ذهب إليه صاحب الجواهر حتى عند إقامته أيضاً لا يستطيع أن يركب سيارة مسقفة إلا ان السيد الماتن ونحن لا نقول بما ذهب إليه صاحب الجواهر ولو كان ذلك لواجه الحجيج صعوبات جمة في إيابهم وذهابهم لأن تنقلهم فالنهار إلى الحرم لا يتم إلاّ بالسيارات المسقفة.
 الدليل:
 الأول: قد جرت السيرة قديماً وحديثاً على استقرار الحجيج تحت الخيام في منى وعرفات وقطونهم في المنازل تحت السقوف ولم ينكر ذلك أحد وأن الروايات تفيد أن في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) كانت تقام الخيام ويستقر الناس تحتها.
 والأكثر من ذلك أن الخلاف بيننا وبين غيرنا ليس في المنازل بل أن الخلاف في الاستظلال في المسير فإنّ الفقهاء شيعة وسنة اتفقوا على جواز الكون تحت السقوف في المنازل والاختلاف بينهم في المسار أثناء السفر.
 الثاني: الروايات التي وردت في الباب 66 من أبواب تروك الإحرام، فإنَّ أكثر هذه الروايات حوارات بين أئمة آل البيت (عليهم السلام) وأبو حنيفة وأبو يوسف القاضي تلميذه عند هارون الرشيد والمهدي العباسيين وآخرين من خلفاء بني العباس، في هذه الروايات دار النقاش عن التفريق بين حرمة الاستظلال في المسير وجوازه في المقام، وان كان في سند هذه الأحاديث ضعف إلا أنها متضافرة وقد عمل بها الأصحاب وبذلك يجبر ضعف اسنادها.
 حدیث 1: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُثَنَّى الْخَطِيبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ وَبَشِيرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدٌ أَلَا أَسُرُّكَ يَا ابْنَ مُثَنًّى فَقُلْتُ بَلَى فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي دَخَلَ هَذَا الْفَاسِقُ (ابو یوسف) آنِفاً فَجَلَسَ قُبَالَةَ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا تَقُولُ فِي الْمُحْرِمِ يَسْتَظِلُّ عَلَى الْمَحْمِلِ؟ فَقَالَ لَهُ لَا قَالَ فَيَسْتَظِلُّ فِي الْخِبَاءِ؟ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ شِبْهَ الْمُسْتَهْزِئِ يَضْحَكُ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَمَا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا؟ فَقَالَ يَا أَبَا يُوسُفَ إِنَّ الدِّينَ لَيْسَ يُقَاسُ كَقِيَاسِكُمْ. أَنْتُمْ تَلْعَبُونَ إِنَّا صَنَعْنَا كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَقُلْنَا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ فَلَا يَسْتَظِلُّ عَلَيْهَا وَتُؤْذِيهِ الشَّمْسُ فَيَسْتُرُ بَعْضَ جَسَدِهِ بِبَعْضٍ وَرُبَّمَا يَسْتُرُ وَجْهَهُ بِيَدِهِ وَإِذَا نَزَلَ اسْتَظَلَّ بِالْخِبَاءِ وَفِي الْبَيْتِ وَبِالْجِدَارِ.
 في سند الرواية محمد بن فضيل ولم يوثق وقيل انه كان من الثقاة.
 حدیث 2: عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ كُنَّا فِي دِهْلِيزِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ بِمَكَّةَ وَ كَانَ هُنَاكَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) وَأَبُو يُوسُفَ فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَتَرَبَّعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ جُعِلْتُ فِدَاكَ الْمُحْرِمُ يُظَلِّلُ قَالَ لَا قَالَ فَيَسْتَظِلُّ بِالْجِدَارِ وَالْمَحْمِلِ وَيَدْخُلُ الْبَيْتَ وَالْخِبَاءَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَضَحِكَ أَبُو يُوسُفَ شِبْهَ الْمُسْتَهْزِئِ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام) يَا أَبَا يُوسُفَ إِنَّ الدِّينَ لَيْسَ يُقَاسُ كَقِيَاسِكَ وَقِيَاسِ أَصْحَابِكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِالطَّلَاقِ وَأَكَّدَ فِيهِ شَاهِدَيْنِ وَ لَمْ يَرْضَ بِهِمَا إِلَّا عَدْلَيْنِ وَأَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِالتَّزْوِيجِ وَأَهْمَلَهُ بِلَا شُهُودٍ فَأَتَيْتُمْ بِشَاهِدَيْنِ فِيمَا أَبْطَلَ‌ اللَّهُ وَأَبْطَلْتُمْ شَاهِدَيْنِ فِيمَا أَكَّدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجَزْتُمْ طَلَاقَ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَأَحْرَمَ وَلَمْ يُظَلِّلْ وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَالْخِبَاءَ وَاسْتَظَلَّ بِالْمَحْمِلِ وَالْجِدَارِ فَقُلْنَا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَسَكَتَ.
 إن الإمام في رده على أبو يوسف أتى بجواب نقضي ليثبت أنه أخذوا بالقياس وتركوا الكتاب فأوجبوا الشاهدين في الزواج ولم يوجبوهما في الطلاق مع أن الدين ليس بالقياس.
 حدیث 3: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ مَا فَرْقٌ بَيْنَ الْفُسْطَاطِ وَ بَيْنَ ظِلِّ الْمَحْمِلِ فَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَظَلَّ فِي الْمَحْمِلِ وَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تَطْمَثُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَتَقْضِي الصِّيَامَ وَ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ قَالَ صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ.
 إن الإمام في هذه الرواية استند إلى قضاء الصوم في افطار المرأة في شهر رمضان دون الصلاة لكي يبطل بذلك القياس.
 حدیث 4: فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلْمَهْدِيِّ وَ عِنْدَهُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ لَيْسَ عِنْدَهُ فِيهَا شَيْ‌ءٌ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ فَقَالَ لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَسْأَلُكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا تَقُولُ فِي التَّظْلِيلِ لِلْمُحْرِمِ قَالَ لَا يَصْلُحُ قَالَ فَيَضْرِبُ الْخِبَاءَ فِي الْأَرْضِ وَيَدْخُلُ الْبَيْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام) مَا تَقُولُ فِي الطَّامِثِ أَتَقْضِي الصَّلَاةَ قَالَ لَا قَالَ فَتَقْضِي الصَّوْمَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَلِمَ قَالَ هَكَذَا جَاءَ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام)‌ وَهَكَذَا جَاءَ هَذَا فَقَالَ الْمَهْدِيُّ لِأَبِي يُوسُفَ مَا أَرَاكَ صَنَعْتَ شَيْئاً قَالَ رَمَانِي بِحَجَرٍ دَامِغٍ.
 الرواية مرسلة ودلالتها واضحة.
 حدیث 5: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْبَزَنْطِيِّ عَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْشٍ فَرْقٌ مَا بَيْنَ ظِلَالِ الْمُحْرِمِ وَالْخِبَاءِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِنَّ السُّنَّةَ لَا تُقَاسُ.
 إن الإمام الرضا (عليه السلام) روى الرواية عن الصادق (عليه السلام) لأنه لم يكن معاصراً لأبي حنيفة فإن الإمام الرضا ولد عام 148ﻫ وأبو حنيفة مات عام 150ﻫ.
 ومن الملفت أن صاحب الجواهر وصف هذه الرواية بالصحة مع أنها من قرب الإسناد وفي سند قرب الإسناد إشكال على ما نرى ولعله ما كان يرى خللاً في إسناده!
 حدیث 6: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الطَّبْرِسِيُّ فِي الْإِحْتِجَاجِ قَالَ سَأَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) بِمَحْضَرٍ مِنَ الرَّشِيدِ وَهُمْ بِمَكَّةَ فَقَالَ لَهُ أَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُظَلِّلَ عَلَيْهِ مَحْمِلُهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى (عليه السلام) لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ الِاخْتِيَارِ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَفَيَجُوزُ أَنْ يَمْشِيَ تَحْتَ الظِّلَالِ مُخْتَاراً فَقَالَ لَهُ نَعَمْ فَتَضَاحَكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام) أَتَعْجَبُ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) وَتَسْتَهْزِئُ بِهَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) كَشَفَ ظِلَالَهُ فِي إِحْرَامِهِ وَمَشَى تَحْتَ الظِّلَالِ وَهُوَ مُحْرِمٌ إِنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ لَا تُقَاسُ فَمَنْ قَاسَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ فَسَكَتَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا يُرْجِعُ جَوَاباً.
 وملخص القول أنه بحسب الروايات وسيرة المسلمين فرق بين الاستظلال في المنزل والمسير دونما شك.


[1] ج 5، ص 402.
[2] ج 18، ص 40.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo