< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

33/01/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 عنوان البحث: قاعدة الاضطرار
 کان البحث في قاعدة الاضطرار و قد قلنا أنها جاریة في جمیع ابواب الفقه إلا أنها لم تدرس مستقلا، في الاستدلال علی هذه القاعدة تمسکنا بآیات من الکتاب الکریم ثم بروایات و قد قلنا أنها طائفتان، طائفة تدل علی شمول القاعدة و أنها تعم کل مورد کان فیه الاضطرار، و طائفة اخری تدل علی جریان القاعدة في موارد خاصة و لو استقرأنا هذه الموارد نستطیع أن نخرج بقاعده عامة، و لو ضمت هذه الطائفة الی سابقتها لخلصنا الی أن القاعدة عامة تجري في کافة الموارد التي کان فیها الاضطرار! و قد وردت روایات خاصة کثیرة نکتفي بذکر عشر روایات منها:
 الاولی: في الصلاة بالثوب النجس
 "عن الحسین بن سعید عن القاسم بن محمد عن أبان بن عثمان عن محمد الحلیيِّ قال سألتُ أبا عبدالله علیه السلام عن الرجل یُجنبُ في الثوب أو یصیبه بول و لیس معه ثوب غیره قال یصلي فیه إذا اضطرَّ إلیه" [1]
 إن هذه الروایة صحیحة سندا و أنها کما تجیز الصلاة باللباس النجس، تدل علی صحة الصلاة به!
 الثانیه: في حال عدم القدرة علی السجود
 "عن الحسین بن سعید بن سعید عن فضالة عن حسین عن سماعة عن أبي بصیر قال (سألت أبا عبدالله علیه السلام) عن المریض هل تمسِک له المرأة شیئا فیسجد علیه فقال لا إلا أن یکون مضطرا لیس عنده غیرها و لیس شیء مما حرم الله إلا و قد أحله لمن اضطر إلیه" [2]
 الثالثة: في الصلاة راکبا
 "عن محمد بن احمد بن یحیی عن احمد بن هلال عن یونس بن عبد الرحمن عن عبدالله بن ینان قال قلت لأبي عبدالله علیه السلام یصلي الرجل شیئا من المفروض راکبا قال لا إلا مِن ضرورة" [3]
 کما یستفاد من هذا الحدیث الحکم التکلیفي و هو الجواز، یستفاد الحکم الوضعي ایضا و هو الصحة.
 الرابعة:الصلاة في المحمل:
 "عن احمد بن هلال عن عمرو بن عثمان عن محمد بن عذافر في حدیث قال قلت لأبي عبدالله علیه السلام رجل یکون في وقت الفریضة الأرض مِن القیام علیها و لا السجود علیها مِن کثرة الثلج و الماء و المطر و الوحل أیجوز له أن یصلی الفریضة في المحمل قال نعم هو بمنزلة السفینة إن أمکنه قائما و إلا قاعدا و کل ما کان من ذلک فالله أولی بالعذر یقول الله عز و جل بل الإنسان علی نفسه بصیرة" [4]
 إن من یستقل السفینة قد لایتمکن من اتیان الصلاة قائما ففي هذا الحال یستطیع أن یقیمها جالسا و من یکون في المحمل فشأنه شأن راکب السفینة، ثم یقول الامام في نهایة الحدیث: "و کل ما کان من ذلک فالله اولی بالعذر" و هذا و إن لم یکن قاعدة إلا أنه کالقاعدة!
 الخامسة: التصرف في مال الولد
 "عن محمد بن یحیی عن عبد الله بن محمد عن علي بن الحکم عن الحسین بن أبي العلاء قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام ما یحل للرجل من مال ولده قال قوته بغیر سرف إذا اضطر إلیه" [5]
 لا یستطیع الوالد أن یتصرف في مال الولد إلا أن تجب نفقة الوالد علی الولد و هي لا تکون إلا حال الاضطرار بأن یکون الاب فقیرا لا مال له.
 إن هذه الروایة تکشف عن أن الروایات التي تقول: «انت و مالک لابیک»

تشیر الی توصیة اخلاقیة لا حکم فقهي فالروایة السابقة مفسرة لهذه.
 السادسة:في التصرف في مال الولد ایضا
 "عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زیاد عن علي بن اسباط عن علي بن جعفر عن أبي إبراهیم علیه السلام قال سألته عن الرجل من مال ولده قال لا إلا أن یضطر إلیه فیأکل منه بالمعروف" [6]
 و هي کسابقتها في الدلالة.
 السابعة: في التزوج من المملوکة
 "محمد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما علیه السلام قال سألته عن الرجل یتزوج المملوکة فقال لا بأس إذا اضطر إلیه" [7]
 اختلفت کلمة الفقهاء في الزواج من المملوکة و لکن ظاهر الآیة هو الحرمة:
 «و من لم یستطع منکم طولا أن ینکح المحصنات المؤمنات فمن ما ملکت ایمانکم» [8]
 و یمکن القول أن الآیة تومیء الی الاضطرار فتصلح لأن تکون دلیلا مستقلا.
 و اما في عدم جواز الزواج من المملوکة قد ذکرت اسبابا شتی، منها: إن هذه الاماء کن ملوثات جنسیا فمثلا بعض اربابهن کانوا یستعملوهن مومسات لتحصیل المال! و یلزم التنبیه هنا علی أن البحث في الزواج من الأمة کما لو تزوج عمرو أمة خالد، لا في ملک الیمین بأن یشتري زید من عمرو امة حیث إنه لا کلام فیه !
 و مهما یکن من شيء، فإن الحدیث عن الزواج من الأمة اضطرارا حیث أن الاضطرار یرفع الحکم الاولي و هو حرمة زواج الحر من الأمة فیصبح الزواج منها جائزا!
 الثامنة: في التزوج من المملوکة ایضا:
 "محمد بن یعقوب عن محمد بن یحیی عن عبد الله بن محمد عن علي بن الحکم عن أبان بن عثمان عن زرارة بن أعین عن أبي جعفر علیه السلام قال سألته عن الرجل یتزوج الأمة قال لا إلا أن یضطر إلی ذلک" [9]
 و طریقة الاستدلال بها کسابقتها.
 التاسعة: في حلف الرجل تقیة:
 "سماعة عن أبي عبدالله علیه السلام قال إذا حلف الرجل تقیة لم یَضُرَّه إذا هو اکره و اضطر إلیه و قال لیس شيء مما حرم الله إلا و قد أحله لمن اضطر إلیه" [10]
 العاشرة: في التقیة
 "عن ابن أبي عمیر عن ابن أذینة عن اسماعیل الجعفي و معمر بن یحیی بن سام و محمد بن مسلم و زرارة قالوا سمعنا أبا جعفر علیه السلام یقول التقیة في کل شيء یضطر إلیه ابن آدم فقد أحله الله له" [11]
 الروایة تدل علی جواز التقیة في جمیع الموارد التی یضطر الیها الانسان من معاملات و عبادات و هي اعم من سابقتها
 الثالث من الأدلة: دلیل العقل
 الثالث من الادلة التی تدل علی قاعدة الاضطرار هو العقل، و في الواقع أن ما سمیناه بدلیل العقل هو دلیل عقلایی و الفرق بینهما أن الاساس الذي یعتمده الدلیل العقلي هو عدم اجتماع و ارتفاع النقیضین، و اما الدلیل العقلائی فیعتمد في الاساس علی الحسن و القبح، فعند ما نثبت وجود الخالق للکون بالدلیل العقلی لا یصح انکاره لدلیل آخر لأن ذلک یعني أنه موجود و غیر موجود و هو التناقض بعینه و النقیضان لا یجتمعان و لا یرتفعان.
 و الادلة التي تقام في الفقه لیست من هذا القبیل أي أنها لا تقوم علی مبدء عدم التناقض في الغالب بل تقوم علی مبدئي الحسن و القبح ففي البراءة العقلیة مثلا نقول یقبح علی المولی العقاب بلا بیان، و کذلک المولی لا یکلف العبد بما لا یطاق لانه قبیح منه، إذن هذه الأدلة و أن عرفت بوصفها عقلیة إلا أنها في واقعها عقلائیة لإنها تقوم علی مبدء الحسن و القبح کما اسلفنا.
 بعد هذه الاطلالة علی طریقة الاستدلال نقول أنه من أدلة قاعدة الاضطرار هو اصل ترجیح الأهم علی المهم اعني أن هذا الاصل یقتضي ترجیح الأهم علی المهم و هو اصل عقلایی فمثلا واجب حفظ النفس اهم من واجب التحزر من اکل المیتة فالعقلاء یقبحون في مثل هذا ترک الاهم و العمل وفق المهم.
 و هناک اصل آخر للاستدلال علی قاعدة الاضطرار و هو وجوب حفظ النظام بأن حفظ النظام و الامن الاجتماعین من اساسیات الحیاة الانسانیة، ففي هذه الحال لو اقتضت ضرورة جماعیة أن نتجاوز محظورا شرعیا کما لو اضطررنا الی التعامل مع المصارف الربویه لإن المصارف اضحت رکنا اساسیا في النشاط الاقتصادي لکل مجتمع بحیث لا یمکن تجاوزه بحال فهنا لأجل حفظ النظام و لکي لا تتوقف عجلة الحیاة او لا یتعسر دورانها یلزم أن نتعامل مع هذه المصارف من باب الاضطرار من دون استلام الفائدة التي تترتب علی الاموال المودعة فیها!


[1] .الوسائل، ج2.ابواب النجاسات، باب 45،ح7
[2] .الوسائل، ج4، باب1، ابواب القیام، ح5.
[3] .الوسائل، ج3، باب 14، ابواب القبله، ح 4.
[4] .الوسائل، باب 14. ابواب القلبله، ح2.
[5] .الوسائل، ج12، باب 78، ابواب ما یکتسب به،ح8.
[6] .الوسائل، ج12،باب78،ابواب ما یکتسب به، ح6.
[7] الوسائل، ج15، باب8، ابواب القسم و النشور و الشقاق، ح1.
[8] .سورة النساء، آیة 35.
[9] .الوسائل، ج14،باب45، ابواب ما یحرم بالمصاهرة،ح1.
[10] .الوسائل، ج 16، باب 12،ابواب جواز الحلف بالیمین الکاذبة،ح18.
[11] .الوسائل، ج 11، باب 25، ابواب الامر و النهي،ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo