< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: إتيان النساء في الحج قبل المشعر و بعده

  يدور البحث هنا في الثاني من تروك الإحرام و هو ترك إتيان النساء.

قد ذكر السيد الماتن في المسألة الثانية أربع فروع:

الأول: و هو أن يكون الإتيان قبل الوقوق بعرفات، ففي هذه الحال تجري الأحكام الخمسة السالفة الذكر.

الثاني: أن يكون بعد عرفات و قبل المشعر، في هذا الفرع أيضا تجري الأحكام الخمسة على الأقوى.

  و قد ذُكرتْ الأقوال في هذا الفرع و قد أدعيت الشهرة بل الإجماع على حكمه.

و أما أدلته:

  الروايات في المقام على صنفين، فصنف عام يدل بإطلاقه و عمومه على ما نحن فيه، و صنف آخر خاص يختص بما نحن بصدده:

أما الصنف الأول من الروايات التي تدل على نفس المواقعة في الحج:

  وَ عَنْهُ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ رَجُلٍ مُحْرِمٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فَقَالَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ جَاهِلًا فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسُوقَ بَدَنَةً وَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَقْضِيَا الْمَنَاسِكَ وَ يَرْجِعَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَا فِيهِ مَا أَصَابَا وَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. [1]

  الرواية صحيحة سندا و مطلقة دلالة تشمل كلا الفرعين كما أنها تشير إلى الأحكام الخمسة لأن قوله علیه السلام : "حتى يقضيا المناسك" يدل على إكمال الحج، و قوله: "عليه الحج من قابل" يدل على الفساد كما يدل على وجوب الإتيان من قابل، و أما الكفارة و التفريق فقد صرحت الرواية بهما.

  وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ النَّخَعِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ قَالَ فَقَالَ لَهُ زُرَارَةُ قَدْ سَأَلْتُهُ عَنِ الَّذِي سَأَلْتَهُ عَنْهُ فَقَالَ لِي عَلَيْهِ بَدَنَةٌ قُلْتُ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ غَيْرُ هَذَا قَالَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. [2]

  هذه الرواية مطلقة تعمّ ما كان قبل عرفات و قبل المشعر، و إقتصرت من الأحكام الخمسة على الكفارة و الحج من قابل.

  وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ مُحْرِمٍ غَشِيَ امْرَأَتَهُ وَ هِيَ مُحْرِمَةٌ قَالَ جَاهِلَيْنِ أَوْ عَالِمَيْنِ قُلْتُ أَجِبْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعاً قَالَ إِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ اسْتَغْفَرَا رَبَّهُمَا وَ مَضَيَا عَلَى حَجِّهِمَا وَ لَيْسَ عَلَيْهِمَا شَيْ‌ءٌ وَ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَحْدَثَا فِيهِ وَ عَلَيْهِمَا بَدَنَةٌ وَ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَإِذَا بَلَغَا الْمَكَانَ الَّذِي أَحْدَثَا فِيهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَقْضِيَا نُسُكَهُمَا وَ يَرْجِعَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَا فِيهِ مَا أَصَابَا قُلْتُ فَأَيُّ الْحَجَّتَيْنِ لَهُمَا قَالَ الْأُولَى الَّتِي أَحْدَثَا فِيهَا مَا أَحْدَثَا وَ الْأُخْرَى عَلَيْهِمَا عُقُوبَةٌ. [3]

  هذه الرواية أيضا مطلقة تعم الصورة الثانية.

  وَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ قَالَ إِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ جَاهِلًا فَعَلَيْهِ سَوْقُ بَدَنَةٍ وَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَإِذَا انْتَهَى إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَ بِهَا فُرِّقَ مَحْمِلَاهُمَا فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي خِبَاءٍ وَاحِدٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.[4]

  هذه الرواية أيضا صحيحة و مطلقة و لم يذكر فيها المشعر و لا عرفات.

و أما الصنف الثاني و هي الروايات الخاصة:

  مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ إِذَا وَقَعَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ دُونَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مُزْدَلِفَةَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ.[5]

  هذه الرواية خاصة و إقتصرت على ذكر المزدلفة و هي المشعر، كما أنها ذكرت حكمين من الأحكام الخمسة لأن وجوب الحج من قابل يدلّ على الفساد في العام الحالي.

  وَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ إِذَا وَاقَعَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. [6]

  قد يكون هذا الحديث هو الحديث السابق لأنّه لا يشتمل على زيادة في المضمون.

لا ينبغي الترديد في أنّ حكم هذا الفرع هو حكم سابقه، و عليه نحن نختار ما ذهب اليه السيد الماتن حيث قال: "أنّه الأقوى".

الفرع الثالث: و هو لو كان الإتيان بعد المشعر و قبل طواف النساء، ليس لهذا الفرع إلّا حكم واحد و هو الكفارة حيث عليه أن يذبح بدنة. يقول السيد الماتن بهذا الصدد:

  "و لو كان ذلك بعد الوقوف بالمشعر فإن كان قبل تجاوز النصف من طواف النساء صح حجّه و عليه الكفارة".

  و هنا يلزم التنبيه على أنّ للحج ركنان هما عرفة و مشعر، فإذا واقع المكلف قبل إتمام هذين الركنين فذلك يضر بهما و إذا واقع بعد إتمامهما فلا.

الأقوال:

  صاحب الحدائق يقول:

  "لو جامع بعد الوقوف بالمشعر و قبل طواف النساء‌ كان حجه صحيحا، و عليه بدنة. و هو مجمع عليه كما حكاه في المنتهى".[7]

  و الشيخ في الخلاف يقول:

  "إذ وطأ بعد الوقوف بعرفة‌ و قبل الوقوف بالمشعر فسد حجه، و عليه بدنة، و ان وطأ بعد الوقوف بالمشعر قبل التحلل لزمه بدنة، و لم يفسد حجه. و قال الشافعي و مالك: إن وطأ بعد الوقوف بعرفة قبل التحلل أفسد حجه، و عليه بدنة، مثل الوطء قبل الوقوف. و قال أبو حنيفة: لا يفسد حجة الوطء بعد الوقوف بعرفة، و عليه بدنة. دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضا فكل من قال الوقوف بالمشعر الحرام ركن قال بما قلناه، و قد دللنا على أنه ركن، فثبت ما قلناه لفساد التفرقة. و أيضا رواية ابن عمر و ابن عباس تدل على ذلك. و ما بعد الوقوف بالمشعر نخرجه" [8] - أي نخرجه من تحت حكم بطلان الحج حينئذ.

  و قال صاحب الجواهر:

  "و لو جامع عالما عامدا بعد الوقوف بالمشعر و لو قبل أن يطوف طواف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دون أو جامع في غير الفرج كالتفخيذ و نحوه قبل الوقوف كان حجه صحيحا و عليه بدنة لا غير بلا خلاف أجده في الأول- يعني قبل ثلاثة أشواط لأن في بعد الثلاثة كلام بل الإجماع بقسميه عليه". [9]

  قد أفادت عبارات هؤلاء الأعلام أن المسألة لا خلاف فيها فهي مسلمة.

الأدلة:

الأول: الأصل

  بعد المواقعة بعيد المشعر نشك هل أن هذا العمل أدّى إلى الفساد أم لا؟ نجري البرائة و قد قلنا في بحوثنا الأصولية أن الشك في الجزئية و المانعية و الشرطية مجرى البرائة.

الثاني: الروايات

  و هي على ثلاثة طوائف فطائفة تدل على المدّعى بالمنطوق و أخرى بالمفهوم و ثالثة بالإطلاق المقامي أعني أن الإمام علیه السلام في حين أنّه في مقام البيان لم يذكر إلّا الكفارة.

أمّا الطائفة الأولى:

  مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام فِي حَدِيثٍ إِنْ جَامَعْتَ وَ أَنْتَ مُحْرِمٌ قَبْلَ أَنْ تَقِفَ بِالْمَشْعَرِ فَعَلَيْكَ بَدَنَةٌ وَ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَ إِنْ جَامَعْتَ بَعْدَ وُقُوفِكَ بِالْمَشْعَرِ فَعَلَيْكَ بَدَنَةٌ وَ لَيْسَ عَلَيْكَ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ.[10]

  هذه الرواية مرسلة و لكن بما أنها قد عمل بها الأصحاب فنأخذ بها، و قد صرح علیه السلام بأنّه ليس عليك حج من قابل.

الطائفة الثانية: و هي التي تدل بالمفهوم:

  مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ إِذَا وَقَعَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ دُونَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مُزْدَلِفَةَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ.[11]

  الإمام علیه السلام في هذه الرواية في مقام البيان، و عند ما يكون المتكلم في مقام البيان فلكل قيد يذكره مفهوم خصوصا إذا كان بصدد الإخراج، و فيما نحن فيه ذكر الإمام علیه السلام قيد "قبل المزدلفة" فإنّ ذلك علامة المفهوم في كلامه علیه السلام. و بناء على ذلك لو واقع الرجل أمرأته بعد مزدلفة فليس عليه حج من قابل.

[1] الوسائل/ مجلد 9 (ط الحديثة 13). أبواب كفارات الإستمتاع. باب 3. ح 2.

[2] المصدر/ ح 3.

[3] المصدر/ ح 9.

[4] المصدر/ ح 12.

[5] المصدر/ ح 1.

[6] المصدر/ ح 10.

[7] الحدائق/ مجلد 15. ص 375.

[8] الخلاف/ مجلد 2. ص 365.

[9] الجواهر/ مجلد 20. ص 363.

[10] الوسائل/ مجلد 13 (ط الحديثة). أبواب كفارات الإستمتاع. باب 6. ح 2.

[11] المصدر/ ح 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo