< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/10/28

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: تروك الإحرام- الإستمناء

  مازال البحث في الإستمناء و هو الرابع من تروك الإحرام، و قد قررنا أن نتعرض لكل ما يرتبط بالإستمناء، وصل بنا البحث إلى عقوبة التعزير و دليل هذا الحكم، قلنا أن للمسألة دليلين، الأول منهما كان الدليل العقلي بأن هناك صغرى و كبرى، و الصغرى هي أن الإستمناء من الكبائر. و قد دار البحث في الكتب الفقهية عن ذلك في مباحث الشهادة و صلاة الجماعة، و قد وردت تعبيرات في الرويات تدل على أن الإستمناء من الكبائر كقوله "ذنب عظيم"[1]

  و في مرسلة علاء بن رزين ورد: "هي من الفواحش"[2]

  و في حديث أبي بصير ذكر إلى جانب المنكوح في دبره في قوله:

  "... وَ النَّاكِحُ نَفْسَهُ وَ الْمَنْكُوحُ فِي دُبُرِهِ"[3]

  و في رواية إسحاق بن عمار يقول الإمام عليه السّلام "يَا إِسْحَاقُ الْحَدُّ وَاحِدٌ وَ لَكِنْ زِيدَ هَذَا لِتَضْيِيعِهِ النُّطْفَةَ وَ لِوَضْعِهِ إِيَّاهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ"[4]

  و هذا الملاك موجود في الإستنماء فعلى ضوئه يستحق التعزير و التعزير علامة على أن الإستنماء كبيرة.

  إلى هنا عالجنا الصغرى في القياس.

  و أما الكبرى في أنه لكل كبيرة تعزير قد إستدل على ذلك في باب الحدود بالتفصيل و قد ذكرت الروايات و الأدلة لإثبات ذلك.

و إن قلت: لو كان لكل كبيرة تعزير و هو الجلد- فلم لا يعاقب الكذاب و المغتاب و الراشي و المطفف و الغاش؟ فإن سيرة المسلمين مذ العصر الأول إلى يوم الناس هذا جرت على عدم تعزير هولاء.

و الجواب: قد وقع إلتباس في القضية لأن البعض ظن أن التعزير ينحصر في الجلد مع أن الأمر ليس كذلك، و قد ذكرنا في بحثنا عن التعزير شواهد و قرائن تدل على أن التعزير بمعنى المنع، و المنع يتمثل في أمور مختلفة و أقلها أن يُنصح الشخص للكف عن فعل القبيح و الأكثر من ذلك هو توبيخه، ثم إستعمال العنف ثم المقاطعة، و قد يكون التعزير غرامة مالية أو نصب يافطة على المتجر تدل على معاقبتة لإرتكابه مخالفة، كل ذلك من باب التعزير.

  بل يمكن القول أن التعزير من مراتب النهي عن المنكر لأن النهي عن المنكر ذو مراتب الأولى منها النهي اللساني و هو وظيفة عامة للجميع و النهي العملي هو من مهام الدولة الإسلامية.

و بذلك تمكنا أن نبرهن على الصغرى و الكبرى و نتيجة المقدمتين هو لزوم التعزير لمن عبث بذكره.

الدليل الثاني على لزوم التعزير:

  هناك روايتان عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و إن كان في سندهما ضعف إلا أنه قد عمل بهما الأصحاب:

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السّلام أُتِيَ بِرَجُلٍ عَبِثَ بِذَكَرِهِ فَضَرَبَ يَدَهُ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ زَوَّجَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ"[5]

  لم يذكر الإنزال في الرواية إلّا أنها منصرفة إليه لأن العبث في نفسه لا يستدعي عقوبة التعزير. أو نقول أن القدر المتيقن من الإطلاق هو الإنزال و مع وجود القدر المتيقن لا يمكن الأخذ بالإطلاق حينئذ.

  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السّلام قَالَ إِنَّ عَلِيّاً عليه السّلام أُتِيَ بِرَجُلٍ عَبِثَ بِذَكَرِهِ حَتَّى أَنْزَلَ فَضَرَبَ يَدَهُ حَتَّى احْمَرَّتْ قَالَ وَ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ وَ زَوَّجَهُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ"[6]

  قد وقع أبو جميلة في سند الرواية و هو مشترك بين عدد من الرواة و لم يوثق أحد منهم هذا سندا، و أما متنا، قد ورد في متن الراوية: "حتى أنزل" و هو يصلح لأن يكون قرينة على أن المراد من "من عبث بذكره" في الرواية السابقة هو العبث المؤدي إلى الإنزال.

  و قد أسلفنا أن الأصحاب قد عملوا بهاتين الروايتين فهما حجة و بهما تثبت دعوى لزوم التعزير على من إستمنى.

بقي هنا شيء:

  ما هو الحل لمعالجة هذه المشكلة وما هو الطريق للوقاية عن إرتكاب هذه الموبقة؟

  إن معالجة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بتزويج الأثم من بيت المال يحمل في طيّاته دلالات عميقة، إن الإمام عليه السّلام إستعمل طريقة الوقاية لكي لا يعود الشخص لمثل ذلك الفعل إلا أن طرق الوقاية لا تقتصر على ما قام به الإمام عليه السّلام لأن في معالجة كل ظاهرة مرضية طريقين:

الطب العلاجي الطب الوقائي

  و الطريق الثاني أقل كلفة و أبقى أثرا و أما الطريق الأول لم يسلم من المردودات السلبية.

  علما بأن الوقاية أسلوب عام لم يختص بالطب بل يستخدم في جميع مرافق الحياة من إقتصادية و سياسية و إجتماعية ففي جميع هذه الميادين، الوقاية أنجع من العلاج.

  و فد ذكرنا في كتابنا: "ما يهم الشباب" عشر طرق للوقاية منها الزواج لأنه في وقتنا الراهن تحوّل الزواج إلى معضلة إجتماعية و ذلك لأن سن الزواج قد إرتفع بسب الدراسة و هو يستتبع أن تقوم علاقات غير مشروعة بين الشباب و الشابات.

  و منها إرتفاع مستوى التوقعات عند الفتيات و الفتية معا، منها أن يكون الأب ثريا، و أن يكون له دخل مكفي و بيت و سيارة و غيرها من الأثاث و اللوازم، فإن هذه توقعات تدور في خلد شباب اليوم.

  و منها إزدياد التشريفات و التزيينات الإضافية و المنافسات الغير مبررة و لذلك إرتفعت المهور و جهاز العروس و المبالغة في المشتريات قبيل العقد و أمثال ذلك.

  و منها تفشي ظاهرة سوء الظن! لأن العشرة اللامشروعة بين الشباب و الشابات إتسعت مما أدى إلى عدم الثقة بينهم. و من أسباب سوء الظن هو الإصرار على تزوج الفتاة زواجا منقطعا من دون إذن والدها لأن الذي يتزوج مثل هذه الفتاة زواجا دائما يشك في أنها هل لها علاقات باللذين تزوجوها سابقا أم لا؟

لمعالجة هذه الظاهرة يلزم أن ندعو الناس إلى العيش البسيط و أن نفهمهم بأن الزواج أمر طبيعي- رباني فيجب أن نجرده من التشريفات الإضافية، فينبغي أن نتخذ من زواج فاطمة من علي قدوة حيث تم بأقل كلفة و بأيسر السبل!

  الطريق الثاني للوقاية هو إجتناب أسباب التهييج الجنسي، فإن مشاهدة الأفلام الخلاعية و ما تبثه الفضائيات و ما ينتشر من طريق الإنترنت و ما يقرء في الروايات الأدبية و كذلك النظرات الأثمة للنساء، كل ذلك يؤدي إلى أن لا يتمكن الشاب أن يقي نفسه، فمثلا عندما يتفشى الوباء في بيئة فيتلوث الماء و الغذاء فكيف يستطيع المرء أن يحمي نفسه من هذه الوباء المحدق؟! حتى الملابس الضيقة اللاصقة على البدن من عوامل التهييج الجنسي، إن الشاب الذي يلبس هذه الملابس زائدا على المنع من نمو بدنه، يؤدي إلى أن لا يتمكن البدن من التنفس!

  و سيأتي البحث عن الأسباب الأخرى للوقاية في الأيام المقبلة إن شاء الله.

[1] الوسائل/ ج 20 (ط الحديثة). أبواب نكاح البهائم. باب 3. ح 4

[2] المصدر/ ج أبواب النكاح. باب 28. ح 5

[3] المصدر/ ح 7

[4] المصدر/ ح 4

[5] المصدر/ ح 3

[6] المصدر/ ج 28 (ط الحديثة). أبواب نكاح البهائم. باب 3. ح 2

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo