< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

32/12/16

بسم الله الرحمن الرحیم

  كان البحث في السادس من محظورات الإحرام و هو لبس المخيط و قد قلنا بأنه لا خصوصية للمخيط بعنوانه و المعتبر في البين هو ما أحاط بالبدن مثل القميص و السراويل و ما شابه ذلك.
  و في نهاية البحث السابق ذكرنا مؤيدا من أنهم قد رخصوا عند الضرورة لبس القباء أو القميص لكنهم إشترطوا أن يكون مقلوبا بأن يجعل أعلاه أسفل و أسفله أعلاه، ثم يلقى على العاتق، و من ذلك يعرف أن المقياس في الحرمة هو الإحاطة بالبدن لا الخياطة لأنه لو كان الحظر من جهة الخياطة فكان يلزم عند الضرورة أن يرخصوا اللبس الإعتيادي، فيتبين من ذلك أن المانع في ذلك هو الإحاطة بالبدن لا الخياطة.
  الفرع الثاني: "بل لا يجوز لبس ما يشبه بالمخيط كالقميص المنسوج و المصنوع من اللبد"
  و البعض أضاف قسما ثالثا و هو الملصق بعضه ببعض و هذا يشير إلى أن المحظور في أعماق نفوسهم هو ما يحيط بالبدن لا المخيط كيفما كان و لذلك يلزم التحرز من الملصق بعضه ببعض إحتياطا.
  الأقوال:
  قد تطرق بعض الأعلام إلى هذه المسألة منهم العلامة كما حكاه كاشف اللثام حيث يقول:
  "إذا عرفت هذا فيحرم لبس الثياب المخيطة و غيرها إذا شابهها كالدرع المنسوج و المعقود كجبة اللبد و الملصق بعضه ببعض حملا على المخيط لمشابهته إياه في المعنى من الترفّه و التنعم" [1]
  يبدو أن المصنف يرى أن المقياس في الحكم هو المنع من الراحة و الترفيه لأن المخيط يوفر الراحة و الرخاء، فكان رفع الراحة و الرخاء هو حكمة الحكم فحرم كل ما أدى إلى ذلك.
  و قد أتى الشهيد الثاني في المسالك [2] ما يشبه الذي حكاه كاشف اللثام و لكنه في إستدلاله تمسك بالروايات كما سيأتي، و قد أفتى العلامة في التذكرة [3] بحرمة الأقسام الثلاثة (المنسوج، و المعقود، و الملصق بعضه ببعض)، و قد نقل صاحب الرياض ذلك في كتابه [4] .
  و عبارة صاحب الجواهر أكثر شفافية و صراحة:
  "و في المدارك ألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه كالدرع المنسوج وجبة اللبد و الملصق بعضه ببعض، و قال في التذكرة: و قد ألحق أهل العلم بما نص النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلّم ما في معناه، فالجبة و الدراعة و شبههما ملحق بالقميص، و التبان و الران و شبههما‌ ملحق بالسراويل" [5]
  فقوله "ألحق أهل العلم" يدل على أن كثيرا منهم أفتى بذلك.
  و قوله "بما نص النبي" أراد المخيط.
  و التبان هو سروال قصير.
  و الران حذاء كالخف لا قدم له و هو أطول من الخف.
  الأدلة:
  قد تمسك القوم بالأدلة التالية لإلحاق الأقسام الثلاثة بالمخيط:
  الأول: إلغاء الخصوصية:
  لو أننا وضعنا قول الشارع في حرمة لبس المخيط بين يدي العرف لما فرق بين المخيط و المنسوج فهو لا يرى خصوصية في المخيط و لذلك يلغيها من دون صعوبة و إحراج!
  هذا على فرض أن المحظور هو المخيط و أما على القول بأن المحظور هو ما أحاط بالبدن فلا ضرورة حينذاك لإلغاء الخصوصية لأن ما أحاط يعم جميع الأقسام!
  الثاني: صحيحة معاوية بن عمار التالية:
  "... عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ لَا تَلْبَسْ وَ أَنْتَ تُرِيدُ الْإِحْرَامَ ثَوْباً تَزُرُّهُ وَ لَا تَدَرَّعُهُ وَ لَا تَلْبَسْ سَرَاوِيلَ إِلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَكَ إِزَارٌ وَ لَا خُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَكَ نَعْلَانِ" [6]
  فإن قوله لا " لَا تَلْبَسْ ثَوْباً تَزُرُّهُ وَ لَا تَدَرَّعُهُ" يكشف عن أن الممنوع هو ما أحاط بالبدن.
  و هناك رواية أخرى بهذا المضمون أيضا تقول: "... يَلْبَسُ كُلَّ ثَوْبٍ إِلَّا ثَوْباً يَتَدَرَّعُهُ" [7]
  الثالث: الرواية التالية:
  ما ورد في رواية معاوية بن عمار الأنفة الذكر حيث تقول: "وَ لَا تَلْبَسْ سَرَاوِيلَ" فإن الثوب يختص بالمخيط و أما السراويل فهي عامة تشمل المنسوج و الملصق كما تشمل المخيط.
  الرابع: ما حكاه صاحب كشف اللثام و هو أن المولى جل و علا أراد أن يبعد المحرم من حالة الترف و الرخاء و أن يتصف بالزهد و القناعة فإذا كان السبب هو ذلك فلا فرق بين المخيط و غيره من الأقسام الثلاثة! و ينبغي التنبيه على أن ما أوردناه لم يكن دليلا مستقلا بل هو مؤيد لأنه لا نعلم هل هو من باب العلة أو الحكمة.
  و هناك عناوين سبعة أخرى
  بناء على ما تقدم يجب أن نبحث عن أحكام سبعة عناوين قد يبتلى بها المحرم و هي:
  الأول: القفازان:
  فهل يمنع على المحرم لبسهما- سواء كانتا من المخيط أو المنسوج أو الملصق بعضه ببعض- و إن كانت إحاطتهما على بعض البدن؟
  من المستبعد أن يعم الحكم هذا المقدار من الإحاطة، خلافا للملابس الداخلية حيث أنها تغطي قسما معتدا به من البدن فلا يمكن الحكم بالحرمة على ما يغطي هذه المساحة من البدن.
  الثاني: كاسية المعصم و الساعد، و الكم القصير فإننا لا نحكم بالحرمة في شيء منها.
  الثالث: المنطاقة أو النطاق فإنه من المستبعد أن العمومات و الإطلاقات تشملان ذلك فلا نحكم بحرمة شيء منه.
  الرابع: ما يتوشح به أو القماش المطرز كما لو لم يحصل الحاج على إزار بسيط و لم يتوفر له إلا الإزار المطرز،ففي مثل ذلك نرى أن أدلة حرمة القميص و الإزار يدلان على حرمة الإزرار المطرز من دون إشكال فلا يجوز للمحرم لبسه.
  الخامس: شنطة (أو كيس) النوم
  قد يبرد الطقس في المشعر حيث لا تتوفر خيمة للمبيت فهل يستطيع المحرم أن ينام في هذا الكيس و هل حكمه حكم المخيط أم لا؟ من المستبعد أن يصدق عليه عنوان المخيط فلا إشكال في إستعماله.
  السادس: المعطف و القماش المخيط
  أحيانا يستفيد الحجيج من المعطف أو القماش الذي تخيط أطرافه لكي لا تنفرط خيوطه فهل يصح إستعمالهما أم لا؟
  نرى أنه لا يصدق على إستعمالهما التدرع و لبس المخيط فلا إشكال في إستعمالهما.
  السابع: إستعمال البطانية و اللحاف عند برودة الطقس
  إن أطراف البطانيات تخيط و كذلك اللحاف فإنه يخيط من كل جانب، فلو إستعمل المحرم اللحاف أو البطانية في الطقس البارى فهل ذلك محظور على المحرم من دون أن يغطي رأسه و خلف رجله أم لا؟ على ما نراه لا إشكال في ذلك لأنه لا يصدق عليه لبس المخيط أو التدرع به.
  و زبدة القول:
 بحسب قواعد الصناعة لا وجه للتشدد على المحرمين في الحج لأن جواز الإستعمال أوسع مما يظنون، و نستطيع أن نرفع هذه القيود من حجاج بيت الله سبحانه و إن كان الإحتياط مستحسن على كل حال.


[1] كشف اللثام/ ج 5. ص 375
[2] المسالك/ ج 2. ص 255
[3] التذكرة/ ج 1. ص 332
[4] الرياض/ ج 6. ص 272
[5] جواهر الكلام/ ج 18. ص 337
[6] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 35. ح 2
[7] المصدر/ باب 36. ح 5

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo