< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/01/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان الموضوع: قاعدة الاضطرار
 کان البحث في امور بقیت من بحث قاعده الاضطرار، الامر الثالث منها کان في أن الضرورة التي تبیح ارتکاب العمل هل هي ضرورة شخصیة ام نوعیه؟ اذا کانت الضرورة نوعیة فالاباحة تکون للجمیع. و قد اضفنا أن الشارع قد یجعل حکمة الحکم ضرورة نوعیة، بهذه المناسبة تحدثنا عن حکمة الحکم و علته، و الیوم نحاول أن نلقي الضوء علی ذلک اکثر:
 العلة هي التي یدور الحکم مدارها فکل ما وجدت العلة یأتي الحکم تبعا لها و کلما ما انعمدت فلا یأتي.فعلی سبیل المثال اذا قال الشارع:"لا تشرب الخمر لأنه مسکر" فکل ما کانت له قابلیت الاسکار فهو حرام، و کلما فقدت فیه القابلیة ترتفع الحرمة عنه ومن هنا لو تبدل الخمر الی خل مثلا ترتفع الحرمة قطعا لزوال العلة.
 و من قولنا «قابلیة الاسکار» في النص المذکورا علا.
 یتضح أنه حتی لو کان الخمر قطرة واحدة یحرم ایضا و إن لم تکن القطرة مسکرة!
 و اما الحکمة فلا یدور الحکم مدارها فهي لیست دائمیة بل غالبیة و الشارع هو الذي یکشف عنها کما اذا قال: "العدة واجبة علی النساء بعد الطلاق لئلا تداخل المیاه" و لکن قد یحدث أن یغیب الرجل عن زوجته لسنین و مع ذلک اذا أرادت الزوجة الطلاق فعلیها أن تعتد مع أنه لا طریق لاختلاط المیاه!
 و کذلک الامر عند العرف فمثلا اذا منعت الجهات المروریة عبور السیارات المدخنه مثلا! فهذا المنع یسري ما وجدت سیارة مدخنة،و اما اذا عولج العطل فیها فکفت عن التدخین فیرتفع المنع تلقائیا! هذا مثال الی ما لو کان سبب المنع علة!
 و أما اذا کان حکمة کما لو قالت تلک الجهات یمنع تخطي الضوء الأحمر لأنه یؤدي الی حوادث في السیر، فهذا المنع یسري و إن لم تکن الطرقات مزدحمة بالسیارات بحیث ینخفض احتمال حوادث السیر الی حدالصغر.
 و قد تسأل: کیف نتعرف علی أن ما ذکر هل هو من قبیل العلة او الحکمة؟
 الجواب: یعرف ذلک بالقرائن التي تستفاد من النص او العقل!
 الأمر الرابع: من مستثنیات هذا القاعدة
 إنما یکون الاضطرار فاعلا اذا لم یبلغ حد الدم فاذا بلغ الدم فلا اضطرار کما لو واجه شخص حیوانا مفترسا فهو امام خیارین:إما أن یدفع صاحبه نحو هذا الحیوان فینجو و إما أن لا یدفع فیصبح هو فریسة للحیوان! فهنا لا یتمکن هذاالشخص أن یتمسک بقاعده الإضطرار فیعرض صاحبه لخطر الافتراس لینقذ نفسه!
 والدلیل علی عدم جریانها في مثل ذلک هو:
 اولا:دلالة الروایة:
 "محمد بن یعقوب عن أبي علي الاشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن شعیب الحداد عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال إنما جعلت التقیة لیحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فلیس تقیة" [1]
 هذه الروایة و إن کانت في التقیة إلا أنه لا فرق بینها و بین قاعدة الإضطرار من ناحیة محظور الدم!
 و ثانیا: دلیل العقل
 إن الاضطرار حکم امتناني شامل للجمیع فلا یصح أن یمن الله علینا بقتل الآخرین لننجوا بانفسنا!
 إذن الدلیل النقلي و العقلي قد قاما علی أن قاعدة الاضطرار تجري الی أن تصل الی حدالدم فلا اضطرار حینئذ! لأن الجمیع في الامتنان متساوون!
 بل الامر لا یقتصر علی إراقة الدماء فلودار الامر بین قطع خمسة اصابع منک او اصبع واحد من غیرک فلا تسمح الشریعه بأن توافق علی قطع الاصابع الخمسة لغیرک لتکون في امان بذریعة الأخذ بقاعدة الاضطرار! نعم قد قلنا أن التترس شيء آخر فهو استثناء من استثناء لأجل مصلحة أهم!
 الأمر الخامس: حکم الاضطرار بسوء الاختیار
 إذا کان الاضطرار بسوء الاختیار هل تجري القاعدة ام لا؟ کما لو سافر الشخص متعمدا الی بلد لا یحصل فیه اللحم الحلال فاضطر الی اکل لحم محرم بحیث لو لم یأکله یکون عرضة لخطر الموت او یقع في شدة لا تطاق فإنه في مثل هذا یعد مضطراً ولکنه هو الذي اوقع نفسه في الاضطرار عند ذلک لو بنینا علی مبدء الاضطرار لا یمکن أن یجري علیه حکم المضطر الذي اقره الباری سبحانه امتنانا علی العباد لأنه کان هو السبب في ذلک و کان قادرا علی الاجتناب عنه!
 غیر أنه یجب تحدید الموقف الشرعي اتجاه هذا المضطر لأنه لا یمکن أن یترک بلا حل حتی یموت! و یمکن القول بأنه من جانب یحرم علیه اکل اللحم لأنه لا مسوغ لأکله و قاعدة الاضطرار لا تجري في حقه لعدم شمول ادلة القاعدة له، و من جانب آخر یجب علیه أن ینقذ نفسه من هذه الورطة التي اوقع نفسه فیها!
 و مثله من دخل ارضا مغصوبة فبعد أن توسطها یجب علیه الخروج فهو بفعل واحد یقوم بتصرفین:التصرف في مال الغیر و هو حرام والتصرف للخروج منه و هو واجب! فکیف الخروج من هذا المأذق؟لذلک حلّ یمکن الأخذ به في جمیع الموارد التي تناظرها:
 الاول: الخروج من الارض المغصوبة واجب فحسب، فلا حرمة الی جانبه و العقوبة المفترضة لیست إلالتفویت غرض المولی و هو عدم الدخول في ارض الغیر غصبا! بعبارة:علینا أن نحافظ علی شيئین من الشارع:اوامره و نواهیه، اهدافه واغراضه.
 الثاني: نری أنَّ هنا حرمة فعلیة و وجوب عقلي، فالعقل یأمر بلزوم الخروج من الارض المغصوبة لکي لا یتحقق غصب اکثر، و مرادنا من حکم العقل هو ادراکه للحسن و القبح فالعقل یدرک أن البقاء في الارض المغصوبة قبیح و یلزم ازالة هذا القبح بالخروج منه.
 و بما تقدم بتضح حکم مسألة اخری و هي أنه في الواجب الموسع هل یجوز البدار الی ما اضطررنا الیه ام لا؟ فمثلا الذي یضطر الی اکل اللحم المحرم هل تجوز له المبادرة لاکل اللحم في حین یعلم أن قافلة في الطریق قد توفر له مایحتاج من اللحم الحلال ام لا یجوز؟
 کذلک بالنسبة الی فاقد الماء للوضوء، او المصاب بوجع الرکبة حیث یتوقع أن في آخر الوقت یتعافی فیأتي بالصلاة قائما بدل اتیانها جلوسا!
 إن صاحب العروة في مواضع اخری قد اشار انه لا یجوز البدار لذوي الاغدار، و البعض جوز، و نحن نقول بالاحتیاط في ذلک فلا یجوز البدار؛ و إن جوزنا ذلک في الصلاة فلدلیل خاص.
 والسبب في عدم جواز البدار هو أن الذي یرتفع عذره في آخر الوقت لا یعد مضطرا!


[1] .الوسائل، ج11، باب23، ابواب الامر بالمعروف، ح1 و 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo