< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

محاضرة أخلاقية:

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ‌ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَجَّالِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ وَ ثَعْلَبَةَ وَ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ بَعْضِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ أَحَدِهِمَا عليه السلام قَالَ الِانْقِبَاضُ مِنَ النَّاسِ مَكْسَبَةٌ لِلْعَدَاوَةِ".[1]

  الحديث عن الباقر أو الصادق عليهما السلام و سبب الشك هو أن بعض الرواة كانوا من أصحاب كلا الإمامين عليهما السلام و لم يتذكر أحدهم أنه نقل من الإمام الباقر أو الصادق عليهما السلام، و على أية حال إن معنى الحديث هو أن إنقباض الوجه أمام الناس يولد العادة، و بالمفهوم يدل ان إنبساط الوجه ينتج المحبة و الوداد.

  الكل يعلم أن مقطوب الوجه وحيد و يكثر أعدائه فالذي يمر به يظن به ظنونا يمكن أن تؤدي إلى العادة و البغضاء. خلافا لبشوش الوجه الذي ترتسم إبتسامه على شفتيه فإنه يجلب الناس و يجعله محبوبا.

  إن الدين الإسلامي يقوم على المحبة و الوداد و الذين يحاولون أن يعرضوا تصويرا دمويا و عدائيا من الإسلام فإنهم بعيدون كل البعد عن الإسلام الصحيح الواقعي. إن الإسلام هو ذلك الدين الذي نكرر في صلاته كل يوم كلمتين الرحمن الرحيم في كل يوم لعدة مرات، كما ان كتابه العزيز يوصي نبيه: "و إن أحد من المشركين إستجارك فإجره حتى يسمع كلام الله ثم إبلغه مأمنه"[2] فإن الدين الذي يأمن حتى المشركين هل يصح أن يجيز قتل هذا الكم الهائل من المسلمين الأبرياء؟

  ما تجدر الإشاره إليه هو أن صاحب الوسائل قد عنون الباب بـ "باب كراهة الإنقباض من الناس" إلا أن إنقباض الوجه قد يؤدي إلى كسر قلب المؤمن أو إلى العداوة و الصدام فيصبح محرما من باب المقدمة المحرمة.

  و مع ذلك قد يصبح التقطيب و الإنقباض واجبا من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لأن في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ثلاث مراحل كما في الروايات. من أتى الأمر بالمعروف بالقلوب و بالألسن و بالأيدي و إن كانت المعالجة العملية من مهام السلطة فلا يحق لأحد أن يعالج الظاهرة ميدانيا، فما يندرج في دائرة الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر هو المعالجة بالقلب و اللسان، أعني أن يتبرأ في قلبه من المنكر حتى يظهر الإنكار في تقاسيم وجهه، و في مرحلة تالية يوظف لسانه للردع عن المنكر و قد صورت الرواية المراحل الثلاثة من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كما يلي:

البحوث الفقهي: حكم كفارةالعقد للمحرم

  وصل بنا البحث إلى المسألة الثامنة من مسائل تروك الإحرام. يقول السيد الماتن: "لو عقد لمحرم فدخل بها فمع علمهم بالحكم فعلى كل واحد منهم كفارة، و هي بدنة، و لو لم يدخل بها فلا كفارة على واحد منهم و لا فرق فيما ذكر بين كون العاقد و المرأة محلين أو محرمين، و لو علم بعضهم الحكم دون بعض يكفر العالم عن نفسه دون الجاهل".

  البحث في هذه المسألة عمن عقد لمحرم و بعد ذلك واقع الزوج زوجته فمع علم الجميع بالحرمة تثبت الكفارة لهم أي للعاقد و الزوج و الزوجة هذا إذا حصل الدخول و لو لم يحصل الدخول فلا شيء على واحد منهم. ثم يقول السيد الماتن: لا فرق في هذا الحكم أن يكون العاقد و المرأة محلان أو حرمان فالشرط في نفوذ الحكم و العلم و الدخول فلو فقد أحد هذين العنصرين فلا كفارة.

  ثم قال: لو علم بعضهم و جهل بعض آخر فلا ينفذ الحكم إلا من علم.

الأقوال:

  إن المسألة إلى حد ما إجماعية و هو إذا ما كان العاقد و الزوج محرمان فتجب الكفارة عليهما و أما إذا كان العاقد و الزوجة محلان فوقع الإختلاف بينهم حتى أن البعض قال بعدم الكفارة في حال الإحرام!

  إن المحقق في الشرائع تابع المسألة بدقة أكثر، يقول صاحب الجواهر حول ما ورد في الشرائع:

  "و إذا عقد المحرم لمحرم على امرأة و دخل بها المحرم فعلى كل واحد منهما كفارة بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه غير واحد الى قطع الأصحاب به مشعرا بدعوى الإجماع، بل عن ابن زهرة دعواه عليه صريحا".[3]

  ثم ذهب المحقق إلى أنه على العاقد غير المحرم كفارة أيضا وفقا لرواية سماعة.

  و صاحب الرياض يقول:

  "و لو عقد محرم لمحرم علىٰ امرأة و دخل بها فعلى كل واحد منهما كفارة بدنة فيما قطع به الأصحاب من غير خلاف، و في المدارك: إن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه".[4]

  واضح أن الإجماع قام على لزوم الكفارة على العاقد و الزوج لو كانا محرميا! كما في الشرائع و الرياض ثم إن السيد صاحب المدارك الذي إدعى الإجماع في المسألة قال أن الزوجة و العاقد لو لم يكونا محرمين ففي ثبوت الكفارة عليهما إشكال و قد قال صحاب المسالك بذلك أيضا.

  إن سبب التضارب في اللآراء هو حديث سماعة، حيث يقول:

  "وَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ الْحَلَالِ أَنْ يُزَوِّجَ مُحْرِماً وَ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ قُلْتُ فَإِنْ فَعَلَ فَدَخَلَ بِهَا الْمُحْرِمُ فَقَالَ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةً وَ عَلَى الْمَرْأَةِ إِنْ كَانَتْ مُحْرِمَةً بَدَنَةٌ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْرِمَةً فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ الَّذِي تَزَوَّجَهَا مُحْرِمٌ فَإِنْ كَانَتْ عَلِمَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَتْهُ فَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ".[5]

  لا بأس بسند الرواية و سماعة و إن كان واقفيا إلا أنه ثقة و معتمد و قد أخذ الفقهاء برواياته.

و دلالة: فإن ذيل الرواية يدل على الحرمة و إن تصدرت بقوله: "لا ينبغي".

  قد أفتى السيد الماتن وفق هذه الرواية إلا أن السيد صاحب المدارك و غيره من الأعلام لم يأخذ بها فلجأ إلى القاعدة فقال إن كان العاقد و الزوجة محرمان فيجري في حقهما الحكم و إلا فلا مبرء لجريان الحكم عليهما.

  على أية حال: هنا تساؤل لم تثبت الكفارة في حقهما عندما لا يكونا محرمين هذا أول آخر موضع يقال فيه ذلك. و صاحب المدارك يقول يجب طرح الرواية لأنها مخالفة للقواعد، كما أنه يطرح الرواية بحجة أن سماعة واقفي. ستأتي تتمة البحث.

[1] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب آداب العشرة. باب كراهة الإنقباض من الناس. ح 1.

[2] التوبة (9): 6.

[3] الجواهر/ ج 20. ص 378.

[4] الرياض/ ج 7 (ط الحديثة). ص 416.

[5] الوسائل/ ج 12(ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 14. ح 10.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo