< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 المحاضرة الأخلاقية
 مازلنا نقتني الروايات الأخلاقية من باب خصال المؤمن من كتاب الكافي:
 "وَصَلَ اللَّهُ‌ طَاعَةَ وَلِيِّ أَمْرِهِ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ صلّى الله عليه و أله و سلّم وَ طَاعَةَ رَسُولِهِ بِطَاعَتِهِ فَمَنْ تَرَكَ طَاعَةَ وُلَاةِ الْأَمْرِ لَمْ يُطِعِ اللَّهَ وَ لَا رَسُولَهُ وَ هُوَ الْإِقْرَارُ بِمَا نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّه" [1]
 قد ورد في الكتاب العزيز: "أَطيعُوا اللَّهَ وَ أَطيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم" [2] و قد ربط الباري سبحانه إطاعة الرسول صلّى الله عليه و أله و سلّم و إطاعة أولي الأمر بإطاعته، و الإمام عليه السّلام في هذه الرواية نظر إلى ما ورد في الأية الكريمة يقول أن عدم الإنصياع إلى ولاة الأمر يؤدي إلى عدم الإنصياع إلى الرسول صلّى الله عليه و أله و سلّم كما أن عدم الإنصياع إلى الرسول صلّى الله عليه و أله و سلّم يؤدي إلى عدم الإنصياع إلى الله سبحانه.
 إن مدلول أولي الأمر واضح في مدرسة أل البيت عليهم السّلام، و أما بالنسبة إلى غيرهم فلا يوجد مدلولا محددا يوضح هذا المعنى، نحن نرى أن مدلول أولي الأمر لم يكن لغير أل البيت الذين أتصفوا بالعصمة، و الطاعة كما في الأية هو الإنصياع المطلق لأن الباري سبحانه وضع إطاعته و إطاعة الرسول صلّى الله عليه و أله و سلّم و ولي الأمر في سياق واحد و هذا يتطلب أن يكون كل من كان في هذا السياق معصوما فالطاعة لغير المعصوم لا تجوز بحال.
 و في غير مدرسة أل البيت قد حملوا أولي الأمر على قادة الجيش و لكن هل يصح أن توضع إطاعة القائد العسكري إلى جانب إطاعة الله و إطاعة رسوله صلّى الله عليه و أله و سلّم؟! خصوصا أن إطاعة الله و رسوله صلّى الله عليه و أله و سلّم فمن كان إلى جانبهما يجب إطاعته على نحو الإطلاق أيضا.
 و هناك محمل أخر تبناه البعض و هو أن أولي الأمر يعني كل من تصدى للحكم و أخذ بزمام الأمور حقا كان أو باطلا و من هنا قد جعلوا يزيدا وليا للأمر، و من هذا المنطلق قد عارض أصحاب الفتوى من الوهابية الوثبات الشعبية التي تشهدها البلدان الإسلامية في الوقت الراهن.
 فإن الثورات التي إندلعت في البلدان الإسلامية تعد حسب هؤلاء تمردا على أولي الأمر فهو حرام. و هذا الموقف الفقهي المشبوه يعرض صورة مشوهة من الإسلام فبناء على هذا الموقف لو سيطر سفاح مثل صدام على مؤسسات الدولة و أباد الناس فالإنصياع إليه يضاهي الإنصياع إلى الله و رسوله صلّى الله عليه و أله و سلّم!
 إن الثورات الشعبية في البلدان الإسلامية كشفت عن أن الجماهير المسلمة لا تعير إهتماما إلى هذا التفسير المشبوه من كلمة أولي الأمر فأماطت الستار بقوة عن زيفه و إنحطاطه.
 و هناك فريق أخر يذهب إلى أنه تجب إطاعة أولي الأمر إلا أن يقوموا بفعلي الإرتداد و منع الصلاة فعند ذاك لا تجب طاعتهم! و هذا يعني أنهم إذا قتلوا الأبرياء و أهدروا الأموال و دنسوا الأعراض و لكنهم لم يرتدوا و لم يمنعوا الصلاة تجب إطاعتهم و الإنصياع إليهم و بذا يضفون الشرعية على نظم مجرمة مثل خلافة بني العباس و خلافة بني أمية!
 و هذا خلافا لما يذهب إليه أتباع أل البيت حيث حصرو أولي الأمر في المعصومين عليهم السّلام الذين هم منزهون عن جميع أشكال الفسوق و الفجور و العصيان فإنهم سفينة النجاة التي من ركبها نجى و من تخلف عنها غرق و هم أحد الثقلين الذين أوصى بهما رسول الله صلّى الله عليه و أله و سلّم فهذا هو سبيل الرشاد فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكن دون ذلك و إلى الله المصير.
 عنوان البحوث الفقهي: إستثناء سوق العطارين
 كان البحث في الطيب و هو الخامس من تروك الإحرام، يقول السيد الماتن في المسألة الثانية عشرة من مسائل الطيب: "يستثنى ما يستشم من العطر في سوق العطارين بين الصفا و المروة، فيجوز ذلك"
 و من هنا لا يجب على المحرم أن يمسك بأنفه في لحظة العبور من سوق العطارين. و لكن في الوقت الراهن لا وجود لهذا السوق فكيف نبرر عنونة هذه المسألة؟! و الجواب لو تمكنا أن نتجاوز هذا السوق إلى الأسواق الأخرى للعطارين تصبح المسألة موضع إبتلاء حينذاك و هو كذلك!
 الأقوال:
 قد تعرض بعض الفقهاء للمسألة و لم يتعرض كثير منهم لها، و من الذين تعرضوا هو الشيخ صاحب كشف الغطاء حيث يقول:
 "و روى: نفي البأس عن الرائحة الطيبة بين الصفا و المروة، و أنّه لا يجب حبس أنفه، و لا يبعد العمل بذلك، و القول بجواز ذلك في كلّ موضع تردّدٍ يُوضع فيه الطيب من المشاعر؛ دفعاً للحرج و الضيق" [3]
 فإن صاحب كشف الغطاء في عبارته هذه قد تعدى موضوع المسألة- أي سوق العطارين في المسعى- إلى كل سوق يجتازه المحرم فلا يجب عليه أن يمسك بأنفه عند ذاك للعسر و الحرج و من هنا يتبين أن الإمساك ليس تعبديّا بل كان لأجل العسر و الحرج و كل ما كان كذلك فيجري فيه الحكم.
 و للعلامة رأي أخر في المسألة فهو يقول:
 "مسألة 234: يكره له الجلوس عند العطّارين، و يمسك على أنفه لو جاز في زقاق العطّارين، و لا يقبض على أنفه من الرائحة الكريهة، لقول الصادق عليه السلام: "و أمسك على أنفك من الريح الطيّبة و لا تمسك من الريح النتنة". و يجوز الجلوس عند الكعبة و هي تجمّر، و به قال الشافعي" [4]
 و الدليل:
 الدليل على الإستثناء هو:
 "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِالرِّيحِ الطَّيِّبَةِ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ مِنْ رِيحِ الْعَطَّارِينَ وَ لَا يُمْسِكُ عَلَى أَنْفِهِ" [5]
 إن الحديث ورد في الكتب الأربعة و هو صحيح سندا، و النهي الذي ورد فيه يدل على الجواز فقط لأن الأمر أو النهي بعد الحظر لا يدلان على الوجوب و الحرمة، غاية ما يفيدان هو الجواز كما ورد في علم الأصول مثل قوله تعالى: "وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا" [6]
 بقي هنا شيء:
 هل أن عدم الإمساك على الأنف من باب التعبد أو من باب أن الإمساك يؤدي إلى العسر و الحرج على المحرم! فرفعا لهما جوز الشارع ذلك؟
 قد يقال أنه من باب التعبد و أن ذلك لمصلحة كان يعرفها الشارع و لا نحيط بها علما!
 و لكن هذا الحمل يبدو أنه بعيد لأن تناسب الحكم و الموضوع عرفا يقتضي أن عدم وجوب الإمساك على الأنف من جهة أنه يؤدي بالمرء إلى العسر و الحرج فإن العرف يرى أن الإمساك بالأنف عند السعي بين الصفا و المروة يؤدي إلى حرج عظيم.
 تأسيسا على ذلك لو كان في ممر الحجيج في مواضع أخرى سوق للعطارين فلا يجب الأخذ بالأنف عند العبور!
 فبناء على ما تقدم تصبح المسألة ذات موضوع و محل إبتلاء و إن لم يكن سوق قائم بين الصفا و المروة للعطارين في الوقت الحاضر!


[1] الكافي/ ج 2. كتاب الإيمان و الكفر. باب خصال المؤمن. ح 3
[2] النساء (4): 59
[3] كشف الغطاء/ ج 4. ص 563
[4] تذكرة الفقهاء/ ج 7 (ط الحديثة). ص 311
[5] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 20. ح 1
[6] المائدة (5): 2

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo