< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: حرمت قتل هوامّ الجسد
 كان البحث في قتل هوام الجسد وهو الثاني عشر من تروك الاحرام، وقد أشار السيد الماتن في هذه المسألة إلى خمسة فروع، ما زال البحث في الفرع الأول وهو في نفس حكم قتل القملة والبرغوث ونحوهما وهو عدم الجواز.
 المشهور والمعروف بيننا وبين الجمهور هو الحرمة وقد نقل عن بعض القدماء عدم الحرمة. اشرنا فيما مضى بأن الروايات متعارضة فيما بينها، عرضنا في البحث السابق الروايات الدالة على المنع ومنها رواية أبي الجارود التي هي الفضلى بين الروايات من ناحية الدلالة على قول المشهور لأنها قد صرحت بكلمة (القملة!) وقد اهتم بها المحقق النراقي اهتماماً خاصاً ويرى أن ضعف السند فيها يجبر بعمل المشهور.
 اختلف علماء الرجال في ابي الجارود فبعضهم وثقة وبعض آخر ضعفه، فالندرس حاله توثيقاً وتضعيفاً بصورة مقتضبة: من نقاط الضعف فيه أن علماء الرجال مثل الأردبيلي في جامع الرواة والكشي في رجاله والعلامة في خلاصته لم يصرحوا بوثاقته! وصاحب الجواهر وآخرون صرحوا بضعفه ولكن قالوا ان ضعفه يجبر بعمل المشهور.
 كما وقد وردت روايات في ذمه مثلما ورد في رجال الكشي، مضافاً إلى انه كان إمامياً وبعد أن خرج زيد انضم إليه وأسس فرقة من فرق الزيدية تسمى بالجارودية. كان أبو الجارود مكفوفاً وقد لقبه الإمام الباقر بالسرحوب وهو اسم لشيطان مكفوف.
 مع ذلك حاول آية الله السيد الخوئي في معجم رجال الحديث أن يثبت وثاقته ويجيب على المؤاخذات التي سجلت عليه، والمرتكز الذي اعتمده في ذلك هو وروده في طرق كامل الزيارات لابن قولويه حيث صرح في أول كتابه أن جميع الروايات التي وردت في كتابه من الثقاة، فالسيد الخوئي اعتماداً على ما افاده ابن قولويه حكم بوثاقة جميع الذين وردت اسمائهم في كامل الزيارات، إلا أنه ـ قدس سره ـ قد تراجع عن رأيه هذا في أخريات عمره الشريف!
 وكذلك اعتمد في توثيق أبي الجارود على ما ورد في تفسير القمي حيث يقول القمي في مقدمة كتاب أن جميع الرواة التي ذكرت اسمائهم في طرق الروايات هم ثقاة شأنه شأن بن قولويه.
 ولكن يلاحظ عليه أن التصريح بتوثيق رجال سند الروايات لا يختص بهذين الكتابين لأن الصدوق فيما لا يحضره الفقيه والكليني في الكافي قد ادعوا مثل ذلك ومع هذا يخضع رواة الروايات إلى التضعيف والتوثيق، كما أن المجلسي قد درس سند روايات الكافي فضعف من ضعف ووثق من وثق! العمدة في توثيق أبي الجارود هو ما ورد في الرسالة العددية للشيخ المفيد حيث يقول: إن الذين تذكر اسمائهم هنا هم من الأعلام الدين تؤخذ منهم الفتوى. ومن الذين وردت اسمائهم في هذه الرسالة هو أبو الجارود.
 وقيل عنه انه قد استبصر في آخر عمره.
 ونحن نقول عندما نقيس نقاط الضعف والقوة فإن ذلك يقتضي على أقل تقدير ـ التوقف فلا يعمل بالروايات التي ينفرد بها.
 وأما ما تبقى من روايات الطائفة الثانية [1] :
 حدیث 7: مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ نَوَادِرِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْبَزَنْطِيِّ عَنْ جَمِيلٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الْبَقَّةَ وَ الْبَرَاغِيثَ إِذَا آذَاهُ قَالَ نَعَمْ.
 إن الرواية صحيحة سنداً وأما دلالة فهي تختص بحالة الإيذاء فهي ليست بمطلقة. وفي بعض النسخ ورد كلمة: (إذا أراه) ولكن لا يصح الأخذ بها لأنها لا تتضمن معنى محصل! [2] .
 حدیث 2: عَنْ فَضَالَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ النَّمْلِ وَ الْبَقِّ فِي الْحَرَمِ وَ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ فِي الْحَرَمِ.
  إن الروايات صريحة في ان قتل القملة في الحرم لا اشكال فيه فهي مطلقة تعم حال الاحرام وغيره.
 الجمع بين الروايات:
 إن القاعدة في الروايات تقتضي أن نحمل الظاهر على النص ونفتي بالكراهة لأن الشارع لا يرتضي أن يلحق الأذى من قبل المحرم بأي كائن حي! هذا إذا لم يكن مخالفاً للمشهور. زائداً على ذلك لم تذكر كفارة لقتل الهوام وإن ذكرت فهي شيء بسيط وهذا يقوي القول بالكراهية، وفي رواية أبي الجارود قال: «بئس ما صنع».
 فمجموع ما تقدم يصلح قرينة على الجمع بين الروايات.
 إلا أن صاحب الجواهر حاول متكلفاً أن يجد محملا للروايات المجوزة فمثلاً حملها على الضرورة وبذلك يقوي ما ذهب إليه المشهور.
 كما أن المحقق النراقي سلك طريقاً لا يخلو من غرابة فهو يقول ان رواية أبي الجارود رواية خاصة تتفرد في ذكر القملة فبها نقيد اطلاق الروايات التي ذكرت الدابة بعد ذلك تصبح النسبة بين الروايات المجوزة والناهية عموم وخصوص من وجه ويتعارضان في موضع الاجتماع فيتساقطان، فتسلم رواية أبي الجارود التي تقوي مذهب المشهور.
 فيقول ان قتل القملة منهي عنه قطعاً وأما غيرها فلا.
 ويلاحظ عليه:
 من المستبعد ان يكون في المسألة تعبد لأن القملة جيء بها كمثال للحشرة المؤذية فالشارع ينهي بذلك حتى عن قتل الحشرة المؤذية.
 ومن جانب آخر أن الروايات التي تدل على مذهب المشهور موافقة للعامة فإذا اعتبرنا ان الشهرة مرجح، فإن مخالفة العامة أيضاً مرجح.
 
 ملاحظة:
 إذا كانت الروايات هذه التي تقدمت فتحمل على الكراهة بحسب ما قلناه، إلا ان هناك روايات الالقاء فإذا كان الالقاء حراماً فالقتل من باب أول ولكن يمكن أن يقال في تلك الروايات أيضاً أنه يمكن حملها على الكراهة أي ان أعمال الإلقاء والقتل كلها مكروه ويليق بالمحرم ان يتجنب ذلك كله.


[1] ح 7، 78 أبواب تروك الاحرام.
[2] ح 2، 84 أبواب تروك الاحرام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo