< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/06/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حكم غمس الرأس في الماء حال الاحرام
 وصل البحث إلى المسألة الواحدة والثلاثين من مسائل تروك الإحرام. إن البحث في هذه المسألة عن انه لا يجوز للمحرم أن يغمس رأسه في الماء كما هو الحال في الصائم ومن الملفت أن حرمة غمس الرأس للمحرم والصائم جاءا في الروايات معاً.
 يقول السيد الماتن في بيان المسألة: لا يجوز ارتماسه في الماء ولا غيره من المائعات، بل لا يجوز ارتماس بعض رأسه حتى أذنه فيما يغطيه، ولا يجوز تغطية رأسه عند النوم، فلو فعل غفلة أو نسيانا أزاله فورا، ويستحب التلبية حينئذ بل هي الأحوط، نعم لا بأس بوضع الرأس عند النوم على المخدة ونحوها، ولا بأس بتغطية وجهه مطلقا.
 في هذه المسألة أربعة فروع:
 الأول: لا يجوز للمحرم أن يغمس وجهه في الماء والسوائل الأخرى، حتى جانباً من الرأس بل حتى الأذن!
 الثاني: عند النوم لا يجوز أن يغطي رأسه بشيء وان حصل ذلك غفلة ونسياناً يلزم أن يضعه جانباً بأسرع وقت ويستحب في هذا الحال أن يلبي!
 الثالث: لا بأس بأن يضع رأسه على الوسادة وما شابهها وأن يتغطى بذلك بعض رأسه.
 الرابع: الرجل المحرم يستطيع أن يغطي وجهه بأي طريقة كان!
 أما الفرع الأول وهو غمس الرأس في الماء.
 الأقوال فيه:
 إن غمس الرأس أو ما يسمى بالارتماس مجمع على حرمته إجمالاً.
 يقول صاحب الحدائق: ظاهر الاصحاب (رضوان الله تعالی علیهم) الاتفاق علی عدم جواز الارتماس فی الماء علی وجه یعلو الماء رأسه قالوا لأنه فی حکم تغطیة الرأس [1] .
 ما قاله صاحب الحدائق لا نجد له أثراً في الروايات وإن قال صاحب الشرائع ما يشبه ذلك في قوله: [تحرم] تغطية الرأس والارتماس وما في معناه.
 وفي الجواهر: بلا خلاف اجده فیه بل الاجماع علیه بقسمیه [2] .
 وقال الشيخ في الخلاف: و لا یجوز له (المحرم) الارتماس فی الماء و متى ارتمس فی الماء لزمه الفداء و قال الشافعي و باق الفقهاء: لا بأس بذلك.
 دلیلنا اجماع الفرقه علی ان الارتماس لا یجوز و طریقة الاحتیاط تقتضی ذلك [3] .
 ومن المستغرب أن الشيخ مع توفر الروايات الكثيرة لا يستند إليها. طبعاً إن قدماء الأصحاب خلافاً لما نحن عليه في القول بالبراءة، ركزوا على الاحتياط كثيراً!
 مهما كان فإن ما ذهب إليه صاحب الحدائق وقبله صاحب الشرائع من ربط الارتماس بالتغطية لا أساس له لأن الروايات عدت الارتماس حراماً مستقلاً ولم تحسبه من مصاديق تغطية الرأس.
 أضف إلى ذلك، إنها الروايات قد شبهت تغطية الرأس للرجل بلبس القناع للنساء حيث قالت: احرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها.
 لو قلنا أن هذا التشبيه يصح من جميع الجهات، والرجل من باب عدم جواز تغطية الرأس لا يجوز أن يغمس وجهه في الماء فالمرأة كذلك فيحرم عليها الارتماس إلا أن ذلك لم يقل به أحد!
 والثاني: أن عدم جواز تغطية الرأس للرجل من أجل انه كان يعد ترفه وتجملاً، ومن هنا كانوا يكشفون رؤوسهم في المآتم والمصائب كما كان كشف الرأس في الحالات الاعتيادية منافية للأدب والمروءة! وعليه غمس الرأس في الماء لا علاقة له بالتجمل والترفه فيلزم أن لا يعدان من مقولة واحدة!
 الثالث: لو كان المقياس هو التغطية فما الفرق بين غمس الرأس في الماء ورش الماء عليه؟! لأنه في كلا الحالتين يغطي الماء جميع الرأس ولم يفت أحد بحرمة رش الماء على الرأس فليسا هذين من باب واحد!
 الرابع: هو ما قلناه سابقاً من الستر إنما يصدق لو كان له استمرارية بقاء ومن هنا لو جفف المحرم رأسه بالمنشفة لا يعد فعليه هذا تغطية، ولذلك غمس الرأس في الماء ليس فيه استمرارية ودوام فلا يعتبر ستراً وغطاءاً.
 نعم لو غطَّ في الماء وبقي فترة قد يعد تغطية غير ان الغالب يغطون في الماء إلا أن غطهم لا يدوم فلا يتصدق التغطية!
 كل الروايات ما ذكر هو من باب المبعدات والأصل في المسألة هو الروايات التي لا تعتبر هذين من صنف واحد:
 حدیث 1: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا تَمَسَّ الرَّيْحَانَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ إِلَى أَنْ قَالَ وَلَا تَرْتَمِسْ فِي مَاءٍ تُدْخِلُ فِيهِ رَأْسَكَ [4] .
 دلالة الرواية واضحة وسندها تام وصحيح!
 حدیث 2: وَعَنْهُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ وَلَا يَرْتَمِسُ الْمُحْرِمُ فِي الْمَاءِ.
 هذه الرواية أيضاً صحيحة.
 حدیث 3: وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَالَ وَلَا يَرْتَمِسُ الْمُحْرِمُ فِي الْمَاءِ وَلَا الصَّائِمُ.
 هذه الرواية هي نفس الرواية السابقة مع زيادات. وفقا لهذه الرواية يعد الارتماس للصائم والارتماس للمحرم من باب واحد إلا أن الارتماس والتغطية لم يُعدا من صنف واحد في شيء من الروايات.
 حدیث 4: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ لَا يَرْتَمِسُ الْمُحْرِمُ فِي الْمَاءِ وَلَا الصَّائِمُ.
 هنا أيضاً عُدَّ الارتماس للصائم والمحرم من باب واحد وأما سنداً فالرواية صحيحة.
 حدیث 5: عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ لَا يَرْتَمِسُ الْمُحْرِمُ فِي الْمَاءِ.
 وهي مرسلة سنداً، وصريحة في عدم الجواز.
 حدیث 6: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) هَلْ يُدْخِلُ الصَّائِمُ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ قَالَ لَا وَلَا الْمُحْرِمُ وَقَالَ مَرَرْتُ بِبِرْكَةِ بَنِي فُلَانٍ وَفِيهَا قَوْمٌ مُحْرِمُونَ يَتَرَامَسُونَ فَوَقَفْتُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّكُمْ تَصْنَعُونَ مَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ.
 الرواية من قرب الاسناد وفي سندها كلام وان كانت تامة دلالة.
 ملخص القول:
 هذه الروايات صريحة في عدم جواز الارتماس. وبعض الفقهاء إما من جهة اتحاد الملاك أو الغاء الخصوصية جعلوا التغطية والارتماس من باب واحد. ونحن لا نرى ذلك بل انه حرام مستقل.


[1] ج 15، ص 418.
[2] ج 18، ص 386.
[3] باب الحج مسألة 107.
[4] باب 58 من ابواب تروك احرام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo