< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/06

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: تروك الإحرام الطيب

  كان البحث في الطيب من تروك الإحرام و سنتابع في هذه المحاضرة ما تبقى من روايات، و قد قلنا أنها تبلغ حد التواتر:

  "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي‌ جَعْفَرٍ عليه السّلام قَالَ مَنْ أَكَلَ زَعْفَرَاناً مُتَعَمِّداً أَوْ طَعَاماً فِيهِ طِيبٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ فَإِنْ كَانَ نَاسِياً فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ وَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ يَتُوبُ إِلَيْهِ"[1]

  هذه الرواية -و هي معتبرة- تشير إلى حكم الزعفران و الطعام الذي فيه طيب فهي تقول عليه دم. و ثبوت الكفارة يدل على أن الفعل حرام.

  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ مَسَّ الطِّيبَ نَاسِياً وَ هُوَ مُحْرِمٌ قَالَ يَغْسِلُ يَدَهُ وَ يُلَبِّي"[2]

  يتبين من هذا الحديث أن الرواي كان عارفا بحرمة الطيب فلا يشك في شيء من ذلك إلا أنه كان يجهل حكمه حال النسيان.

  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام وَضَّأَنِي الْغُلَامُ وَ لَمْ أَعْلَمْ بِدَسْتِشَانَ فِيهِ طِيبٌ فَغَسَلْتُ يَدِي وَ أَنَا مُحْرِمٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِشَيْ‌ءٍ لِذَلِكَ"[3]

  إن الراوي كان يعلم بحرمة التطيب إن كان عن عمد و علم كما في الرواية السابقة و لذلك كان السؤال عما لو إستعمل الطيب ناسيا فهل يحرم أيضا أم لا؟ ثم يقول الإمام عليه السّلام: "تصدق" و هو يشعر بحرمة فعل التطيب.

  إن الروايات في حرمة الطيب للمحرم كثيرة تبلغ حد التواتر، و قد قرأنا عددا منها و بقي الكثير لأنها قد تصل إلى خمسين رواية، و هذا العدد يكفي لتحقق التواتر.

  و في هذا المقام يحسن أن نلقي نظرة عابرة على أقسام التواتر لأنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

التواتر اللفظي التواتر المعنوي التواتر الإجمالي

أما اللفظي: فهو ما لو نُقل مضمون واحد بلفظ واحد من قبل عدد غفير من الرواة مثل رواية حديث الغدير: "من كنت مولاه فهذا علي عليه السّلام مولاه"، و حديث: "أنا مدينة العلم و علي عليه السّلام بابها."

أما المعنوي: فهو ما لو روي مضمون واحد بطرق مختلفة من حيث المنطوق و المفهوم و الدلالة الإلتزامية و منها ما لو كان الرواي قد صاغها من عنده كما في الروايات التي تعرضنا لها في بحثنا.

و أما الإجمالي: و هو ما لو رويت روايات كثيرة نعلم أن واحدة منها قد صدرت عن الإمام عليه السّلام أو أنها تحكي عن الواقع، فمثلا نعلم أن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قد شارك في حروب كثيرة و قد ذكرها التاريخ، فالذي بين أيدينا مضامين مختلفة بروايات مختلفة و لكن من خلالها يحصل لنا اليقين بشجاعة أمير المؤمنين علي عليه السّلام. و كذلك الأمر بالنسبة لعلم علي عليه السّلام ؛ فإنه من مطاوي الروايات نتيقن أن عليا عليه السّلام كان أشجع الأمة و أعلمها طرا.

  و بناء على ما تقدم أن التواتر المعنوي فيما نحن فيه حاصل فالمسألة مسلمة و لا غبار عليها من هذه الناحية إلا أن هناك إشكال و هو:

إن الأسئلة التي وردت في الروايات كانت تختص بالرجال فما هو الدليل على أن إستعمال الطيب حال الإحرام محرم على النساء أيضا؟

و الجواب:

أولا: كانت بين الروايات رواية صريحة تحدثت عن حرمة الطيب للمرأة! و هي الرواية: 7، باب 18 من أبواب تروك الإحرام.

ثانيا: أن كلمة المحرم لا تعني الرجل فحسب بل تعني جنس المكلف فتعم الرجال و النساء على السواء كما في الصوم حيث نقول: يجتنب الصائم من كذا و كذا، أو المصلي إذا شك بين كذا و كذا، فإن لفظ الصائم و المصلي لا يقتصران على الرجال قط.

و ثالثا: أنه هناك قاعدة معروقة و هي قاعدة إشتراك التكليف فإنها تدل على أن الأحكام لا تختص بجنس دون جنس إلا ما خرج بالدليل. هذه القاعدة تعد من المسلمات بين الفريقين.

رابعا: أن فلسفة تروك الإحرام هو التحرز من الملذات و من هنا يجب على المحرم أن لا يستظل و أن لا يمشط رأسه، و في ذلك لا فرق بين المرأة و الرجل و زد على ذلك أن التلذذ من الطيب لعله في المرأة أقوى و من هذه الجهة أشكل إستعمال الطيب للمرأة في غير الحج إذا كان عرضة لإستشمام الأجنبي و ذلك لأنه مظنة الوقوع في المفسدة فكان حظر إستعماله حال الإحرام أولى، في حين أن إستعمال الطيب للرجال في غير الإحرام جائز على كل الحال.

إلى هنا كان الكلام عن حرمة إستعمال الطيب للمحرم، و بقي الكلام في أنه هل تحرم مصاديق خاصة منه أم أنه حرام في كل مصاديقه و بوجه عام؟

الطيب في مصادر اللغة

  الطيب لغة كل ما فيه رائحة طيبة أو كل ذي رائحة عطرة، و تطيب بالطيب: تعطر به، و طاب طيبا: لذّ و حلا و حسن و جاد، و هو المعنى الموسع لكلمة الطيب، و قد وردت هذه الكلمة بمعناها الموسع في الكتاب العزيز، كما في الأية (أعراف: 58) في هذه الأية الخبيث يقابل الطيب، و كذلك في الأية (كهف: 24-26).

  في هذه الأية أيضا الشجرة الخبيثة تقابل الشجرة الطيبة، و قد ورد هذا التقابل في الأية التالية أيضا (نور: 26).

و ما يهمنا في هذا البحث هو المعنى المضيق و هو ذو الرائحة العطرة.

الأقوال:

  إختلفت الفقهاء في المسألة و قد بلغت خمسة أقوال، كان كتاب الحدائق هو الأفضل في جمع أقوال الفقهاء في المقام حيث يقول:

  "إختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في ما يحرم على المحرم من الطيب، فنقل عن الشيخ المفيد، و الصدوق في المقنع و السيد المرتضى، و ابي الصلاح، و سلار، و ابن إدريس: القول بالتعميم لكل طيب، و هو المنقول عن الشيخ في المبسوط و الاقتصاد، حيث قال: و يحرم عليه الطيب على اختلاف أجناسه، و أغلظها خمسة أجناس: المسك و العنبر و الزعفران و العود و الورس. و قال في النهاية: و يحرم من الطيب خاصة المسك و العنبر و الزعفران و الورس و الكافور و العود، فاما ما عدا هذا من الطيب و الرياحين فمكروه. و به قال ابن حمزة. و قال في الخلاف: ما عدا المسك و العنبر و الكافور و الزعفران و الورس و العود عندنا لا تتعلق به كفارة إذا استعمله المحرم و قال في التهذيب: و اما الطيب الذي يجب اجتنابه فأربعة أشياء: المسك و العنبر و الزعفران و الورس، قال: و قد روى: و العود. و عن ابن البراج: انه حرم المسك و الكافور و العنبر و العود و الزعفران. و الى القول‌ بالعموم ذهب المحقق و العلامة و أكثر المتأخرين. و هو المشهور بين الأصحاب."[4]

و ما ورد في الخلاف لعله يريد أن باقي الموارد محرمة و لكن ليس فيها كفارة.

  و العنبر مادة تستحصل من بعض الحيوانات البحرية، و الورس نبت طيب الرائحة يحتوي على مادة صفراء تصبغ بها الثياب.

  و ستاتي تتمة عن الأقوال إن شاء الله.

[1] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب بقية الكفارات. باب 4. ح 1

[2] المصدر/ ح 2

[3] المصدر/ ح 4

[4] الحدائق/ ج 15. ص 413-414

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo