< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

32/12/15

بسم الله الرحمن الرحیم

  عنوان البحث: حكم لبس المخيط للرجال
  كان البحث في السادس من تروك الإحرام و هو لبس المخيط للرجال و قد كان عنوان معاقد الإجماع عند الشيعة والسنة هو لبس المخيط، و قد قلنا أن عنوان المخيط قد ورد في الروايات خلافا لما قيل أنه لم يرد فيها، و هي و إن كانت مرسلات و لكن قد قام الإجماع على حرمة لبس المخيط للرجال فإن كان المجمعون قد إستندوا إلى هذه الروايات فيجبر ضعف السند فيها و يصبح الإجماع مدركيا و إن لم يستندوا- و هو الأصح- فيكون الإجماع حجة بذاته.
  ثم ذكرنا روايتين لمعاوية بن عمار إحداهما صحيحة و أخرى معبترة و قد ذكرت فيها مصاديق المخيط و هي: الخف و القميص و الدرع و السراويل.
  فهاتي الروايتين ليستا عامتين فلا تشملان كل مخيط مثل القطعة من القماش التي تخاط لشد الجرح، أو الحزام الذي يشد على ثوب الإحرام أو الهميان أو القماش المخيط أو المنسوج الذي يوصل به المعوق رجله المصنوعة ببدنه، فكل هذه الموارد ليست من قبيل المصاديق التي وردت في روايتي معاوية بن عمار فلا تدخل في مدلولها.
  و الأهم و الأفضل من روايتي معاوية بن عمار الروايات التي تحدثت عن جواز لبس الطيلسان و هي صحيحة سندا و أكثر عددا، و الطيلسان كساء واسع مخيط يوضع على العاتق و لا يختص بالملوك و قد يكون له كُمّ و قد لا يكون، و المتيقن من الجواز في لبس الطيلسان هو عندما لا يكون ذا كم و إذا كان ذا إزرار لا يجوز تعليق الأزرار بالطرف الأخر فيحيط بالبدن كاملة! و المهم في هذه الروايات هو ان الطيلسان لباس مخيط و مع ذلك قد أستثني من أنواع المخيط الممنوع لبسه على المحرم.
  "... عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام عَنِ الْمُحْرِمِ يَلْبَسُ الطَّيْلَسَانَ الْمَزْرُورَ فَقَالَ نَعَمْ وَ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السّلام لَا يَلْبَسُ طَيْلَسَاناً حَتَّى يَنْزِعَ أَزْرَارَهُ فَحَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَزُرَّهُ الْجَاهِلُ عَلَيْهِ" [1]
  الرواية صحيحة سندا و أما دلالة فالإمام عليه السّلام يقول: "إِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَزُرَّهُ الْجَاهِلُ عَلَيْهِ"، و هذا يعني أنه لو لم يزره فلا مانع منه!
  "... الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام مِثْلَ ذَلِكَ وَ قَالَ إِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَزُرَّهُ الْجَاهِلُ فَأَمَّا الْفَقِيهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَهُ" [2]
  و هي صحيحة سندا كسابقتها، و أما دلالة فهي صرحت بما أومأت إليه الرواية السابقة فهي تقول: "فَأَمَّا الْفَقِيهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَهُ"
  "وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام فِي حَدِيثٍ قَالَ وَ إِنْ لَبِسَ الطَّيْلَسَانَ فَلَا يَزُرُّهُ عَلَيْهِ" [3]
  و هذه الرواية ضعيفة بعلي بن أبي حمزه خلافا لسابقتيها و أما دلالة فهي بالإلتزام تدل على جواز لبس الطيلسان.
  وفقا لهذه الروايات أن الطيلسان من المخيط و مع ذلك فإن هذه الروايات تبيح لبسه للمحرم.
  و هناك رواية لم يذكر فيها الطيلسان إلا أنها تؤيد ما ورد في الروايات السابقة:
  "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا عليه السّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَمَّا يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهُ فَقَالَ يَلْبَسُ كُلَّ ثَوْبٍ إِلَّا ثَوْباً يَتَدَرَّعُهُ" [4]
  الرواية معتبرة سندا و أما دلالة فالمفهوم فيها عام يشمل كل ثوب لم يحط بالبدن فبعمومها تشمل الطيلسان أيضا! فتصلح لأن تكون مؤيدا للروايات السابقة!
  و من هنا تنشأ مشكلة و هي أن هذه الروايات ألم تكن في مرأى و مسمع الفقهاء؟ فكيف أفتوا بالحظر من لبس المخيط على المحرم؟ في حين أنها تمنع مما أحاط بالبدن لا كل مخيط! و عليه كيف الجمع بين هذه الروايات و معقد الإجماع الذي منع كل مخيط؟!
  وجوه الجمع:
  للجمع بين الروايات الأنفة الذكر و معقد الإجماع المذكور أعلى، وجوه:
  الأول: بما أن معقد الإجماع عام يشمل المخيط المحيط بالبدن و غير المحيط، نخصص العموم بما لو كان المخيط محيطا بالبدن و بذلك يرتفع التعارض. و ينبغي التنبيه على أن الإجماع و إن كان دليلا لبيا إلا أنه قد يكون معقد الإجاع في حكم الدليل اللفظي مثلما نحن بصدده فإن معقد الإجماع هو: "لا يجوز لبس المخيط" و بناء على ذلك يخرج الإجماع عن كونه دليلا لبيا فلا يتبقى قدر متيقن يخل بالعموم أو الإطلاق لو قلنا أن هناك إطلاق!
  الثاني: أن هذه الروايات معرض عنها فنضعها جانبا و نأخذ بعموم معقد الإجماعات فنمنع كل مخيط، و يبدو أن السيد الماتن بنى فتواه على ذلك.
  الثالث: أن نحمل معقد الإجماع على ما هو متعارف من الملبس فهو منصرف إليه، فعندما يقال: "المخيط" فإنه لا يشمل المنطقة مثلا فيدل على الثوب و ما يشبهه فقط، و بهذا الحمل يتفق معقد الإجماع مع الروايات؛ و عليه لا ينبغي التشدد على الحجيج لو إستعملوا المخيط في شد الجرح مثلا أو وصل الرجل الصناعية بالبدن!
  و مما يؤيد أن الإحاطة بالبدن هي من الموانع في الإحرام لا خياطة اللباس هو أن الروايات التي كانت تصرح بأن المحرم لو إضطر إلى وضع الرداء على عاتقه فليجعله مقلوبا و لا يمد يديه في كمه و ذلك يكشف عن أن المخيط في نفسه ليس مانعا لأن الإمام عليه السّلام لا يقول إلبسه للضرورة بل قال ضعه على عاتقك فيتبين من ذلك أن المانع ليس هو المخيط و إنما المانع هو الإحاطة بالبدن، فلعل الخياطة في لسان القوم تشير إلى الذي يحيط بالبدن و المحيط بالبدن قد يتمثل بالمخيط.
  و عليه، ما أفاده السيد الماتن في قوله: "لبس المخيط للرجال كالقميص و السراويل و القباء و أشباهها ..." إن كان القصد منه هو المخيط الذي يحيط بالبدن فهو الذي ذهبنا إليه و لكن يبدو أنه قدس سره يريد المخيط أحاط أو لم يحط، لأنه أفتى بالمنع من كل مخيط فمثّل بالتكة و القلنسوة و ما شابه. إذن ينبغي أن يكون عنوان الباب "ما أحاط بالبدن" مخيطا كان او لم يكن و بذلك يصبح المعنى أوسع مما كان.
  إن قلت: إن الإمام عليه السّلام في بعض الروايات الأتية قد إستثنى التكة و القلنسوة و الهميان و هذا يدل على أنها في نفسها محرمة إلا أنه عليه السّلام قد إستثناها لمصلحةٍ ما و هذا يقتضي أن يكون عنوان الباب هو المخيط فيشمل كل مخيط صغيرا كان أو كبيرا.
  قلنا: سيأتي الجواب على هذا الإشكال في الفرع الثالث حيث يتحدث السيد الماتن عن القلنسوة و التكة.
  و خلاصة القول إلى هنا أنه لم يمنع كل مخيط على المحرم فليس للمخيط موضوعية في البحث.


[1] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 36. ح 2
[2] المصدر/ ح 3
[3] المصدر/ ح 4
[4] المصدر/ ح 5

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo