< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: تروك الإحرام الطيب

  قد تحدثنا طويلا عن وجوب ترك الطيب للمحرم و تعرضنا لأمهات المطالب في المقام و بقي أمور لم يتعرض لها الفقهاء إلا القليل منهم و لكن يلزم معالجتها لأنها عامة البولى:

الأول: قد مضى الحديث عن أقسام الطيب و لكن بقي البحث عن طرق إستعماله و قد أتينا في البحث السابق بعبارة جامعة من العلامة عن ذلك حيث تعرض فيها عن مختلف طرق الإستعمال و قد أضفنا نحن إستعمال البخور على ما أفاده. و لكن ما هو الدليل على حرمة ذلك أي طرق الإستعمال؟

الدليل هو:

الأول: الإطلاقات التي ورد فيها مفردة الطيب، فإن هذا الإطلاق يشمل كل إستعمالٍ للطيب و قد ورد في الروايات التالية و هي نموذج من الروايات التي تفيد الإطلاق:

  "وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ صَفْوَانَ وَ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ لَا تَمَسَّ شَيْئاً مِنَ الطِّيبِ وَ لَا مِنَ الدُّهْنِ فِي إِحْرَامِكَ وَ اتَّقِ الطِّيبَ فِي طَعَامِكَ وَ أَمْسِكْ عَلَى أَنْفِكَ مِنَ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ (وَ لَا تُمْسِكْ عَلَيْهِ مِنَ الرَّائِحَةِ الْمُنْتِنَةِ) فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ"[1] .

  الرواية صحيحة سندا و أن قول الإمام عليه السّلام : "أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة"، يعم جميع الإستعمالات في الملبس و في موضع الجلوس و فراش النوم و ما إلى ذلك من إستعمالات.

  ثم يقول الإمام عليه السّلام : "لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة" فذلك يشير إلى منع الإستعمال بأي طريق حدث لأن كلامه مطلق، كما أن قوله: "لا ينبغي"، يفيد وجوب الإجتناب بقرينة الروايات الاخرى.

  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ وَ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ لَا تَمَسَّ شَيْئاً مِنَ الطِّيبِ وَ أَنْتَ مُحْرِمٌ وَ لَا مِنَ الدُّهْنِ وَ أَمْسِكْ عَلَى أَنْفِكَ مِنَ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ وَ لَا تُمْسِكْ عَلَيْهَا مِنَ الرِّيحِ الْمُنْتِنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ اتَّقِ الطِّيبَ فِي زَادِكَ فَمَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْ‌ءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُعِدْ غُسْلَهُ وَ لْيَتَصَدَّقْ بِصَدَقَةٍ بِقَدْرِ مَا صَنَعَ وَ إِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ مِنَ الطِّيبِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الْمِسْكُ وَ الْعَنْبَرُ وَ الْوَرْسُ وَ الزَّعْفَرَانُ غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ الْأَدْهَانُ الطَّيِّبَةُ إِلَّا الْمُضْطَرَّ إِلَى الزَّيْتِ أَوْ شِبْهِهِ يَتَدَاوَى بِهِ"[2] .

  "وَ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ‌ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ إِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ مِنَ الطِّيبِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الْمِسْكُ وَ الْعَنْبَرُ وَ الْوَرْسُ وَ الزَّعْفَرَانُ غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ الْأَدْهَانُ الطَّيِّبَةُ الرِّيحِ"[3] .

  إن الإمام عليه السّلام في هذه الرواية ذكر أربعة أشياء من الطيب و لكن لم يحصر أستعمالها في طريقة معينة. هذا هو الدليل الأول.

الدليل الثاني:

  عندما نستقرء الروايات الواردة في الباب نلحظ أنها تشير إلى مصاديق شتى فمثلا بعضها يحظر إستعمال الطيب في الملبس 4: 18- و بعضها أكل الطيب -2: 18- كما أن بعضها يمنع إستشمام الطيب -1: 18- و بعضها يحظر إستنشاق السعوط -3: 19- و هكذا دواليك.

  عندما نستقرء الروايات جمعاء نخرج بقاعدة عامة و شاملة و هي حرمة إستعمال الطيب مطلقا و ذلك لأن حرمة الإستعمال لا تختص ببعض الموارد دون بعض تعبدا.

و إن شئت قلت: نلقي الخصوصية عرفا و نعمم الحكم أي حكم حرمة الإستعمال على جميع الموارد، هذا مع أن بعض الروايات حرمت التلذذ بالطيب بصورة عامة.

الأمر الثاني: هل أن ما يحرم هو الإستشمام فقط أو أن المحرم هو الإستعمال من دون الإستشمام أو أنه يحرم هذا و ذاك معا أعني الإستشمام إستعمالا؟ و ذلك كما لو عرض له عارض فيتمكن من الشم كالذي يصاب بالزكام مثلا، أو أنه كان فاقدا لحاسة الشم أصلا، فمثل هذا هل يستطيع أن يعطر نفسه و لاسيما إذا كان وحده؟ و أن يأكل ما فيه الطيب؟ أو ليس له شيء من ذلك!

  في الجواب على هذا التسائل نعيد الكرة على الأحاديث التي وردت في المقام لنحدد الموقف من ذلك.

  إن الروايات التي بين أيدينا بعضها عام يحرم الطيب على الإطلاق فيشمل من كان فاقدا لحاسة الشم كما يشمل من لا يقدر على الشم لعارض ما ففي مثل ذلك نأخذ بإطلاق هذه الروايات إلا أن يدعى الإنصراف إلى من كان يتمتع بحاسة الشم و كان صحيحا، هذا على أن الإنصراف يحتاج إلى شاهد!

  و هناك روايات ورد فيها الشم فقط فتقول إذا إجتزت سوق العطارين فخذ بأنفك و كذلك الرواية التي تقول كشف بين يدي الإمام عليه السّلام ما فيه طيب فمسك بأنفه!

و عليه أن الروايات بعضها مطلق يعم الإستشمام و الإستعمال و بعضها يقتصر على الشم فحسب! فكيف الجمع بين الهاتين الطائفتين؟ إن وجه الجمع بينهما هو أن نحرم كلا الأمرين أعني الأستعمال و الإستشمام و يؤيد ذلك أن الطيب زينة و الشارع حرم الزينة. فالأحوط لولا الأولى هو حرمة الجميع حتى على الذي يفقد حاسة الشم.

الأمر الثالث: هل أن الكافور من الطيب؟

  إن الروايات التي وردت في الباب عدت الكافور من أقسام الطيب و لكن عرفنا الراهن لا يعتبر الكافور منه في شيء، و حتى في عصر النبي صلّى الله عليه و أله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام كان الكافور يعد طيب الأموات.

  و الإنصاف أن الكافور ليس من الطيب في شيء و لا يرغب فيه أحد و يوصف كما أنه يوصف بطيب الموتى لأنه يقضي على رائحة الميت النتنة، و لذلك بعض الناس يستعمل الطيب و لكن لا للتطيب بل للقضاء على الرائحة الكريهة التي قد تتصاعد من أجساد الموتى، و لذلك من الصعوبة بمكان أن نتعدى من الأموات في المقام إلى الأحياء فنعمم الحكم.

و بناء على ذلك فلا محل للقول بالأولوية في ترك الكافور للأحياء فكيف بالقول بالحرمة و لا بأس بالأحتياط. و ملخص القول لو أصاب الكافور ثوب المحرم فلا يجب عليه غسله.

[1] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 18. ح 5

[2] المصدر/ ح 8

[3] المصدر/ ح 14

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo