< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/10/20

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: التروك- حكم الإستمناء

  في مقام البحث عن تروك الإحرام قررنا أن نبحث مسألة الإستمناء على وجه التفصيل.

  عند الإستدلال بالروايات عن حرمة الإستمناء قلنا أن هناك روايتين معارضتين و قد قلنا أن السند في كلتا الروايتين ضعيف على أنه يمكن تصحيح أحداهما و هي الرواية 3 حيث السند كما يلي:

  "وَ عَنْهُ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ وَ حُسَيْنِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ يَعْبَثُ بِيَدَيْهِ حَتَّى يُنْزِلَ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ ذَاكَ شَيْئاً"[1]

  و قد قلنا أن حسين بن زرارة لم يوثق و لكن قد ذُكر إلى جانبه ثعلبة بن ميمون و هو من الأعاظم و الوجهاء و قد وُثّق في المصادر الرجالية و بذلك يرتفع الضعف عن سند هذه الرواية فتصبح موثقة.

  بعد هذه المعالجة نعود إلى طرق الجمع لرفع التعارض بين الروايات.

ما هي طرق الجمع؟

  في أولى خطوات رفع التعارض نلجأ إلى الجمع الدلالي لأن به يزول التعارض من الأساس و لذلك يقدم على الأخذ بالمرجحات التي تقرّ بقاء التعارض. فلندرس طرق الجمع الدلالي واحدة تلو الأخرى:

الأول: أن نحمل الروايتين على التقية, و ذلك لأن التقية تستعمل تارة مرجحا لتقديم أحد طرفي التعارض على الأخر, و أخرى تأخذ وسيلة للجمع الدلالي فيقال: بما أنّ جمهور فقهاء القوم قد قالوا بالجواز فالإمام عليه السلام أيضا أفتى بحسب ما هو السائد بينهم تقية.

و لكن يلاحظ عليه: أن هذا الجمع لم يكن جمعا ناجعا لأن أكثر فقهاء القوم أفتوا بالحرمة.

الثاني: الحمل على الإستفهام الإستنكاري, ففي قوله عليه السلام : "لا بأس به؟" أن الإمام عليه السلام إستفهم مستنكرا كما لو قال الإمام عليه السلام : أليس هذا الفعل معيبا؟

و يلاحظ عليه: أنه خلاف الظاهر و لا شاهد عليه.

الثالث: يحمل على نفي الحد دون التعزير فيقال أن الإمام عليه السلام بقوله: "لا شيء عليه" لينفي بذلك الحد دون التعزير لأن التعزير باق على حاله!

يلاحظ عليه: أنّ هذا الجمع أيضا مرفوض لأنه لا شاهد عليه كسابقه!

الرابع: أن نحمل الروايتن على الجاهل بحرمة الإستمناء.

و يلاحظ عليه أيضا: أن هذا الجمع تبرعي و ليس بعرفي لأنه لم تقم قرينة عليه مع أنه أحسن حالا مما سبقه من محامل.

الخامس: أن تحمل الروايتان على إرادة الدلك من دون قصد الإنزال, كما لو أراد الإستبراء و حصل الإنزال صدفة, أو نفترض أنّه ما كان يظن أن الأمر ينتهي به إلى الإنزال, و ذلك كما في الصوم في شهر رمضان حيث إنّه قد يكون واثقا من نفسه بأن لا يحصل منه الإنزال فيلاعب أهله و في الأثناء يخرج المني ففي هذه الحال لم يبطل صومه.

يبدو أن هذا الجمع ليس ببعيد, و لو رجعنا إلى العرف لوجدنا أنه لا يرجح هاتين الروايتين على السابقتين التين قالتا بالمنع, و من هنا نقول أن العرف يحمل روايتي الجواز على الجاهل بالموضوع.

و لو لم نقبل هذا الجمع فلنلجأ حينذاك إلى مرجحات باب التعارض ثم التخيير.

أول المرجحات هو الشهرة حيث يقول الإمام عليه السلام : "خذ بما إشتهر بين إصحابك و دع الشاذ النادر" و الشهرة هنا هي الشهرة الفتوائية و قد سبق منا أنه قد قامت الشهرة بل الإجماع على الحرمة, و لذلك نضع رواية ثعلبة جانبا؛ و أما الرواية الثانية فقد كانت ضعيفة السند فليست ذا بال.

و من المرجحات موافقة الكتاب, و روايات التحريم موافقة له.

  هذا كله على فرض أن تكون رواية ثعلبة حجة مع أنها ليست بحجة لإعراض المشهور عنها فلا تصل النوبة إلى التعارض حتى نتحدث عن المرجحات.

و الرابع: هو حكم العقل

  الدليل الأخر على حرمة الإستمناء هو دليل العقل لأن العقل يحكم بقبح الإضرار بالنفس -حتى الضرر المحتمل- على قول مع أن ما نحن فيه ضرره قطعي, و قاعدة لا ضرر قبل أن تكون قاعدة شرعية فهي قاعدة عقلية.

  إن الضرر الحاصل من الإستمناء ضرر محقق لأنه سرعان ما يتبدل إلى عادة راسخة لأن أسباب الفعل متوفرة لدى الفاعل و أحيانا يصبح بدرجة من السهولة بحيث يحصل الإنزال بمشاهدة فيلم أو بالنظر إلى إمراة أو بالإنصات إلى صوة جميل بل حتى بالتفكير, و بذلك يتحول هذا السلوك السيّء إلى عادة سيئة. و ذلك خلافا للجماع حيث يتطلب ظروفا موضوعية, زمانية و مكانية لكي يتحقق.

إن قلت: لم لا تستندون إلى ما قاله بعض الأطباء من إن ذلك الفعل لو كان بفواصل متباعدة لم يُحدث ضررا, فلم لا تقولون بالتفصيل بين ما إذا وقع الفعل في فواصل متباعدة لا يضر فلا يحرم و بين ما إذا كان في فواصل متقاربة فيضر و يحرم؟

قلنا: إن الجعل في الأحكام الشرعية و كذلك عند العرف لم يتّبع الحالات الإستثنائية بل ينظر إلى الحالات العامة للمكلفين كما هو الحال في الخمر حيث إن ضرره فادح لأنه يزيل العقل و يترك أثاره حتى على النطفة فحُرّم لذلك. فلو أراد أحد أن يتناول قطرات منه فليس لهذه القطرات ضررٌ يعتدّ به على الإنسان و مع ذلك قد حرّمه الشرع! كذلك الأمر فيما نحن بصدده فإنه لو جوزنا الإستمناء في فواصل متباعدة فإن ذلك يؤدي إلى طمس الحكم و إهداره لأن بعد فترة يتحول الفعل إلى عادة يصعُب التحكم بها فتترتب الأثار الضارة عليها.

  و هكذا الأمر في الربا حيث يستتبع إضرارا كثيرة و قد ذكرنا في كتابنا عن الربا ستة مفاسد له, و كذلك في تعاطي المخدرات.

  ينبغي التنبيه على أن البعض يحاول أن يختلق ضرورات لا أساس لها بالمرة فمثلا لو قال إني لو لم أستعمل الحالة السرّيّة أكون عرضة للزنا! فإن هذه ضرورات كاذبة لا ينبغي الإلتفات إليها, أجل قد تكون ضرورات عقلائية كالحاجة إلى النطفة للتحليل في المختبرات لمعالجة مرض عضال و لم يبق أمامه إلا إستعمال الحالة السرية فهذا أمر أخر, و قد بحثنا هذه ألقضية في كتابنا "ما يهم الشباب" و سنواصل البحث في هذا الشأن غدا إن شاء الله.

[1] المصدر/ ج 28. أبواب نكاح البهائم. باب 3. ح 3

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo