< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/01/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: تنبیهات قاعدة الاضطرار
 کان البحث في التنبیه الثامن و هو أنَّ الأدلة هل تدل علی العزیمة في الاضطرار ام علی الرخصة؟ قد ورد هذان الاصطلاحات في کثیر من ابواب الفقه، فلا بأس بایضاحها: الرخصة تعني الاباحة کاباحة افامة الصلاة في ثلاثه اوقات بدل خمسة اوقات و قد کان الرسول یقیمها في ثلاثه اوقات بدلا من خمسة اوقات من دون اضطرار کمطر و سفر ترخیصا لأمته!
  إن اقامة الصلاة في خمسة اوقات قد تودي الی بروز مشاکل للناس وعلّها تنتهي ببعضهم الی ترک الصلاة.
 و علیه الرخصة أن تقیم الصلاة في ثلاثة اوقات و إن کانت الفضیلة في اقامتها فی خمسة منها.
 و أما العزیمة تعني أن الترخیص عند ما یصدر یجب الالتزام به فمثلا عند ما یرخص المولی أن لا یتم المسافر الصلاة و لا یصم، فإذا اتمها و صام فهما باطلان.
 بعد هذه الإ نارة یلزم أن نبحث عن أن قاعدة الاضطرار هل تقتضي الرخصة ام العزیمة؟ ما یظهر من أدلة القاعدة هو الرخصة لأن الأدلة کانت تقول:«فلا اثم علیه» أو « فإن الله غفور رحیم» او «ما من شيء حرمه الله إلا و قد احله لمن اضطر الیه»، هذه السیاقات لا تفید الالزام اعني العزیمة اصلا!
 هذا اذا لم یطرأ عنوان اهم بأن یکون الشخص عرضة للموت المحتم لأن قاعدة الاضطرار تعم ما هو اقل من الموت و هو الشدة التي لا تطاق عادة! فاذا طرا عنوان اهم یجب العمل بما تقضيبه القاعدة!
 ثمرة هذا الامر تظهر في الذي رُخِّص له أن یقیم الصلاة جالسا بدلا عن قیامه لوجع في ظهره مثلاً و مفاصله فلو تحمل شدة الوجع و أتی بالصلاة قائما فهل تصح صلاته ام لا؟
 فعلی القول بأن القاعدة لا تفید اکثر من الترخیص، تصح صلاته و علی القول بأنها تفید العزیمة فصلاته باطلة لأنه کان ملزما بأتیان الصلاة جالسا!
 الأمر التاسع: في استثنائات القاعدة
 قد ذکرنا فیما سبق استثنائاً من قاعدة الاضطرار و هو ما اذا بلغ الاضطرار حد الدماء، و هناک استثنائات أخری منها الاضطرار الی الهجرة لحفظ الدین کما حدث للرسول الاعظم صلی الله علیه و آله و المسلمین في الصدر الاول فإن الهجرة لم تکن امرا هیِّنا لأن الانسان بهجرته یقلع جذوره من وطنه و یغض الطرف عن کل شيء لأجل اهدافه العلیا فینزح الی ارض الغربة و لذلک کان کثر یوصفون باصحاب النبي صلی الله علیه و آله من اصحاب الصفة حیث کانوا یعیشون في شدة و شقاء؛ و کذلک الأمر في عصرنا الراهن فإنَّ من لم یستطع أن یمارس واجباته الدینیة من صلاة و صوم و حج و ما الی ذلک من فرائض فعلیه أن یهاجر و إن أدی ذلک الی مشقة و عناء! و هکذا اذا حاولت الدول الاجنبیة من فرض حظر اقتصادي لارکاع دول الممانعة التي لا ترضخ لمطالبها ففي هذه الحال یجب یحتمل المکاره و الشدائد لکي لا یبلغ هولاء الاعداء اهدافهم الشریرة التي تهلک الحرث و النسل ففي مثل ذلک لا تجري قاعده الاضطرار بحال!
  و الدلیل:
 اولا: أن قاعدة الاضطرار ترتکز علی اصل تقدیم الأهم علی المهم فإن التحرز من اکل اللحم الحرام مهم و لکن حفظ النفس عن التلف أهم و لذلک جوز الشارع اکل اللحم المحرم و ذلک لأجل مصلمة أهم و هي حفظ النفس عن التلف، و من ثمَّ نقول أن التحرز من الضغوط الدولیة امر مهم لأنها توقع الأمة في ضیق و شدة و عناء إلا أن حمایة الدین و الدفاع عن الکرامة الاسلامیة و عزة المسلمین اهم، فذات الاصل الذي کان یبیح اکل المحظور مثلا للاضطرار الیه هو نفسه یمنع الرضوخ لخصوم الأمة الذین یریدون إذلالها و اهدار کرامتها.
 ثانیا: أن قاعدة الاضطرار إمتنانیة، منَّ بها المولی الحق علی الأمة لکي لا تقع في شدة و حرج، و في المقام لا یبقی معنی محصل للمنة عند ما یؤدي الأمر الی اذلال الأمة و سحق کرامتها فلا یمکن بحال أن یکون المقام من مصادیق قاعدة الاضطرار!
 الأمر العاشر: ما هي الوظیفة عند الشک في المصادیق؟
 قد یشک المکلف في تحقق الموضوع کما هو الحال في کل حکم، فما هي الوظیفة حینئذ؟ و ذلک کما لو جاع في الصحراء و شک أنه بلغ أمره الی حد الاضطرار بحیث لا الجوع ام لا؟ و کذلک الأمر في المرأة المرضعة او الحامل التي و قعت في شدت بسبب الصیام فشکّت هل بلغت الشدة الی حد یصدق علیه الاضطرار ام لا؟ إذن الامر من موارد الشبهة المصداقیة! و علی ما نعتقد لا یمکن التمسک بالعام في الشبهة المصداقیة لأنه یجب في التمسک بالعام احراز الموضوع و هنا لم یحرز!
 فعلی سبیل المثال عند ما یقول المولی: اکرم العلماء، و شککنا في زید بأنه عالم او لا؟ لا یمکن التمسک بعموم « اکرم العلماء» و کذلک الأمر في عموم:«ما من شيء حرمه الله إلا و قد احله لمن اضطر الیه» فلا یصح التمسک بعموم العام و الآخذ بقاعدة الاضطرار في المورد المشکوک.
 فما هو الحل عند إذ؟ لا یبقی أمامنا في هذه الحال إلا اللجوء الی الاصول العملیة، فإن کانت حالة سابقة کما لو کانت المرضعة مضطرة و الآن تشک في الاضطرار - لأن الولد قد اشتد عود ام لا؟
 و کذلک لو کان الرجل یعاني من وجع في الظهر مثلاً فاضطر الی الصلاة جالسا و بعد فترة ظن أنه تعافی، ففي مثل هذا نتمسک بالاستصحاب لاثبات الحکم السابق.
 ولو لم تکن حالة سابقه فنأخذ بالبراءة لأننا لانعلم بأن ذلک حرام ام لا؟ فنقول «کل شيء لک حلال حتی تعلم بانه حرام» ولا تجري اصالة الاحتیاط هنا لانها ترتبط باطراف العلم الاجمالی!
 تنبیه هام!
 هنا امرغایة في الأهمیة وهو أنه لو کان احتمال خطر لم یبلغ حد الیقین کما لو کنت قائما للصلاة فلو دام قیامک قد یلم بک الخطر او لو لم تاکل اللحم تصاب بوعکة صحیة فهل هذا الخوف یصلح لأن یکون معیارا لتحقق الحکم الثانوي و الأخذ به ام لا؟ إن هذا البحث یأخذ طریقه في ابواب مختلفة من الفقه!
 و الجواب: أن الخوف أمارة عقلائیة و العقلاء یتعاملون معها معاملة العلم فیرتبون علیه آثار العلم فإن العقلاء یذمون الذي لم یحتط من الخطر کما لو قیل له أن الطریق غیر آمن فهو محفوف بالأخطار و مع ذلک سار فیه! لأن الخوف عندهم أمارة معتبرة و الشارع قد أقر هذه الأمارة و أمضاها فهي حجة في العرف و الشرع و به یتحقق الموضوع لجریان قاعدة الاضطرار کما و قد وردت نصوص تدل علی وجوب الأخذ بهذا الخوف فیصبح الخوف امارة و حجة یجب الأخذ بها؛ و النصوص هي:
 الآیة: « فإن خفتم فرجالا او رکیانا » [1]
 فهذه الآیة: جعلت الخوف معیارا
 و الآیة: « فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة » [2]
  و هذه الآیة ایضا جعلت الخوف ملاکا و هو یجتمع مع الشک ایضا فضلا عن العلم
 و الآیة: «فإن خفتم شقاق بینهما فابعثوا حکما من أهله و حکما من أهلها» [3]
 فالمعیار في هذه الآیة ایضاً خوف الشقاق فاصبح الخوف موضوعا للحکم الشرعی، و کذلک الأمر في الروایات!


[1] .سورة البقره، آیة 239.
[2] .سورة نساء، آیة 3.
[3] .سورة نساء، آیة 35.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo