< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/06/25

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: تتمة الكلام في حق الله و حق الناس، و حكم الخطبة و الطلاق الرجعي للمحرم

  مر البحث فيما إذا دار الأمر بين المحذورين قلنا لابد في معالجة ذلك من اللجوء إلى قاعدة الأهم و المهم، في هذا البحث نريد أن نتوسع أكثر لإيضاح هذه القاعدة و بيان مصاديقها.

  عند تنافي الواجبين أو المحرمين تارة يكون المتعلق في كليهما هو حق الله مثل تطهير المسجد و إتيان الصلاة حيث أن القيام بكل واحد منهما يؤدي إلى التخلف عن إتيان الآخر، في هذه الحال يقدم تطهير المسجد لأن وقت إتيان الصلاة موسع و إذا كان مضيقا تقدم الصلاة لأهميتها كما هو واضح من الآيات و الروايات.

  و تارة يكون متعلق المتنافيين هو حق الناس كما لو دار الأمر بين حياة الجنين و حياة أمه فيقدم حق حياة الأم على حق بقاء الجنين لأن الجنين لم تكتمل خلقته في حين أن الأم تامة الخلقة، و من أنه لو قتل الجنين عمدا فلا يقتص له و له الدية خلافا للإنسان التام الخلقة فلو قتل عمدا يقتص له.

  و هناك مثال آخر و هو موضع إبتلاء نقصد ما لو مات الشخص موتا سريريا و تيقنّا أنه لا يتماثل إلى الشفاء و في الوقت نفسه كان هناك مريض بحاجة إلى أعضاء هذا المريض يقينا بحيث تتوقف حياته على وصل الإعضاء هذه فهنا نقول أن إنقاذ أنسان مسلم من الموت يقدم على الحياة النباتية لفرد توافيه المنية بعد أيام قلائل.

و مثال آخر: لو أحتاج الناس إلى بضاعة قد إحتكرها محتكر و منع الناس منها، فهنا يتعارض حقان: حق الناس في سد حاجتهم، و حق المحتكر في ماله حيث يتصرف به كيف ما شاء، في هذه الحال يقدم حق الناس على حق المحتكر وفقا للروايات فتعرض بضاعته للبيع لمن شاء أن يشتري. هذا كله في تنافي حقوق الناس فيما بينها.

  و أما إذا كان التنافي بين حق الله و حق الناس فيقدم حق الناس في الغالب و قد يقدم حق الله لأهميته، مثلا الجهاد حق لله و لكن لإستيفاء هذا الحق يجب أن نعبر أرض الناس المزروعة من غير حق لو كان الطريق منحصرا في ذلك، ففي هذه الحال يقدم حق الله على حق الناس و لكن هذا لا يعني إسقاط حق صاحب الأرض في مطالبة إجارة التصرف في أرضه.

  و الأهم من ذلك لو تترّس العدو بأطفال المسلمين و نسائهم فإتخذ منهم دروعا بشرية فعندما يستهدف العدو جيش المسلمين من ورائهم في حين يتترس بنسائهم و أطفالهم من أمامهم من دون وجود مخرج للتخلص من هذا المأزق إلا إستهداف هؤلاء الأطفال و النساء فيجوز في هذه الصورة إستهدافهم. يقول صاحب الجواهر في ذلك: [1]

  لو أمكن أن لا يستهدف هؤلاء المسلمين فلا يجوز إستهدافهم و لكن لو كان لابد من ذلك كما لو دار الأمر يبن هزيمة الجيش الإسلامي و إستيلاء العدو على البلاد الإسلامية و بين ضرب الأسرى المتترس بهم فحينئذ يجوز ضربهم و يعدون حالئذ شهداء قتلوا بيد مسلمة.

و لكن هنا سؤال: من أين نعرف الأهم من المهم؟

و الجواب: تارة من كلام الشارع حيث إنه إهتم إهتماما خاصا بالصلاة مثلا.

و أخرى: من حكم العقل حيث أن العقل يحكم بتقديم حق حياة الأم مثلا على حق حياة الجنين.

و ثالثة: من مذاق الشارع.

  فبهذه الطرق الثلاثة نتمكن من إستكشاف الأهم و المهم. و لو لم نوفق للتمييز بينهما فالحكم هو التخيير.

خِطبة المحرم:

  كان البحث في خطبة النكاح حال الإحرام، قد مر أن الفقهاء ذهبوا إلى الكراهة و إبن الجنيد من بينهم قال بالحرمة.

الأدلة:

  هناك روايات قد يستدل بها على الحرمة:

  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَ لَا يُنْكِحُ وَ لَا يَشْهَدُ فَإِنْ نَكَحَ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ. وَ رَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ وَ زَادَ وَ لَا يَخْطُبُ".[2]

  الشاهد في هذه الرواية ما أورده الكليني بالسند المرسل و هو قوله عليه السلام : "و لا يخطب".

  إذن الرواية مرسلة و لا شهرة تجبر ضعف السند لكي نحكم بالحرمة بحسب ما يقتضيه ظاهر الرواية.

  و في سنن البيهقي:

  "قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لا يَنكح المحرم و لا يُنكح و لا يشهد و لا يخطب".[3]

  هذا الحديث ورد من طرق الجمهور و هو ظاهر في الحرمة على أن إبن قدامة في المغني قد فهم منه الكراهة دون الحرمة.

  و قد قيل أن الرواية التالية بمفهومها تدل على المدّعى:

  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ صَفْوَانَ وَ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي رَجُلٍ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَ هُوَ مُحْرِمٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فَقَضَى أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا وَ لَمْ يَجْعَلْ نِكَاحَهُ شَيْئاً حَتَّى يَحِلَّ فَإِذَا أَحَلَّ خَطَبَهَا إِنْ شَاءَ وَ إِنْ شَاءَ أَهْلُهَا زَوَّجُوهُ وَ إِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهُ".[4]

  إن الإمام عليه السلام في ذيل الحديث يقول: "فإذا أحل خطبها إن شاء و إن شاء أهلها زوجوه و أن شاؤوا لم يزوجوه" و عليه إذا كان محلا تجوز الخطبة.

  و بما أن المفهوم هنا هو مفهوم الشرط فيعني أنه قبل الإحلال تحرم عليه الخطبة.

  و لكن المفهوم هنا لا يصح لأنه لم تذكر الخطبة بمفردها و إنما ذكرت مع الزواج فالمعنى أن هذه الرّزمة المنطوية على الخطبة و الزواج لا تجوز حال الإحرام لا أن كل جزء بمفرده يحرم حال الإحرام فلا تدل الرواية على حرمة الخطبة مفهوما.

و زبدة القول:

إن هذه الراويات ضعيفة سندا أو دلالة فلا تدل على المطلوب، إلا على القول بالتسامح في أدلة السنن فحينئذ تقتضي الكراهة كما أفتى البعض بذلك.

و لكن يلاحظ عليه:

  القول بالكراهة يصح على الأخذ بقاعدة التسامح في أدلة السنن و أما على ما نذهب إليه لا يمكن ذلك لأنه لابد من دليل سواء في الوجوب و الحرمة و الإستحباب و الكراهة و من دون ذلك لا يثبت حكم أصلا.

  و أما الدليل العقلي الذي مر ذكره بحيث شبهت الخطبة بعمل الصرف فقال إن الصرف مكروه لأنه قد يؤدي إلى الربا فالخطبة أيضا تكره لأنها قد تؤدي إلى الزواج الذي لا يجوز على المحرم.

فيرد عليه:

  إن ذلك إشبه بالقياس الظني و الإستحسان فلا يمكن الأخذ به و لذلك لا نفتي بحرمة الخطبة و كراهتها حال الإحرام. و السيد الماتن قد أنتبه لذلك حيث قال بالجواز و الإحتياط المستحب فإن ذلك أوفق بالموازين الفقهية و المباني الشرعية.

  و أما الفرع الثاني من المسألة السادسة حيث يقول السيد الماتن:

  "و يجوز الرجوع في الطلاق الرجعي"

  لو طلق الرجل زوجته حال الإحرام أو قبل ذلك رجعيا فهل يتمكن أن يرجعها حال الإحرام أم لا؟ و كذلك في الطلاقين البائن و الخلعي، و قد تعرض لهما الفقهاء و إن لم يتعرض لها السيد الماتن.

و قد يتبدل الطلاق البائن إلى رجعي و ذلك عندما تطالب المرأة في العدة المهر الذي دفعته أو بعضه ثم تقبضه، عند ذلك يتبدل الطلاق الخلعي الذي كان بائنا إلى طلاق رجعي فعندئذ يتمكن الزوج من الرجوع مادامت العدة. و من هنا قد يقال أن ما أفاده السيد الماتن يشمل الطلاق الخلعي الذي رجعت الزوجة فيه بمهرها.

  يجب القول إن الرجوع إنما يتحقق لو كان بقصد النكاح و إلا لا يعد رجوعا حتى إذا واقعها و كانت المواقعة بقصد الزنا مثلا.

[1] الجواهر/ ج 21. ص 68.

[2] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 14. ح 7.

[3] سنن البيهقي/ ج 5. ص 65.

[4] الوسائل/ ج 12 (ط الحديثة). أبواب تروك الإحرام. باب 15. ح 3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo