< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

32/12/03

بسم الله الرحمن الرحیم

  عنوان البحث: تعدد الكفارة بتعدد الأسباب
  كان البحث في الفرع الرابع من فروع المسألة الخامسة عشرة و هي عن أنه إذا تكرر السبب- و هو إستعمال الطيب مثلا أو لبس المخيط أو الإفطار في نهار شهر رمضان- فهل أن الكفارة تتكرر أيضا أم لا؟ قلنا أن عمومات الأدلة و إطلاقاتها ظاهرة في العموم الأفرادي إلا أن يقوم دليل خاص يعارض ذلك و عليه كل فرد و سبب للكفارة يتحقق في الخارج يتطلب كفارة مستقلة و بناء على ذلك لا إعتبار لمعيار الزمان و المكان و الصنف في وجوب الكفارة و عدمها، و لذلك لو كانت وحدة نوعية و لكن تعددت جزئيتها كما لو أكل في نهار رمضان لُقَم متعددة فإنه يعد عرفا إفطارا واحدا. ثم أشرنا إلى رواية تقول أن تعدد الصنف يؤدي إلى تعدد الكفارة و قد قلنا بأنها معرض عنها، كما أنه لا نتمكن من أن نلغي الخصوصية لكي نعمم الحكم إلى الطيب لأن إلغاء الخصوصية لابد و أن يكون قطعيا و أنا لنا بالقطع!
  و هناك روايات لا بأس بها سندا قد تمسك بها بعض المعاصرين أولها موثقة حسن بن هارون:
  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَلِيٍّ الْجَرْمِيِّ عَنْ دُرُسْتَ الْوَاسِطِيِّ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ قُلْتُ لَهُ أَكَلْتُ خَبِيصاً فِيهِ زَعْفَرَانٌ حَتَّى شَبِعْتُ قَالَ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ مَنَاسِكِكَ وَ أَرَدْتَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ فَاشْتَرِ بِدِرْهَمٍ تَمْراً ثُمَّ تَصَدَّقْ بِهِ يَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا أَكَلْتَ وَ لِمَا دَخَلَ عَلَيْكَ فِي إِحْرَامِكَ مِمَّا لَا تَعْلَمُ" [1]
  هذه الرواية أفضل من سابقتها و ليست في الملبس فقط كما كانت رواية محمد بن مسلم، و هي تشير إلى إستعمالين للطيب هما الأكل و الشم، فكان الأمر يستوجب كفارتين إلا أن الإمام عليه السلام قال ليس عليه إلا كفارة واحدة و هو يكشف أن وحدة الزمان تؤدي إلى وحدة الكفارة و إن تعددت الأفعال!
  و يرد عليه:
  أن الحديث في ذيله يقول أن كل خطأ يصدر من المحرم عليه صدقة "... وَ لِمَا دَخَلَ عَلَيْكَ فِي إِحْرَامِكَ مِمَّا لَا تَعْلَمُ" و الأخطاء التي تصدر من الإنسان متفاوتة فتقول الرواية كل ما صدر من الإنسان خطأ فعليه كفارة و واضح أنه على مدى الزمان تصدر من الإنسان أخطاء كثيرة فلكل خطأ كفارة و عليه لا دور للزمان في تحديد الكفارة، أضف إلى ذلك أن الكفارة هنا مستحبة لأنها في النسيان و موضع البحث هو الوجوب دون الإستحباب! فلا صلة لهذه الرواية ببحثنا، فالمستدل إستند في إستدلاله إلى صدر الرواية و ترك ذيلها.
  "... عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ مَنْ ... أَكَلَ طَعَاماً لَا يَنْبَغِي لَهُ أَكْلُهُ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَفَعَلَ ذَلِكَ نَاسِياً أَوْ جَاهِلًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ وَ مَنْ فَعَلَهُ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ" [2]
  فإن قوله عليه السلام: "أو أَكَلَ طَعَاماً لَا يَنْبَغِي لَهُ أَكْلُهُ وَ هُوَ مُحْرِمٌ" ليس صريح في الطيب و لكن يمكن أن يقال أنه عام يشمل لحم الصيد كما يشمل الطعام المعطر. و بما أنها تشير إلى العمد بقولها "وَ مَنْ فَعَلَهُ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ" فهي أفضل من سابقتها كما أنها تعم شم الطيب أو أكل ما فيه الطيب و هذا الذيل يصلح لأن يكون شاهدا على العموم، و مهما يكن من شيء فهذه الرواية من ناحية ذكر العمد أفضل من سابقتها كما أسلفنا! إلا أن فيها إشكال سيأتي في التعليق على الرواية التالية.
  "... عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي‌ جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ مَنْ أَكَلَ زَعْفَرَاناً مُتَعَمِّداً أَوْ طَعَاماً فِيهِ طِيبٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ فَإِنْ كَانَ نَاسِياً فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ وَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ يَتُوبُ إِلَيْهِ" [3]
  فإن الإمام عليه السلام جعل لفعلين و هما أكل الطيب و شمه في زمان واحد كفارة واحدة! و لكن هذا لا يدل على أنه إن كان في زمانين فله كفارتان! لأن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه فعلى المستدل أن يأتي بدليل يثبت أنه بتعدد الزمان تتعدد الكفارات! و هذا الإشكال نفسه يرد على الإستدلال بالرواية السابقة بأنه إثبات الشيء لا ينفي ما عداه! و عليه يلزم أن نتمسك بالعمومات و الإطلاقات في تعدد المصاديق و وحدتها و تعدد الكفارة و وحدتها تباعا كما مر! لأن هذه الروايات لا تدل على تعدد الكفارة بتعدد الزمان!
  بقي هنا أمور: الأول: هناك ثلاثة طرق في التعامل مع الموضوعات:
  1. الدقة العقلية
  2. الدقة العرفية
  3. المسامحة العرفية
  فمثال الأول أن المسافة الشرعية ثمانية فراسخ فعلى الدقة العقلية إذا كانت المسافة تقل سانتيمترا واحدا فتقصر الصلاة و اما على الدقة العرفية فلا، و على المسامحة العرفية لو قلت المسافة كيلومترا واحدا لا تضر أصلا! و كذلك الأمر في ذرات الدم العالقة على الثوب بعد غسل الدم و بقاء لونه! فإنه بالدقة العرفية يقال أن الدم قد زال و لكن بالدقة العقلية يقال أنه باق! و بالتسامح العرفي حتى لو بقي شيء من جرمه يقال عنه أن الدم قد ذهب!
  و كذلك في الطيب فإنه بالمسامحة العرفية لو إستعمل المحرم الطيب في مجلس واحد مرتين بفاصل ساعة مثلا يقال أنه إستعمال واحد لوحدة المجلس مع أنه في الدقة العرفية يقال أنهما إستعمالان و إن كانا في مجلس واحد لأنهما وقعا في زمانين متباعدين. كما أنه بحسب الدقة العقلية لو إستعمل الطيب في مجلس واحد و في ساعة واحدة على مواضع مختلفة من بدنه، يقال عنه أن ذلك إستعمالات مختلفة و مع ذلك بحسب الدقة العرفية يعد إستعمالا واحدا! و بناء على ما تقدم يكون المعيار في معرفة الموضوعات في جميع أبواب الفقه هو التشخيص العرفي الدقيق!
  و يلزم التنبيه على أن المقياس في إستنباط الأحكام هو الدقة العرفية أيضا لا العقلية لأن المولى سبحانه في خطاباته الشرعية وجه الخطاب إلى كافة الناس و عليه أن فهمهم هو المقياس في تشخيص الموضوعات و إستنباط الأحكام.
  و بهذه المناسبة نقول كأن بعض الأعلام قد أخطأ الطريق في فهم الخطاب الذي ورد في سورة الجمعة حيث يقول "إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا ..." [4] فقال إن وجوب صلاة الجمعة ليس وجوبا عينيا إلا أنه إذا أقيمت فيجب أن يحضر الناس بحسب ما يقتضيه قوله: "إِذا نُودِيَ" و عليه لو نودي بالصلاة من يوم الجمعة يصبح الحضور واجبا عينيا!
  إلا أن ذلك من قبيل الدقة العقلية في إستنباط الحكم الشرعي و أما من زاوية النظرة العرفية فإنها تفيد الوجوب العيني في عصر حضور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف! لأنه لا يترتب السعي إلى الصلاة على النداء و لذلك تجب الصلاة و إن لم يكن النداء للصلاة أصلا.
  ملخص القول:
  إن الفهم العرفي الدقيق هو المقياس في إستنباط الحكم الشرعي و معرفة موضوعاته دون غيره من الطرق!


[1] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب بقية كفاراة الإحرام. باب 3. ح 1
[2] المصدر/ باب 8. ح 1
[3] المصدر/ باب 4. ح 1
[4] جمعة (62): 9

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo