< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: المحاضرة الأخلاقية
 حدیث 6: أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَمْرِو بْنِ نُهَيْكٍ بَيَّاعِ الْهَرَوِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنَ لَا أَصْرِفُهُ فِي شَيْ‌ءٍ إِلَّا جَعَلْتُهُ خَيْراً لَهُ فَلْيَرْضَ بِقَضَائِي وَ لْيَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي وَ لْيَشْكُرْ نَعْمَائِي أَكْتُبْهُ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الصِّدِّيقِينَ عِنْدِي [1] .
 إن هذا الحديث من الاحاديث القدسية التي ذكرها الامام الصادق (عليه السلام).
 قال الله تعالى: ما يحدث للمؤمن من حدث فإني جعلت فيه خيره، ومن هنا فعليه أن يرض بقضائي وليصبر على البلاء الذي ابتلي به وليشكر نعمائي، فإن عمل بهذه الأمور الثلاث لأجعلنّه من الصديقين.
 إن إحدى أهم المشاكل في عالما اليوم، هو ذلك القلق والاضطراب النفسيان اللذان يفتكان به، فالراحة النفسية قليلة في عالم المادة، وإن قلنا بأن الأمراض الجسدية هي حال التراجع إلا أن الأمراض النفسية هي في حال تزايد مستمر.
 وسببها هو انعدام الايمان، فإن الايمان بالله يحل كل العُقد، وفي ظل اسم المولى سبحانه يكتسب الانسان الاطمئنان والراحة النفسية ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
 لقد ذكر لنا القرآن الكريم نماذج ملفتة من هذا القبيل تستحق التوقف عندها مليّاً!
 لقد كانت تحلّ بالأنبياء مكاره مليئة بالمعاناة والمتاعب، لكن القرآن يشير بعدها إلى البركات المتتابعة لتلك الحوادث التي كانت ترد عليهم، ومن جملتها حياة النبي يوسف (عليه السلام) حيث أن المشاكل أحاطت به من كل جانب من حسد اخوته وضربه وإلقاءءه في البئر، فلو لم يكن النبي يوسف ذا ايمان راسخ وثقة بالله سبحانه لكان من الممكن أن يحدث في نفسه ما هذا الأمر الذي قدره الله لي؟! لكننا نرى أنه لو لا تلك الحوادث لما أفلح ذهب يوسف (عليه السلام) للذهاب إلى مصر ولما صار عزيز مصر ولما نجى قوم اصيبوا بالقحط لسبع سنين ولمكث في كنعان إلى نهاية عمره من دون أن ينجز شيئاً.
 وكذلك في قصة النبي موسى (عليه السلام) نرى في مقطعين منها أمور عدة ففي أحداهما نجد أم موسى (عليه السلام) حيث قذفته في نهر النيل وهو وليد لا يقدر على شيء، فلو لم تكن مؤمنة لشتكت حالها من هذا المصير لكن بعدها نشاهد أنه لو لم يحدث هذا لموسى لما نجى من كيد الأعداء ولما كان في مأمنٍ منهم، إنه بذلك دخل قصر فرعون، وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لي‌ وَ لَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى‌ أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدا.
 وفي المقطع الثاني نشاهد ملاحقة فلول فرعون لموسى (عليه السلام) حيث أصبح شريداً ومن ثم جاء إلى مدين ولم يملك شيئاً مخاطباً ربه جل وعلا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقير إلا أن ذلك هو الذي أوصله إلى النبي شعيب(عليه السلام) ليتتلمذ على يديه استعداداً للنبوة.
 وهكذا بالنسبة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حيث اتفقت قبائل العرب أن يقتلوه أو يسجنوه أو ينفوه إلى بعيد! لكن النبي(صلى الله عليه وآله) خرج من دياره وبمشقة كبيرة وعناء متخفياً في النهار سائراً في الليل متوجهاً في صحراء قاحلة نحو المدينة، فلو لم يهاجر إلى المدينة لما انتصر الاسلام ولما عمت رسالته انحاء المعمورة من أقصاها إلى أقصاها.
 مهما كان قد يعرف الإنسان بأن التقدير الرباني لصالحه وقد لا يعرف ذلك ولا يلتفت إليه أصلاً، لكن عليه أن يؤمن بأن كل ما قدّر له هو بصالحه.
 وفي نهاية الحديث يقول الباري ـ جل وعلا ـ عن هذا العبد أَكْتُبْهُ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الصِّدِّيقِينَ عِنْدِي لأنه توصل إلى الإيمان بأن الله يحبه وأن الصبر على المكاره والشكر على النعم يرسمان الإيمان بالله تعالى في قلبه.
 ***
 عنوان البحث الفقهي: حكم استعمال الدهن المعطر للمحرم قبيل الاحرام
 كان البحث في الخامس عشر من تروك الاحرام، وصل بنا البحث إلى الفرع الثاني من المسألة وهو عدم جواز التدهين بالاشياء المعطرة قبل الاحرام، وهذا في حال بقاء العطر إلى حين الاحرام.
 الأقوال:
 المشهور قال بالحرمة في ذلك وقليل منهم قال بالكراهة.
 فصاحب الحدائق يقول: هل يحرم استعماله إذا علم بقاء رائحته إلى وقت الاحرام أم لا قولان والمشهور التحريم ونقل عن ابن حمزة الكراهة [2] .
 وقال النراقي في مستنده فحرّمه الاكثر [3] . [يقصد التهدين بالمعطر الذي يبقى عطره إلى حين الاحرام].
 وقال صاحب الجواهر بعد ذكر الحرمة في هذا الفرع: كما في القواعد ومحكي النهاية والسرائر بل في المدارك نسبته إلى الأكثر خلافا للمحكي عن الجمل والمهذب من الكراهة [4] . والوسيلة [لأبن حمزة] والعقود [للشيخ الطوسي].
 قبل معالجة الأدلة يلزم التنبيه على أنه اختلطت في هذا الفرع مسألتان: الأولى التدهين والأخرى استعمال الطيب، فإن المحرم كما لا يجوز له استعمال الطيب، لا يجوز له أن يستعمل الطيب الذي تبقى رائحته إلى وقت الاحرام. وهاتين المسألتين من العموم والخصوص من وجه فقد يتحدان مصداقاً لكن في الحقيقة لكل منهما ترك على حده له حكمه الخاص.
 لعل السبب في نشوء هذا الخطأ هو ورودهما معاً في الحديث.
 الدليل:
 الروايات:
 الروايات الدالة على الموضوع عامة وخاصة:
 أما الروايات العامة: وهي الروايات المطلقة الناهية عن استعمال الطيب حدوثاً وبقاءً إلى ما بعد الاحرام.
 والروايات الخاصة:
 حدیث 1: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ لَا تَدَّهِنْ حِينَ تُرِيدُ أَنْ تُحْرِمَ بِدُهْنٍ فِيهِ مِسْكٌ وَ لَا عَنْبَرٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَائِحَتَهُ تَبْقَى فِي رَأْسِكَ بَعْدَ مَا تُحْرِمُ.
 هذه الرواية صحيحة سنداً.
 وهي في الحقيقة ثلاث روايات لم يرقم صاحب الوسائل الأخريين منها، وبما أن سند هذه الروايات مختلف فلا يمكن اعتبارها كرواية واحدة وقد ذكرت في الكتب الفقهية هذه الأحاديث مجزأة.
 فيقول صاحب الوسائل وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ وَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ مِثْلَهُ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَأَلْتُهُ وَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَ لَا عَنْبَرٌ تَبْقَى رَائِحَتُهُ فِي رَأْسِكَ إِلَى أَنْ قَالَ حِينَ تُرِيدُ أَنْ تُحْرِمَ قَبْلَ الْغُسْلِ وَ بَعْدَهُ وَ ذَكَرَ الْبَاقِيَ مِثْلَهُ.
 وللبحث صلة.


[1] الكافي، ج2، ص61.
[2] ج15 ص500 و ص502.
[3] ج11 ص 395.
[4] ج18 ص374.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo