< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

  عنوان البحث: تروك الإحرام إستثناء شم خلوق الكعبة
  كان البحث في المسألة العاشرة، و قد برهنّا على عدم حرمة الأعشاب ذات الروائح الطيبة و الفواكه العطرة للمحرم كما قلنا إننا نحمل الروايات المانعة على الكراهة بقرينة الروايات المجوزة جمعا بين النص و الظاهر!
  و قد إستثنى السيد الماتن أمرين بعد ما أفتى بحرمة كل ما له رائحة طيبة و منها الرياحين، الأول الرياحين الأربعة و الثاني خلوق الكعبة.
  و قد قلنا أنه بالنسبة لمضغ الرياحين الأربعة أنها لا خصوصية لها فالحكم عام لقوله عليه السّلام: "و ما شابهه".
  و الثاني: خلوق الكعبة
  يقول السيد الماتن في ذلك: "و يستثنى من الطيب خلوق الكعبة، و هو مجهول عندنا، فالأحوط الاجتناب من الطيب المستعمل فيها".
  فالسيد الماتن يذهب إلى الإحتياط الإلزامي في التجنب من رائحة خلوق الكعبة و ذلك لجهلنا بمكوناته!
  من ناحية الأقوال فإن إستثناء خلوق الكعبة يمكن أن يكون من المسلمات بين الفقهاء، فيقول صاحب الجواهر في هذا الشأن:
  "قد إستثنى خلوق الكعبة غير واحد [من الفقهاء] بل في المنتهى و محكي الخلاف، الإجماع عليه" [1] .
  و قال النراقي في المستند: "يستثنى من الطيب المحرّم: خلوق الكعبة، بلا خلاف يعرف، بل عن بعضهم الإجماع عليه" [2] .
  و أما الخلوق حكما و موضوعا
  في المرحلة الأولى ندرس حكم الخلوق على ضوء الروايات لكي نستكشف أبعاد الموضوع من خلالها و إن كان الموضوع مقدما حسب الواقع الموضوعي.
  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ خَلُوقِ الْكَعْبَةِ يُصِيبُ ثَوْبَ الْمُحْرِمِ قَالَ لَا بَأْسَ وَ لَا يَغْسِلُهُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ" [3] .
  إن الرواية صحيحة سندا. و أما دلالة فإن الإمام عليه السلام يؤكد على الطهور و كأنه عليه السلام لا يعنيه أمر الطيب المستعمل في الخلوق و قد أصبح هذا الطهور لغزا! و كذلك قد ورد في الرواية أن الزعفران الذي تُطلى الكعبة به طهور! و الطهور لغة يعني الطاهر و المطهِر أو الطاهر فقط، و المراد بالطهور في المقام هو الثاني دون الأول.
  سؤال: ما هو الوجه في تأكيد الإمام عليه السلام على الطهور في الخلوق أو الزعفران الذي تطلى به الكعبة؟
  لعل السبب- و الله العالم- هو أن أصنافا شتى من الناس كانت تصل أيديهم إلى الخلوق و بعضهم ما كان يبالي بالطهارة و النجاسة، خصوصا و إن الخلوق كان في الغالب طيبا للنساء، و لعل ذلك أحدث شبهة في نفوس البعض بأن الخلوق غير طاهر فالإمام عليه السلام دفعا لهذه الشبهة قال أن الخلوق طهور!
  "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ خَلُوقِ الْكَعْبَةِ وَ خَلُوقِ الْقَبْرِ يَكُونُ فِي ثَوْبِ الْإِحْرَامِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِمَا هُمَا طَهُورَانِ" [4] .
  كان الخلوق يطلى به قبر النبي صلى الله عليه و أله و سلّم كما كان تطلى به الكعبة، فالبعض على ضوء هذه الرواية حاول أن يعمم الحكم فيجوّز إستشمام الروائح التي تفوح من خلوق قبر النبي صلى الله عليه و أله و سلّم!
  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سُئِلَ عَنْ خَلُوقِ الْكَعْبَةِ لِلْمُحْرِمِ أَ يُغْسَلُ مِنْهُ الثَّوْبُ قَالَ لَا هُوَ طَهُورٌ ثُمَّ قَالَ إِنَّ بِثَوْبِي مِنْهُ لَطْخاً" [5] .
  الرواية من مراسيل إبن أبي عمير و مراسيله معتبرة كما هو معروف.
  تنبيه: قد إستند الفاضل النراقي في حديثه عن خلوق الكعبة إلى روايتين في هذا الباب تحدثتا عن الزعفران إلا أنه لا صلة لهما ببحث خلوق الكعبة! فإقحامهما في هذا البحث لا وجه له.
  "وَ عَنْهُ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام الْمُحْرِمُ يُصِيبُ ثِيَابَهُ الزَّعْفَرَانُ مِنَ الْكَعْبَةِ قَالَ لَا يَضُرُّهُ وَ لَا يَغْسِلُهُ" [6] .
  فالراوي يسأل الإمام عليه السلام عن أن الزعفران الذي عُبق على الكعبة أيغسل منه الثواب؟ فالإمام عليه السلام يقول لا! و لعل الوجه في السؤال هو أن رائحة الزعفران قد إنتقلت إلى ثوبه فسأل عما لو كان لازما غسله!
  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَمَاعَةَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ ثَوْبَهُ زَعْفَرَانُ الْكَعْبَةِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَ هُوَ طَهُورٌ فَلَا تَتَّقِهِ أَنْ يُصِيبَك‌" [7] .
  و إن قيل أن هذه الروايات التي ورد فيها الطهور تتحدث عن الطهارة و النجاسة فلا علاقة لهما بمانحن بصدده من تعلق ريح الخلوق و الزعفران بثوب المحرم!
  و الجواب: أن هذه الرواية تدل بالإلزام على جواز الخلوق كما أشار الفاضل النراقي في مستنده، فإن الإمام عليه السلام صمت عن بيان حكم الطيب فإذا كان التحرز من الخلوق واجبا كان يلزم أن ينبه عليه! في حين أنه لم ينبه! بل أن في رواية يقول الإمام عليه السلام: أصاب ثوبي شيء منه! فإن الإمام عليه السلام لا يأمر بغسله و هذا يعني بقائه على الملبس و البدن فالطيب و رائحته لا يضران بإحرام المحرم أصلا.
  موضوعة الخلوق
  تحدث الفقهاء و اللغويون عن الخلوق، نذكر هنا جانبا من أحاديثهم:
  يقول الفاضل النراقي في المستند في معنى الخلوق:
  "الخلوق كما قيل طيب خاص" [8] .
  و الطريحي في مجمع البحرين:
  ""الخلوق" هو كرسول على ما قيل: طيب مركب يتخذ من الزعفران و غيره من أنواع الطيب و الغالب عليه الصفرة أو الحمرة" [9] .
  و يقول في الجواهر عن مكونات الخلوق:
  "و هو مركب من الزعفران و غيره من أنواع الطيب مثل القرنفل و القرفد، يدق ناعما و ينخل و يعجن بماء ورد و دهن وردٍ" [10] .
  و عليه أن حقيقة الخلوق مجملة لنا كما كانت للسيد الماتن.
  و هنا سؤال: ما هو الحل في تحديد الموضوع؟
  لتحديد الموضوع معالجتان:
  الأولى: أن إستثناء الخلوق تعبدي فيجب معرفة حقيقته، و بناء على القول بالتعبد نقول: هناك عام و هو الطيب و هناك روايات إستثنت الخلوق منه فخصصته، إذن عندنا عام و هو الطيب قد خصصه مخصص منفصل و هو الخلوق، إلا أن هذا المخصص مجمل! و سيأتي البحث عن ذلك بالتفصيل و ما يجب عمله في هذا الشأن- إن شاء الله- و لكن ما يمكن قوله هنا هو أنه يلزم الإحتياط كما ذهب إليه السيد الماتن.
  الثانية: إن جواز إستعمال الخلوق في الكعبة ليس من باب التعبد بل لنكتة و هي أن الإلتزام بإمساك الأنف أثناء الطواف فيه عسر و حرج، و ربما كان فيه إسائة إلى البيت لأن الأخذ بالأنف يكون من الرائحة النتنة بحسب العادة، و من هذا المنطق لا يجب الإجتناب منه مهما كانت تركيباته. و ذلك كما في المسعى بالنسبة لسوق العطارين!
  و المحصلة:
  وفقا لما قدمناه يجوز إستعمال الطيب من أي نوع كان و لا يقتصر على الخلوق في ذلك، و بناء على ما ذهب إليه السيد الماتن يلزم الإجتناب عن الرائحة التي تفوح من الخلوق إحتياطا.


[1] الجواهر/ ج 18. ص 321، بتصرف.
[2] المستند/ ج 11. ص 375.
[3] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 21. ح 1.
[4] المصدر/ ح 3.
[5] المصدر/ ح 5.
[6] المصدر/ ح 2.
[7] المصدر/ ح 4.
[8] المستند/ ج 11. ص 376.
[9] مجمع البحرين/ ج 5. ص 175.
[10] الجواهر/ ج 18. ص 321، بتصرف.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo