< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/06/13

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: كفارة المطاوعة و الإكراه في المواقعة

  مازال البحث في المسألة الرابعة، قلنا في مواقعة المحرم للمحرمة صورتان فتارة تكون الزوجة مكرهة فلا شيء عليها و كفارتها على الزوج و هي بدنة و إن كانت مطاوعة فعلى الزوجة ما على الزوج من الأحكام الخمسة التي مر ذكرها.

  و قد قلنا فيما سبق أنه لا خلاف بين الفقهاء في المسألة بل أدعي الإجماع عليها.

  ثم وصل البحث إلى الروايات و هي أصناف فصنف يتحدث عن الإكراه و آخر عن المطاوعة و ثالث عن المطاوعة و الإكراه معا. فلنتابع ما تبقى من الروايات:

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ‌ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ وَ هُمَا مُحْرِمَانِ مَا عَلَيْهِمَا فَقَالَ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ أَعَانَتْ بِشَهْوَةٍ مَعَ شَهْوَةِ الرَّجُلِ فَعَلَيْهِمَا الْهَدْيُ جَمِيعاً وَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْرُغَا مِنَ الْمَنَاسِكِ وَ حَتَّى يَرْجِعَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَا فِيهِ مَا أَصَابَا وَ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ تُعِنْ بِشَهْوَةٍ وَ اسْتَكْرَهَهَا صَاحِبُهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْ‌ءٌ". [1]

  لم تتحدث الرواية عن أن كفارة الزوجة على الزوج حال كونها مكرهة على المواقعة.

  "وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ مُحْرِمٍ وَاقَعَ أَهْلَهُ قَالَ قَدْ أَتَى عَظِيماً قُلْتُ أَفْتِنِي فَقَالَ اسْتَكْرَهَهَا أَوْ لَمْ يَسْتَكْرِهْهَا قُلْتُ أَفْتِنِي فِيهِمَا جَمِيعاً قَالَ إِنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ بَدَنَتَانِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنِ اسْتَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَ عَلَيْهَا بَدَنَةٌ وَ يَفْتَرِقَانِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ مَا كَانَ حَتَّى يَنْتَهِيَا إِلَى مَكَّةَ وَ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ قُلْتُ فَإِذَا انْتَهَيَا إِلَى مَكَّةَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ فَقَالَ نَعَمْ هِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا هِيَ فَإِذَا انْتَهَيَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ مِنْهُمَا مَا كَانَ افْتَرَقَا حَتَّى يُحِلَّا فَإِذَا أَحَلَّا فَقَدِ انْقَضَى عَنْهُمَا فَإِنَّ أَبِي كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ". [2]

  تحدثت هذه الرواية في ذيلها عن الخصال الثلاث في كفارة شهر رمضان، و لا صلة للذيل ببحثنا.

ملخص القول:

تلخص مما ذكرنا أن المسألة إجماعية و الأدلة تامة، نعم كانت رواية معارضة بناء على نسخة المحقق النراقي من التهذيب و قلنا أنها نسخة مغلوطة فلا تعارض الروايات الأخرى. و ينبغي التنبيه على أن الكفارة ليست من نفقة الزوجة فإذا ما كانت عليها كفارة فمن مالها.

مسألة 5:

  "كل ما يوجب الكفارة لو وقع عن جهل بالحكم أو غفلة أو نسيان لا يبطل به حجه و عمرته‌ و لا شي‌ء عليه".

  فالسيد الماتن في هذا الفرع يقول ما قلناه في كفارة مواقعة النساء يختص بالعالم العامد و إلا لو كان جاهلا أو ناسيا أو غافلا فلا شيء عليه و لا فرق في ذلك كله بين الحكم و الموضوع.

و للتوضيح:

  أن العالم العامد يقابل الناسي و الغافل و الجاهل بالحكم كما لو لم يعلم أن المواقعة للمحرم لا تجوز- و الجاهل بالموضوع كما لو جهل أنه في حال الإحرام- كما يقابل المكره.

فإنّ حج هؤلاء الأصناف الخمسة صحيح لا غبار عليه.

  قد تسأل عن الفرق بين الناسي و الغافل، و الفرق هو أن الناسي منتبه إلى عمله و لكنه غافل عن جهة العمل كما لو دُعي الشخص إلى مأدُبة فنسي فذهب إلى بيته فإنه عالم بالذهاب إلى بيته و لكنه نسي أنه أستضيف، و هذا خلافا للغافل حيث أنه لم ينتبه حتى إلى فعله ففي المثال لم يعي أنه يذهب إلى بيته أو إلى بيت من دعاه.

  و أما المكره فهو و إن كان عالما و لكنه مسلوب الإرادة فهو ليس بعامد لأن العامد هو الفاعل المختار.

  و أما الجاهل فهو عامد مريد و لكنه يجهل الحكم أو الموضوع كما أسلفنا فلا كفارة على جميع هذه الأصناف لأن الكفارة ترتبط بالعلم و العمد و هما لم يتوفرا في هذه الأصناف.

الأقوال:

إن المسألة إجماعية بل هي من المسلمات.

  يقول المحقق النراقي في المستند:

  "ما مرّ من الأحكام المذكورة كان حكم العامد‌ العالم بالحكم و بالإحرام المختار. و أمّا غيره فلا شي‌ء عليه، بل يتمّ حجّه و يمضي و يجزئه، بلا خلاف. بل بالإجماع كما صرّح به بعضهم الشيخ في الخلاف و إبن زهرة في الغنية-". [3]

  و صاحب الجواهر لم يذكر مخالفا في المسألة و كأنه إعتبرها من المسلمات. [4]

الأدلة:

الدليل الأول: البرائة العقلية العقلائية-:

  نشك بأن هذا العمل لو كان بغير علم و لا عمد يوجب الكفارة أم لا؟ فالشك هنا في مانعية هذا العمل للصحة فنجري البرائة، لأن العقلاء لا يأخذون على الناسي و لا يعاقبوه، و لذلك نحن نقول بالبرائة العقلائية لا العقلية.

الدليل الثاني: حديث الرفع البرائة الشرعية- أعني:

  و هو و إن كان من أدلة البرائة و لكن يمكن الإستدلال به لإثبات المطلوب في المسألة و هو يشمل حالات الإكراه و النسيان و عدم العلم.

الدليل الثالث: الروايات و هي كما يلي:

  "وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ مُحْرِمٍ غَشِيَ امْرَأَتَهُ وَ هِيَ مُحْرِمَةٌ قَالَ جَاهِلَيْنِ أَوْ عَالِمَيْنِ قُلْتُ أَجِبْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعاً قَالَ إِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ اسْتَغْفَرَا رَبَّهُمَا وَ مَضَيَا عَلَى حَجِّهِمَا وَ لَيْسَ عَلَيْهِمَا شَيْ‌ءٌ وَ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَحْدَثَا فِيهِ وَ عَلَيْهِمَا بَدَنَةٌ وَ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَإِذَا بَلَغَا الْمَكَانَ الَّذِي أَحْدَثَا فِيهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَقْضِيَا نُسُكَهُمَا وَ يَرْجِعَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَا فِيهِ مَا أَصَابَا قُلْتُ فَأَيُّ الْحَجَّتَيْنِ لَهُمَا قَالَ الْأُولَى الَّتِي أَحْدَثَا فِيهَا مَا أَحْدَثَا وَ الْأُخْرَى عَلَيْهِمَا عُقُوبَةٌ". [5]

  قد مر هذا الحديث حيث سأل الإمام عليه السلام أنهما كانا عالمين أو جاهلين؟ فقال زرارة أجبني علي كليهما، و قد أجاب الإمام عليه السلام أنه لو كانا جاهلين فلا شيء عليهما.

  "وَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ قَالَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ جَاهِلًا فَعَلَيْهِ سَوْقُ بَدَنَةٍ وَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَإِذَا انْتَهَى إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَ بِهَا فُرِّقَ مَحْمِلَاهُمَا فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي خِبَاءٍ وَاحِدٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ". [6]

  و قد قرأنا هذا الحديث سابقا و هو حديث معاوية بن عمار و قد فرق الإمام عليه السلام فيه أيضا بين العالم و الجاهل فأثبت الكفارة للعالم دون الجاهل.

  "وَ عَنْهُ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ مُحْرِمٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فَقَالَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ جَاهِلًا فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسُوقَ بَدَنَةً وَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَقْضِيَا الْمَنَاسِكَ وَ يَرْجِعَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَا فِيهِ مَا أَصَابَا وَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ". [7]

  هذا الحديث كسابقيه يدل على المطلوب.

  أضف على ذلك الأحاديث التي سبق و إن أوردناها في المكره فإنها يمكن الإستناد إليها في المقام أيضا.

بقي هنا شيء:

  هل أن كلمة الجاهل تعم القاصر و المقصر معا أم تختص بالقاصر؟ إن الظاهر من الروايات هو الإطلاق فتعم المقصر أيضا كما في كفارة الصوم حيث تسقط عن القاصر و المقصر معا.

  و لا تصح دعوة الإنصراف بأن الروايات منصرفة عن الجاهل المقصر لكثرة المقصرين أيضا، مع أن القاصر و المقصر قد يقترب أحدهما من الآخر فمثلا قد لا يخطر على بال الشخص أنه لا يعرف المسألة فلا يسأل ففي هذه الحال أنه قاصر، و قد يخطر بباله ذلك و لكن يتكاسل فلا يسأل فإنه عند ذلك مقصر.

  و هذا يجري في الأصول و الفروع معا فالقاصر و المقصر كثيرون في كافة المجالات.

هناك فرعان لم يتعرض لهما السيد الماتن و قد تعرض لها غيره، و هما:

الأول:

  ما هو حكم الإستمتاعات الأخرى؟ لأن الإستمتاع بالمرأة لا يقتصر على المواقعة لأن المرأ قد يسمع صوة المرأة فيغرم بها فيمني أو أنه يحدّث المرأة حديثا إعتياديا و لكن يؤدي به الأمر إلى الإنزال أو أنه يسمع أوصاف إمرأة يريد خطبتها فينزل، فيأتي الكلام عن أنه عليه كفارة أو لا؟

  أجل لو لم يبلغ الإستمتاع إلى درجة الإمناء فلا شيء فيلزم البحث في ذلك و لاسيما أنه قد وردت أكثر من عشرين رواية في ذلك.

  و سيأتي البحث عن الأمر الثاني.

[1] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب كفارات الإستمتاع. باب 4. ح 1.

[2] المصدر/ ح 2.

[3] المستند/ ج 13. ص 243.

[4] الجواهر/ ج 20. ص 362.

[5] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب كفارات الإستمتاع. باب 3. ح 9.

[6] المصدر/ ح 12.

[7] المصدر/ ح 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo