< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: كفارة تقبيل المرأة

  البحث عن كفارة التقبيل و هو الفرع الأول من المسألة الثالثة من مسائل تروك الإحرام، و قد سبق منا أنه لا كلام في حرمة التقبيل عند الإحرام و إنما البحث في كفارته، فبعضهم ذهب إلى أن الكفارة شاة مطلقا و بعضهم إلى أنها بدنة، و بعض آخر ذهب إلى التفصيل فقال إذا كانت القُبلة بشهوة فبدنة و من غير شهوة فشاة.

  منشأ الخلاف هو تضارب الروايات، و يبدو أن الأخبار التي بأيدينا ما كانت جميعها متوفرة عند من سبقنا فمثلا لا يَسعُنا اليوم القول بأن كفارة التقبيل شاة مطلقا لأن الأخبار التي تفيد وجوب البدنة كثيرة جدا، و هذا يكشف عن أن أخبار الكفارة ببدنة لم تصل إليهم و بذا نتمكن من أن نصل إلى نتائج أنجع في بحث المسألة.

و يمكن أن نصنف هذه الأخبار في أربعة طوائف

الأولى: و هي التي تقول: الكفارة بدنة

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ‌ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحْرِمِ يَضَعُ يَدَهُ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ عَلَى امْرَأَتِهِ إِلَى أَنْ قَالَ قُلْتُ الْمُحْرِمُ يَضَعُ يَدَهُ بِشَهْوَةٍ قَالَ يُهَرِيقُ دَمَ شَاةٍ قُلْتُ فَإِنْ قَبَّلَ قَالَ هَذَا أَشَدُّ يَنْحَرُ بَدَنَةً". [1]

  و الرواية بذيلها تدل على المدعى و هي صحيحة سندا. وقوله: "فإن قبل" و إن كان مطلقا إلا أنه يحمل على حال الشهوة بقرينة العبارة السابقة: "المحرم يضع يده بشهوة"، و لا سيما أنه فعل ذلك مع زوجته فلا يخلو الفعل من شهوة جنسية. إذن لا يكون بدافع الترحم و ما شابه ذلك.

  "وَ عَنْهُمْ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَ هُوَ مُحْرِمٌ قَالَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَ إِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا". [2]

  في هذه الرواية يستفاد من قوله: "و إن لم ينزل" أن التقبيل كان بشهوة، لأن الإمام عليه السلام يفترض في جوابه أن التقبيل كان بدافع الشهوة و لذلك يقول أن التقبيل و إن لم يؤدّ إلى الإنزال، عليه بدنة.

  و الرواية ضعيفة سندا بسهل بن زياد و علي بن أبي حمزة البطائني.

الطائفة الثانية: و قد ورد فيها إهراق الدم و هو يعم الشاة و البدنة.

  "وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الصُّهْبَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ فُضَيْلٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ وَ امْرَأَةٍ تَمَتَّعَا جَمِيعاً فَقَصَّرَتِ امْرَأَتُهُ وَ لَمْ يُقَصِّرْ فَقَبَّلَهَا قَالَ يُهَرِيقُ دَماً وَ إِنْ كَانَا لَمْ يُقَصِّرَا جَمِيعاً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُهَرِيقَ دَماً". [3]

  في سند الرواية محمد بن سنان و قد دار الخلاف في توثيقه، و مع صرف النظر عن السند، الدلالة تامة.

الطائفة الثالثة: و هي التي تقول بالتفصيل

  "وَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ مِسْمَعٍ أَبِي سَيَّارٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَا أَبَا سَيَّارٍ إِنَّ حَالَ الْمُحْرِمِ ضَيِّقَةٌ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ عَلَى غَيْرِ شَهْوَةٍ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ وَ مَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ عَلَى شَهْوَةٍ فَأَمْنَى فَعَلَيْهِ جَزُورٌ وَ يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ الْحَدِيثَ". [4]

  و لا إشكال في سند الرواية من ناحية سهل بن زياد لوجود محمد بن يحيى الثقة إلى جانبه، و أما مسمع فهو مسمع بن عبد الملك و قد وردت عبارات تكفي لتوثيقه ظاهرا إلا أن البعض قد تردد في التوثيق فوصف الرواية بالحسنة.

  إن الرواية واضحة في أن كفارة التقبيل من دون شهوة، شاة؛ و ذيل الرواية يدل أن التقبيل إذا إقترن بشهوة و إنزال فكفارته بدنة.

  إذن الرواية قد فصلت إلا أن هذا التفصيل يختلف عن التفصيل الذي أورده السيد الماتن في التحرير و المحقق في الشرائع حيث فرقا بين التقبيل بشهوة و من غير شهوة، لأن الرواية قرنت التقبيل بشهوة، بالإمناء؛ و لقيد الإمناء في الرواية مفهوم فلا يدل على التفصيل الذي ورد في التحرير و الشرائع.

الطائفة الرابعة: و هي عن التقبيل بعد طواف النساء، و هو خارج عن محط البحث.

  "وَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي حَدِيثٍ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَ قَدْ طَافَ طَوَافَ النِّسَاءِ وَ لَمْ تَطُفْ هِيَ قَالَ عَلَيْهِ دَمٌ يُهَرِيقُهُ مِنْ عِنْدِهِ". [5]

  الرواية صحيحة سندا إلا أنها خارجة عن دائرة البحث كما أسلفنا لأن المفروض في الرواية أن الزوج خرج من الإحرام و الزوجة لم تخرج، ففي مثل ذلك يُقبِّل الزوج أهله فالرواية تقول: عليه كفارة و الكفارة منه لا من أهله! و لم يفتِ أحد بذلك فلا يمكن الأخذ بهذه الرواية.

  "وَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهْدِيِّ عَنْ‌ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَمَّادٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْمُحْرِمِ يُقَبِّلُ أُمَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ هَذِهِ قُبْلَةُ رَحْمَةٍ إِنَّمَا تُكْرَهُ قُبْلَةُ الشَّهْوَةِ". [6]

  الرواية ضعيفة سندا من ناحية محمد بن أحمد النهدي لأنه مجهول، و أما متنا فالإمام عليه السلام يقول أن تقبيل الأم حيث إنه عن رحمة و محبة فليس فيه شيء و التقبيل المكروه هو ما كان عن شهوة، و الكراهة هنا بمعنى الحرمة، و قد تأتي الكراهة بهذا المعنى كما ورد في آيات متعددة من الكتاب العزيز مثل ما في سورة الأسراء حيث تقول: "كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها" [7] و ذلك بعد ذكر مجموعة من كبائر الذنوب.

  و الرواية و إن لم يكن لها صلة ببحثنا إلا أنها بالمفهوم تدل على حرمة التقبيل بشهوة، غير أنه لم يرد فيها شيء عن الكفارة.

طريقة الجمع بين الروايات:

  كيف نحل التعارض بين هذه الروايات؟ بعضها كان مطلقا لا يفرق بين الشاة و البدنة و بعض آخر كان يفصل بين ما إذا كان بشهوة و ما لم يكن فالكفارة على الأول بدنة و على الثاني شاة ففي هذه الحال نحمل المطلق على المقيد فنقول بالتفصيل، و لكن ينبغي الإنتباه إلى أن هذا التفصيل يخالف التفصيل الذي ذهب إليه المشهور و قال به السيد الماتن و المحقق في الشرائع لأن في هذا التفصيل إقترنت الشهوة بالإمناء و أما تفصيل المشهور فهو مطلق، إقترن بالإمناء أو لم يقترن.

  و قد تنبه المحقق النراقي في المستند لذلك و لكنه مر عليه مرور الكرام فقال: إن لـ "أمنى" مفهوم فما لم يكن إمناء فلا كفارة إلا أن هذا المفهوم ضعيف فلا يمكن الأخذ به.

و لكن الحق أن المفهوم هنا ليس بضعيف لأن إقتران الإمناء بالشهوة ليس غالبي ليصح ذلك بل هو دائمي و ذلك لأنه لا يكون إمناء إلا و تسبقه شهوة فلقوله : "أمنى" مفهوم دونما شك.

و ملخص القول:

  لم نجد دليلا على ما ورد في التحرير و الشرائع و ذهب إليه المشهور، ولكن يمكن الإفتاء بالإحتياط فنقول: إن قبَّل بشهوة أمنى أو لم يمنى فعليه بدنة أحتياطا، تمشيا مع المشهور.

بقي هنا أمور:

الأول: جميع الروايات التي تحدثت عن التقبيل أشارت إلى تقبيل الزوجة، و ذلك لأن المفروض أن الأجواء إيمانية و الكل يلتزمون بالضوابط و المقررات الشرعية، ففي مثل هكذا أجواء لا يبقى مجال للبحث عن تقبيل الأجنبية أصلا، و مع ذلك لو أن شخصا قبّل أجنبية فمن باب أولى تجري أحكام التقبيل في حقه.

الثاني: روايات التقبيل لا تشمل تقبيل الغلام و لكن لا يبعد تسرّي الحكم إليه لأن تقبيله أشدّ شناعة و لذلك يقام الحد عليه و هو مأة جلدة، و كذلك ليس بعيدا أن نعمم الحكم بإلغاء الخصوصية عرفا.

الثالث: إن التقبل لا يقتصر على تقبيل الوجه فلو قبَّل المحرم النحر أو اليد أو الصدر هل يجري حكم الوجه فيها فنلحق أمثال هذه الموارد بالوجه حكما؟ قد تعرض صاحب الجواهر لهذه المسألة. يبدو أن الإلحاق لا يخلو من إشكال لأن التقبيل ينصرف إلى تقبيل الوجه، فإلغاء الخصوصية هنا لا يعد أمرا سهلا.

الرابع: و لو إنعكس الأمر فقبّلت المرأة زوجها فما هو الحكم؟ لو تمكنّا من إلغاء الخصوصية قطعا فالأمر سهل فتجري جيمع الأحكام التي مرت الإشارة إليها في تقبيل الزوج لزوجته و لكن الإلغاء هنا من الصعوبة بمكان.

و خلاصة القول:

لا شك في حرمة التقبيل في الموارد المذكورة آنفا و إنما الكلام في إلغاء الخصوصية القطعية و عدمها، فمع الإلغاء القطعي للخصوصية تجري جميع الأحكام التي سبق ذكرها و إلا فتجري البرائة.

[1] الوسائل/ ج 13 ( ط الحديثة). أبواب كفارات الإستمتاع. باب 18. ح 1.

[2] المصدر/ ح 4.

[3] المصدر/ ح 6.

[4] المصدر/ ح 3.

[5] المصدر/ ح 2.

[6] المصدر/ ح 5.

[7] الإسراء (17): 38.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo