< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/01/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث : قاعدة الاضطرار
 البحث في السادس من الامور التي تطرقنا الیها في البحوث السابقه و هو: هل یعتبرعدم المندوحة في جریان القاعدة؟
 المندوحة - ببساطة - تعني المفر والمهرب و في اللغة اصلها النَّدح بمعنی السعة، و ندح الشيء ندحا و سَّعه، والمندوحة: یقال:آرض مندوحة: واسعة بعیدة، و لک من هذا الامر مندوحة اي سعة و فسحة و تجمع علی منادیح.
 و في خلاصة صحاح اللغة ورد حدیث أن ام سلمه خاطبت عایشة عند ما عقدت العزم علی الذهاب الی حرب الجمل قائلة : (إن القرآن جمع ذیلک فلا تندحیه!)
 في اشارة للآیة:
 «و قرن في بیوتکن و لا تبرجن تبرج الجاهلیة الاولی»
 فقولها رض- لاتندحیه اي لا تبسطیه!
 و المندوحة في المسألة تعني - مثلا- توفر الخبز و الجبن الی جانب اللحم الحرام فیستطیع أن یکتفي بالخیز و لاجبن بدلا عن اللحم، او أنه یحتمل المشقة حتی یحصل انفراج له! فمع المندوحة لا یصدق الاضطرار لأن الاضطرار یعني أن توصد جمیع الابواب امامک!
 ففي مبحث الاضطرار الی دخول الارض المغصوبه بأنه لو کان له مندوحة - أي ممر آخر- فلا یجوز له دخول الارض المغصوبة، و مسألة البدار التی او ضحناها قبل ذلک من هذا القبیل! فهذه الموارد خارجة عن موضوع بحثنا تخصصا إلا أن یقوم دلیل خاص علی خلاف ذلک کما لو وردت روایة ترجّح فضیلة الصلاة في اول الوقت و إن کانت عن جلوس بدلاً عن القیام أو بتیمم بدلاً عن الغسل و الوضوء.
 و قد تسأل: لو لم یکن لنا علم بالمندوحة کما لو لم نحتمل أن تصل قافلة تحمل لحما حلالا - و فعالاً کانت قافلة في الطریق خلافاً لما کنا نحتمل ففي هذه الحال یجب أن ننتظر لینکشف الواقع ام لا لأنه أن ذلک من مصادیق الاضطرار؟
 والجواب: أن الإستدلال من موارد التمسک بالعام في الشبهة المصداقیة لأنه لا نعلم أن هذا المورد من مصداق: «ما من شيء حرمه الله إلا و قد احله لمن اضطر الیه»ام لا؟ و قد اتفقوا علی أنه لا یمکن التمسک بالعام في الشبهة المصداقیة، و علیه مع احتمال المندوحة یجب الانتظار!
 نعم لو ظن أن هناک مندوحة فأکل اللحم المحرم ثم انکشف أنه لم یحصل علی شیء للأکل الی آخر و قته، فهذا الشخص یُعّد مضطرا في علم الله و إن کان متجرباً علی المولی فالذي یشرب سائلا ظنا منه بأنه خمر فتبین أنه عصیر الرمان فهذا یحسب متجریاً و التجري لیس بحرام!
 الأمر السابع: هل الاضطرار یرفع الاحکام الوضعیة ام لا؟
 في هذا المقام نحاول أن ندرس اربعة احکام وضعیة لکي ینکشف علی ضوئها أنَّ ادلة الاضطرار هل تقتضی رفع الحکم ام اثباته!
 الاول: فضاء الفوائت:
 إن الاعمال المقضیة إما أن یکون لها بدل اضطراری اولا ! فالبدل مثل الجلوس في الصلاة بدلاً عن القیام و قد اوضحنا في علم الاصول أن الأبدال الاضطراریة مجزیة فلا یجب قضاءها، و علیه إن الممرض الذي یقیم الصلاة في مکان نجس لا بساً النجس لیس علیه الإعادة و ذلک لأن الصلاة لا تسقط بحال و قد أتی بها حسب تکلیفه فصلاته مجزیة، و قد تدارسنا قاعدة الاجزاء في (علم الاصول) في (بحث الاوامر) و أما دلیله فواضح فلا حاجة الی الاعادة!
 وإما اذا لم یکن له بدلا اضطراریا کما اذا مرض و لم یتمکن من الصوم او کان الصائم امرأة افطرت بسبب الحمل او الرضاع، او اضطرت الی ترک الصلاة! ففي هذه الفروض جمیعا یجب قضاء، الفوائت صوما و صلاة لأن أدلة القضاء کما لو قال: «من فاتته فریضة فلیقضها» عامة تشمل ما لو کان الفائت لا عن عمد ایضا.
 نعم لو کان الفوات بسبب غیبوبة فلیس علیه القضاء کما لیس علی المجنون قضاء!
 الثاني: الکفارة:
 ما یستفاد من الأدلة أن الکفارة ضرب من العقوبة فلو اصبح المکلف مضطرا و رفع المولی عنه التکلیف فهل یرفع عنه الکفارة ایضا التي تعد عقوبة ام لا؟
 والجواب: تقول الآیة الکریمة عن المضطر:«فلا اثم علیه إن الله غفور رحیم» فوفقا لذلک ترتفع الکفارة، فلا کفارة علی المرضع او الحامل التي افطرت و ان کان علیها القضاء! إلا أن یرد دلیل خاص کما في المحرم الذي یضطر الی لبس المخیط فإنه علیه أن یکفر. و لعل الحکمة في هذا الحکم الخاص هو عدم الاستخفاف بلبس المخیط!
 الثالث: الدیة:
 کما لو کانت الحامل عرضة لخطر الموت فاضطرت الی اجهاض حملها و کان الحمل کاملا ففي هذه الحال هل تثبت الدیة علیها ام لا ؟ او کان الحمل ناقصاً و لم یکتمل بعد کما لو کان علقة أو مضغة ثم اخبر اصحاب الإختصاص أنه ناقص فیلزم اجهاضه، فما هو الموقف الشرعي اتجاه ذلک؟
 و الجواب:یجوز اجهاضه شرعا درئاً للخطر لو لم یتجاوز الاربعة اشهر! و لکن هل تثبت الدیة؟إن ظاهر أدلة الاضطر مثل:«لا اثم علیه»،«إن الله غفور رحیم» و قوله علیه السلام «و قد احله لمن اضطر الیه» لا یرفع إلا الحکم التکلیفي و هو القدر المتیقن و اما الحکم الوضعي فهو الدیة في المثال فلا دلیل علی اسقاطه! بل إن اطلافات ادلة الدیة تعم هذا المورد ایضا! و من هنا یتضح لو أن النائم ضرب المرأة الحامل علی بطنها فاجهضت او ضرب آخر فجرحه او الحق الأذی بأحد في حادث سیر مثلاً، في کل هذه الموارد تثبت الدیة، و أن لم یستطع دفعها لولي الدم فتثبت في ذمته حتی یستطیع وفقاً لقوله تعالی:«فنظرة الی میسرة»!
 و یجب القول أن الأب الذي آمر باجهاض الحمل و کذلک الأم التي وافقت علی ذلک لا یرثان سهما من الدیة فتصل الدیة الی الطبقات التي تلیهما في الارث مثل الاخوة و الجد والجدة إلا أن یوافق هؤلاء علی عدم استلام الدیة! و لو لم یکن له وارث فالامام وارث لمن لا وارث له!
 و لو أن الطبیب و المرأة تواطئا علی اجهاض الحمل فعلی کل واحد منهما نصف الدیة.
 الرابع: الضمان:
 اذا اکل الانسان مالاً للغیر في مخمصة مثلا مضطرا فهل یثبت في حقه علیه الضمان؟ أجل أنه یضمن ما استهلکه لأن أدلة الضمان تشمل هذه الحالة فإن قوله: «من اتلف مال الغیر فهو له ضامن» تنطبق علی هذا المورد! و لأن دلیل الضمان امتناني فلا معنی للامتنان اذا قال المولی: إن اکلت مال الغیر فلست بضامن فلا علیک شيء! و علیه لو استهلک أحد مال الغیر یلزم أن یجمع بین امرین: أن یستهلک المال لرفع الاضطرار و أن بدفع ثمنه او مثله له! جمعاً بین الحقین.
 الأمر الثامن: أدلة الاضطرار تدل علی الرخصة ام العریمة؟ و ذلک یعني أن المضطر هل یجب علیه أن یأکل اللحم الحرام مثلا ام هو مرخص في ذلک؟ سیأتي الحدیث غبه في البحث المقبل إن شاء الله!

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo