< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: محاضرة اخلاقية
 إن الإمام الهادي وهو العاشر من أئمة آل البيت الاثني عشر (عليهم السلام) قد ولد سنة 212ﻫ. واستشهد سنة 254 وقد عاش في فترة خلافة المتوكل وهي أسوء فترة في تاريخ خلافة بني العباس حيث عاش مدة تسعة عشر عاماً منها في سامراء في أصعب الظروف حتى نال الشهادة على يد الخليفة المعتز (ادخله الله مدخله).
 إن العلامة المجلسي في المجلد السابع والعشرين من كتابه بحار الأنوار قد جمع كلمات الإمام الهادي فأورد في الصفحة 365 كلمة ذات مغزى رفيع ومعنى عميق وهي:
 قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الثَّالِثُ (عليه السلام) الشَّاكِرُ أَسْعَدُ بِالشُّكْرِ مِنْهُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي أَوْجَبْتِ الشُّكْرَ لِأَنَّ النِّعَمَ مَتَاعٌ وَالشُّكْرَ نِعَمٌ وَعُقْبَى [1] .
 يعني أن الإنسان الشاكر الذي يتمتع بالنعمة يسعد بالشكر أكثر من سعادته بالنعمة ذاتها وذلك أن النعمة هي متاع الدنيا وأما الشكر فهو نعمة الدنيا ونعيم الآخرة.
 فإن ظاهرة الشكر في تعاليم الإسلام ظاهرة واسعة النطاق، ما يشترك فيه المولى الحق والعبد هو الشكر ففي الكتاب العزيز: (فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَليمٌ) [2] ، إن الله سبحانه شاكر يعطي عباده أجر ما يعملوه من الصالحات ولكنه سبحانه شاكر عليم، يعلم ما يستحقه العبد ويجزيه.
 النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً شاكر فإنه في آية الزكاة ورد: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) [3] .
 فإن صلاته عليهم قسم من الشكر.
 كما إن الله سبحانه وضع شكر الوالدين إلى جانب شكره فقال جل وعلا: (أَنِ اشْكُرْ لي‌ وَلِوالِدَيْكَ) [4] .
 فأنه سبحانه أوجب بذلك شكر خدمة الأب والأم.
 ومن خلال آيات الكتاب العزيز نعرف أن الشكر سبب للإيمان والعلم فان الآية المباركة تقول: (إِنَّ في‌ ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور) [5] .
 ومهما كان فان الله سبحانه غني حميد لا يحتاج إلى الشكر وثمرة الشكر تعود إلى العباد، فالآية المباركة تقول: (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَريم‌) [6] .
 واليعلم أن الشكر منه قلبي ومنه لساني ومنه عملي، فالإنسان يمرّر في قلبه نعم الله سبحانه مقترنة بالتقدير والحمد، كما أنه يجري على لسانه شكرها وهكذا في مقام العمل صحح خلال استعمال النعم في مواضعها فمثلاً يلزم أن نستغل الفرصة التي منحتها لنا الحوزة العلمية في رفع مستوانا وتقوية رصيدنا العلمي لا بلاغ دين الله وإيصال رسالاته للعباد!
 ***
 عنوان البحث الفقهي: حكم الارتماس في الماء للمحرم
 قد انتهينا من بحث الفرع الأول وبقيت أمور يلزم معالجتها:
 الأول: هل أن هذا الحكم يختص بالرجال أم يعم الرجال والنساء على السواء؟
 ماذا تقول الروايات في ذلك؟ ما ورد في الروايات هو عنوان المحرم وهو جنس يعم الرجال والنساء من دون فرق بينهما. ولاسيما انه في بعض الروايات عطف على هذا الحكم على الارتماس حال الصوم وهو شامل للرجل والمرأة.
 ومع ذلك قد وردت في هذه الرواية كلمة الرجل وفي قرب الاسناد في بحث الصوم ورد العنوان كذلك إلا أن عنوان لرجل في الروايات من باب التغليب فهو يعم الرجل والمرأة لأن المراد من الرجل هنا هو المكلف كما في قوله: رجل يشك بين الثلاث والأربع.
 على أنه من عدَّ حرمة الارتماس في الماء من مصاديق تغطية الرأس عليه أن يخص هذه الحرمة بالرجال لأن حرمة التغطية تختص بالرجال.
 بناء على ذلك تظهر الثمرة بين القولين لأنه إذا قلنا أن حرمة الارتماس من باب أنها من مصاديق التغطية فانها حينئذ تختص بالرجال دون النساء وان قلنا أنها حرمة مستقلة فتعم الرجال والنساء.
 يقول السيد الماتن: لا يجوز ارتماسه في الماء ولا غيره من المائعات، بل لا يجوز ارتماس بعض رأسه حتى أذنه فيما يغطيه ... ولا بأس بتغطية وجهه مطلقا.
 يبد ومن قوله (قدس سره): (ارتماسه) أنه خص الحرمة بالرجال ثم يشير إلى عدم جواز تغطية الأذن وفي نهاية العبارة يقول بجواز تغطية الوجه على نحو الاطلاق!
 الأمر الثاني: هل أن هذا الحكم يشمل بعض الرأس أيضاً أم لا؟ كما لو أدخل المحرم نصف رأسه تحت الماء!
 يقول السيد الماتن في ذلك: بل لا يجوز ارتماس بعض رأسه حتى أذنه فيما يغطيه.
 ولكن نحن نرى أن كلمة الارتماس في اللغة العربية تطلق على غمس جميع الرأس لا بعضه، وقد ورد في بعض الروايات: (ادخل رأسه فی الماء).
 زد على ذلك أن بعض الروايات تحدثت عن الارتماس في الصوم ونعلم ان ما يحرم في الصوم هو غمس جميع الرأس!
 ونقول أيضاً: أن الذين ارجعوا مسألة الارتماس إلى مسألة تغطية الرأس، عليهم أن يقولوا هنا أيضاً أن غمس بعض الرأس لا يجوز لأن روايات تغطية الرأس نهت عن تغطية بعض الرأس أيضاً، وأما الذي يقول بأنها مسألة مستقلة فيجيزون غمس بعض الرأس في الماء وهذه هي الثمرة الثانية للخلاف بين القولين.
 الأمر الثالث: ما هو حكم غمس الأذن في الماء؟ هل يعد ارتماساً؟ وهل أن الذي يدخل أذنه في الماء يبطل صومه؟ فو خُلِّينا نحن وظاهر الروايات غمس الأذن نجد انه لا اشكال فيه، وأما الذي يقول أن حرمة الارتماس من مصاديق تغطية الرأس فهو يحرم من هذه الجهة فعليه يقول بالحرمة هنا أيضاً لعدم جواز تغطية الأذن.
 الأمر الرابع: ما هو حكم السوائل الأخرى غير الماء في هذه المسألة؟
 ظاهر الأحاديث التي وردت فيها كلمة الماء تفيد أن المراد هو الماء المطلق إلا انه يمكن الغاء الخصوصية عرفاً لأن العرف لا يفرق في الارتماس بين الماء والسوائل الأُخرى كما هو الحال في الصيام. ويجب التنبيه على انه لا فرق في هذا الأمر بين أن يكون الارتماس حرام من باب التغطية أو انه حرام مستقل!
 وأما الغواصون فلو كان بين قبعتهم ورأسهم فاصل فلا إشكال في غمس الرأس في الماء.
 وسيتأتي البحث في الفرع الثاني إن شاء الله تعالى.


[1] بحار الانوار، ج 75، ص 365.
[2] سورة البقرة، الآية: 158.
[3] سورة التوبة، الآية 103.
[4] سورة لقمان، الآية: 14.
[5] سورة إبراهيم، الآية: 5.
[6] سورة النمل، الآية: 40.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo