< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/28

بسم الله الرحمن الرحیم

  المحاضرة الأخلاقية:
  ما زال الحديث في خصال المؤمنين من أصول الكافي:
  "عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ عليهم السّلام قَالَ رَفَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه و أله و سلّم قَوْمٌ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فَقَالَ مَنِ الْقَوْمُ فَقَالُوا مُؤْمِنُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَ مَا بَلَغَ مِنْ إِيمَانِكُمْ قَالُوا الصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ وَ الشُّكْرُ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَ الرِّضَا بِالْقَضَاء" [1]
  إن الرواية تفيد أن الذين التقوا النبي صلّى الله عليه و أله و سلّم ذكروا لإيمانهم ثلاث علامات:
  الأولى: الصبر على البلاء، إن للبلاء معان عدة و لعل الرواية تشير إلى أحد معنين: الأول: إن الحياة محفوفة بالمكارة كالبلايا التي تحدث في الطبيعة مثل السونامي أو فقد الأعزة و ما شابه؛ و الثاني هو البلاء بمعنى الإمتحان كما في الأية "وَ لَنَبْلُوَنَّكُم بِشىَ‌ْءٍ مِّنَ الخوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَاتِ وَ بَشِّرِ الصَّابرِينَ" [2]
  الثانية: الشكر عند الرخاء و النعمة، فيجب الشكر لله سبحانه عند إستقرار الأمن و وفور النعمة و توفر الصحة فإن الإنسان عند النعمة و الرخاء و الأمان قد يغيب المولى عن ذهنه فينتهي به الأمر إلى الطغيان و عدم الإكتراث بشؤون عباده سبحانه، فمن الناس من ينسى كل شيء و كل أحد عندما يصيب شيئا من نعم الله و لعله يصاب بالغرور و التبختر كما كان قارون من قوم موسى حيث كان يقول "قالَ إِنَّما أُوتيتُهُ عَلى‌ عِلْمٍ عِنْدي" [3] أي إني أوتيت هذا المال بفضل جدارتي و قوة ساعدي و إدارتي و معرفتي بسر جمع المال، إلا أن هذا الغرور و التبختر لم يدم طويلا فجلب إليه الويل و الثبور، يقول الله سبحانه: "فخَسَفْنَا بِهِ وَ بِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَ مَا كاَنَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ" [4] فابتلعته الأرض و لم تبق له أثرا من سوء فعله!
  الثالثة: الرضا بقضاء الله و قدره! إن الإنسان قد يواجه في مسيرة حياته كثيرا من المرديات فيظنها أنها من المكروهات لكنها في حقيقتها لم تكن إلا لطفا من الباري عز و جل إلا أننا لم نتعرف بعد على هذا السر! قال الله سبحانه: "وَ يَسْلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبىّ‌ِ وَ مَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" [5] فإنه سبحانه حكيم و رحيم و لا يعمل إلا ما كان فيه صلاح عباده، فمن يعارض قدر الله سبحانه و قضائه فهو إما أن لا يؤمن بحكمة الله و إما برحمته و رأفته، و في كلا الحالتين هو خارج عن جادة الصواب.
  و الرسول صلّى الله عليه و أله و سلّم عندما سمع إجابتهم قال "حُلَمَاءُ عُلَمَاءُ كَادُوا مِنَ الْفِقْهِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاء" ثم قال: "إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَصِفُونَ فَلَا تَبْنُوا مَا لَا تَسْكُنُونَ وَ لَا تَجْمَعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُرْجَعُون‌" فالرسول عرفهم ثلاثة ركائز لمستقبل حياتهم حتى يكونوا على أحسن حال.
  البعض يبحث في التربية الروحية عن مرشد يهديه إلى سواء السبيل و لكن بعض هولاء قد يقع في مصيدة بعض المشعوذين! و الطريق الأسلم هو أن نأخذ بما قاله الرسول صلّى الله عليه و أله و سلّم و أهل بيته عليهم السّلام و بما ورد في الكتاب العزيز، فإن في نهج البلاغة و الصحيفة السجادية و أصول الكافي و ما إلى ذلك من مصادر روائية ما فيه الكفاية بل أن الرواية المذكورة أعلا تصلح لأن تكون معلما لكي لا نضل الطريق!
  عنوان البحوث الفقهي: أحاديث كفارة الطيب
  كانت الأحاديث على ثلاثة طوائف فطائفة كانت تقول أن الكفارة دم شاة و أخرى أنها صدقة و ثالثة أنها الإستغفار. بحثنا روايات الطائفة الأولى و بعض روايات الطائفة الثانية فلنقرأ ما تبقى منها:
  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَلِيٍّ الْجَرْمِيِّ عَنْ دُرُسْتَ الْوَاسِطِيِّ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ قُلْتُ لَهُ أَكَلْتُ خَبِيصاً فِيهِ زَعْفَرَانٌ حَتَّى شَبِعْتُ قَالَ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ مَنَاسِكِكَ وَ أَرَدْتَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ فَاشْتَرِ بِدِرْهَمٍ تَمْراً ثُمَّ تَصَدَّقْ بِهِ يَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا أَكَلْتَ وَ لِمَا دَخَلَ عَلَيْكَ فِي إِحْرَامِكَ مِمَّا لَا تَعْلَم‌" [6]
  إن الرواية ضعيفة سندا بحسن بن هارون لأنه مشترك، و أما دلالة فهي ظاهرة، فالإمام عليه السّلام يقول: "مِمَّا لَا تَعْلَم‌". و هي عامة تشمل كل ما كان محظورا على المحرم فالرواية تتحدث عن حالة الجهل بل إن ما ورد في كلام السائل ظاهر في الجهل أيضا!
  أكثر روايات الطائفة الثانية تختص بالجهل و النسيان، و لا كفارة حينئذ لأن الكفارة لا تتعلق بحالتي الجهل و النسيان و إن تعلقت بحالة الإضطرار!
  الطائفة الثالثة:
  في هذه الطائفة الروايات- إلا واحدة منها- تدل على لزوم الإستغفار لو إرتكب المحرم مخالفة جهلا أو نسيانا:
  "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي‌ جَعْفَرٍ عليه السّلام قَالَ مَنْ أَكَلَ زَعْفَرَاناً مُتَعَمِّداً أَوْ طَعَاماً فِيهِ طِيبٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ فَإِنْ كَانَ نَاسِياً فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ وَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ يَتُوبُ إِلَيْهِ" [7]
  قد أثبت الرواية الدم في أولها إذا كان المحرم عامدا و في ذيلها الإستغفار إن كان ناسيا.
  هذه الرواية تصلح لأن تكون قرينة لوجه الجمع بين الروايات.
  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ مَسَّ الطِّيبَ نَاسِياً وَ هُوَ مُحْرِمٌ قَالَ يَغْسِلُ يَدَهُ وَ يُلَبِّي" [8]
  هذه الرواية تشير إلى النسيان فحسب، و قد أتت بالتلبية بدلا عن الإستغفار، إلا أن التلييبة مستحبة و ليست بواجبة!
  "وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحْرِمِ يَمَسُّ الطِّيبَ وَ هُوَ نَائِمٌ لَا يَعْلَمُ قَالَ يَغْسِلُهُ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ء ..." [9]
  ليس في هذه الرواية إستغفار و لا تلبية وهل أن هذا يصلح لأن يكون مؤشرا على أن الإستغفار و التلبية ليسا أساسيان في الكفارة؟
  "مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ فِي الْمُقْنِعَةِ قَالَ قَالَ عليه السّلام كَفَّارَةُ مَسِّ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّه‌" [10]
  يقول الشيخ المفيد "قَالَ عليه السّلام" و هذا يعني أنه كان مطمئنا لسندها، و أما دلالة فهي عامة تشمل صور العلم و الجهل و النسيان فيمكن الإستدلال بها في المقام!
  الجمع بين الروايات:
  الطائفة الثالثة لا تدل على العموم إلا رواية المفيد حيث أنها تشمل العالم و الجاهل و الناسي و لكنها بقرينة الروايات الأخرى تحمل على صورة الجهل و النسيان!
  و أما الطائفتان الأخريتان و هما طائفة دم الشاة و الصدقة، فالطائفة الثانية أكثرها في الجهل و النسيان و و احدة منها قد ورد فيها "فَمَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْ‌ءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَتَصَدَّقْ" [11] فإن هذه العبارة قد تحمل على الإضطرار كما يمكن أن تحمل على الجهل و النسيان و إذا كانت من باب الإضطرار ففي الإضطرار كفارة- خلافا للجهل و النسيان- كما لو كان عن إختيار و قد جعل الإمام عليه السّلام الكفارة صدقة، و بناء على ذلك أن هذه الرواية تتعارض مع الطائفة الأولى التي كانت تتحدث عن أن دم الشاة كفارة.
  و لكن يمكن القول إن كلمة "ابْتُلِيَ" مبهمة بل حتى و إن كان فيها ظهور ضعيف لا تقوى على معارضة روايات الطائفة الأولى لأنها أوضح دلالة و أقوى، و قد عمل بها الأصحاب و نحن نفتي بحسب الطائفة الأولى.
  و السؤال: لم أفت السيد الماتن بالإحتياط مع عدم الدليل الواضح عليه؟! غير معلوم لنا ذلك، و أما نحن فيبدو لنا أن الأقوى أن كفارة إستعمال الطيب هو دم شاة!


[1] الكافي/ ج 2. كتاب الإيمان و الكفر. باب خصال المؤمن. ح 4
[2] البقرة (2): 155
[3] قصص (28): 78
[4] قصص (28): 81
[5] أسراء (17): 85
[6] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب بقية كفارات الإحرام. باب 3. ح 1
[7] المصدر/ باب 4. ح 1
[8] المصدر/ ح 2
[9] المصدر/ ح 7
[10] المصدر/ ح 9
[11] المصدر/ ح 6

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo