< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/02/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان: تداخل الاسباب و المسببات
 البحث في تروک الاحرام، و قد کان البحث في أن تعدد الفعل الذي یجب ترکه هل یقتضي تعدد الکفارة؟ و هذا حفزنا لندخل في بحث اصول هو تداخل الاسباب و المسببات و عدم التداخل فیهما، في البحث السابق تطرقنا الی تاریخ المسألة و قد منا ثلاث مقدمات، حان الوقت لمعالجة الامر الرابع:
 ما نرید قوله هو أن هذا الأمر غایة في الأهمیة لأنه یجري في مختلف ابواب الفقه و الاصول و هو أن المراد من السبب و المسبب هنا لیسا بمعنا هما الفلسفي لأن السبب و المسبب في عالم التکوین حقیقیان فإن هطول المطر یحي الارض فتصبح مخضرة و کذلک الضرب بالسیف فإن الضرب بالسیف یؤدي الی القتل فینهي حیاة المضروب! و السبب و المسبب هنا واقعیان تکوینیان و الفلسفة تبحث الواقعیات التکوینیة في الوجود!
 و هناک سبب و مسبب اعتباریان مثل الشرائع التی تسن لادارة الحیاة و هذا لا یعني أن لهما تأثیرا تکوینیا مباشرا! فعلی سبیل المثال تارة نضع الحمل علی عاتق شخص لیوصله الی محل ما، هذا امر و اقعي تکویني، و اخری نضع في عهدة شخص امرا و ذلک في عالم الاعتبار، کما وضع المولی الحق الحج في عهدة المکلفین في قوله سبحانه:« لله علی النسا حج البیت من استطاع الیه سبیلا» و لکن علی مستوی الواقع لم تضع شیئا في عهدته لانه امر اعتباری في عالم الوهم!
 هذا هو شأن جمیع الاحکام الاعتباریة و مع ذلک فإنها امور عقلانیة تدور علیها عجلة الحیاة!
 و النضرب مثلا لیتضح الأمر اکثر: في عالم التکوین تضع کتابا الی جانب کتاب آخر تقول إنهما زوجان، و مثل ذلک یحدث في عالم الاعتبار عند ما تنشيء الزوجیة بین رجل و مرأة قد یکون احدهما في الشرق و آلآخر بالغرب و لکن تفترضهما زوجان و لکن لا مثل الکتابین جنبا الی جنب! و کذلک الطلاق فانه یعني الانعتاق و الانفصال و لکن ذلک في عالم الاعتبار لأنهما قد یکونان في مکان واحد یجمهما ذلک المکان!
 إذن عالم الاعتبار لم یکن خیال سازج بل اعتبار عقلایی یقوم علیه صرح الحیاة!
 فعندما نقول أن في لبس المخیط کفارة فإن سببیة لبس المخیط اعتباریة و لیست تکوینیة کما في قوله « السهو سبب لوجوب السجدة» و من هنا یتضح من أن الذین قالوا أن سببین لا یجتمعان ابدا علی مسبب واحده قد خلطوا الامر التکویني بالاعتباري فضلوا الطریق! لانه صحیح أن في التکوینیات لا یجتمع سببان علی مسبب واحد کما لو قتل زید عمروا فأن زیدا سبب تام لقتل عمرو فلا یمکن أن یکون خالد سببا تاما لقتل عمرو ایضا!
 ففي التکوینیات نعتمد « المحال » و « الممکن » مبدءاً و اما في الاعتباریات نعتمد « الحسن » و « القبح » مبدئاً و لا یمتنع علیهما أن نفترض سببین لمسبب واحد قد یوجب الشارع صیام شهر رمضان ثانیة تاکیدا للحکم السابق من دون اشکال، نعم لو لم یکن للتاکید یکون عبثا و العبث قبیح و کذلک تحصیل الحاصل.
 و علیه عندما نبحث تداخل الاسباب و المسببات و عدمه ینبغي أن نتعامل معها بوصفها امورا اعتباریة لا تکوینیة! و إلا ستکون داخلة في الامور التکوینیة فتدخل في اطار المباحث الفلسفیة لا الاصولیة!
 الاقوال في المسألة:
 إن في تداخل الاسباب ثلاثة اقوال:
 1.القول بالتداخل
 2.القول بعدم التداخل
 3.التفصیل بین ما اذا کانا من جنس واحد فیتداخلان و ما لم یکونا فلا یتداخلان کما لو تکلم و وقف في الصلاة فلکل واحد سجدة علی حدة!
 المشهور اعتمد عدم التداخل أي أن لکل مسبب سبب و لکل خطیء في الصلاة مثلا سجدة سهو و للبس کل مخیط في الحج کفارة!
 و قد تبنی الشیخ الطوسي و آخرون هذا القول! فهو یقول :
 "کل موضع تجتمع علی المرأة عدتان فإنهما لا تتداخلان بل تأتي لکل واحد منهما علی الکمال"
 و في المعتبر یقول المحقق في سجدة السهو بان سجدة السهو تتعدد بتعدد اسبابها و یضیف: «إن تداخل الاسباب خلاف الظاهر»
  و قد تعرض صاحب الجواهر في مواطن مختلفة من کتابه الی المسألة و مال الی القول بعدم التداخل ایضا!
 و کثیر من المتاخرین جنح الی التداخل و منهم المحقق النراقي في المستند حیث یقول:
 "أصل عدم التداخل کما اشتهر بین جماعة آصل غیر اصیل خال من التحقیق و التحصیل" [1]
 و المحقق السبزواري في کتاب الذخیرة [2] فقال أن الحق هو عدم التداخل.
 هذا هو القول الثاني.
 و القول الثالث هو التفصیل بین ما یکون الفعلان من جنس واحد و ما لم یکونا، فاذا کانا من جنس واحد فیتداخلان و إلا فلا!
 و قد ذهب ابن ادریس الی ذلک حیث یقول:
 "فإن سها المصلی في صلاته بما یوجب سجدتي السهو مرات کثیرة، في صلاة واحدة ... إن کانت المرات من جنس واحد، فمرة واحدة یجب سجدتا السهو، مثلا تکلم ساهیا في الرکعة الأولة،و کذلک في باقي الرکعات، ... فأما إذا اختلف الجنس، فالأولی عندي بل الواجب، الإتیان عن کل جنس بسجدتي السهو، لأنه لا دلیل علی تداخل الأجناس" [3]
 و قد تعرض فقهاء الجمهور لذلک و اکثرهم یقولون بالتداخل!
 و قد تعرض ابن قدامة للمسألة في موضعین: مسألة تداخل سجدة السهو ج 1، ص 692 و مسألة تداخل العدد ج 9 ص 126.
 و ملخص القول:
 فأن المشهور بیننا هو عدم التداخل، و الثاني هو التداخل و الثالث التفصیل، و مشهرو فقهائ الجمهور هو عدم التداخل خلافا لمشهورنا!
 إدلة القائلین بالتداخل:
 و قد ذکرنا ادلة متعددة في کتابنا «انوار الاصول» للقول بالتداخل و أن کان اصلها واحد، و هنا لا نرید أن ندخل في التفاصیل و لکن نبذة القول هي:
 إن أس المطلب هنا هو ظواهر الألفاظ فاذا قال المولی: «اذا لبست المخیط فکفر» فإن ظاهر قوله هو قضیة شرطیة تعني أنه کل ما لبست المخیط علیک کفارة فلکل سبب مسبب و لکل موضوع حکم فظاهر الالفاظ هو عدم التداخل!
 دلیل القول بعدم التداخل:
 من قال بالتداخل یری: إن الکفارة ذات ماهیة واحدة و هي صرفة الوجود فلا یصح ایجابها مرتین إلا أن یأمر الشارع بطبیعتین فیقول: إذا لبسب المخیط فعلیک کفارة و اذا لبست ثانیة فعلیک کفارة ثانیة!
 و بعبارة: هناک قضیة شرطیة الشرط فیها مطلق و هناک اطلاق في الجزاء فإن اطلاق الشرط یقتضي التعدد و إطلاق الجزاء یقتضي عدم التعدد فإیهما یقدم هنا؟ سیأتي البحث عن ذلک لاحقاً!


[1] .المستند، ج 2، ص 370.
[2] الذخیرة، ج 1، ص 8.
[3] .سرائر ، ج 1، ص 258.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo