< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

37/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

ذكرنا فيما سبق أن العلم الإجمالي بغصبية إحدى الشجرتين هل هو منجز لحرمة التصرف في الثمرة تكليفا ووضعا قبل العلم بالثمرة فضلا عما قبل وجودها؟ وذكرنا ان هناك وجوها اقيمت لإثبات تنجز الحرمة الوضعية قبل العلم بالثمرة فضلا عما قبل وجودها:
الوجه الاول: ما ذكره المحقق النائيني «قده»: من قيام ارتكاز عقلائي على من أن من استولى على عين كان ضامناً بمقتضى الاستيلاء عليها ذاتاً ومنفعةً سواء كانت منفعتها متصلة أم منفصلة.
الوجه الثاني: ما ذكره السيد الشهيد «قده»: من قيام الارتكاز العقلائي على ان الوجوب التخييري للثمرة او للمنفعة موضوع للملكية، فيكون موضوعا لآثار الملكية من صحة البيع ومن الضمان على فرض التلف.
الوجه الثالث: تعرض له سيد المنتقى «قده» في «ج5، ص162»، ومحصّله: أن ما دلّ على وجوب الاجتناب عن مال الغير عرفاً يشمل الاجتناب عن منافعه وان لم تكن موجودة، فليس هناك حكمان حكم باجتناب ذات الشجرة، وحكم باجتناب ثمرتها، وإنما ما دلّ على وجوب اجتناب ملك الغير او مال الغير هو بنفسه دالّ عرفا على وجوب الاجتناب عن منافعه متصلة ومنفصلة، بحيث لو لم يجتنب المكلف عن المنافع لما عد مجتنباً عن مال الغير. فلا يصدق الاجتناب عن مال الغير إلا بالبعد عن منافعه المتصل والمنفصلة. ومقتضى ذلك تنجز حرمة مال الغير ومنه ثمرة الشجرة تكليفا ووضعا منذ العلم بغصبية احدى الشجرتين.
وذكرنا أن السيد الخوئي «قده» اشكل على شيخه المحقق النائيني «قده»: من أن فعلية الحرمة الوضعية وهي الضمان حين الاستيلاء شيء وتنجز هذه الحرمة شيء آخر فان هذا التنجز فرع احراز كون الثمرة ملكا للغير ولم يحرز، كما انه ذكر في الدراسات ان حرمة التصرف في الثمرة قبل وجودها غير معقول، لان الحرمة تابعة للملاك والملاك إنما يتصور بعد وجود مال الغير اي موضوعه.
ولنا عدّة تعليقات على ما ذكر في الكلمات:
التعليقة الاولى: ما ادعي من ان الحرمة الوضعية وهي عبارة عن ضمان الثمرة فعلية قبل العلم بوجود الثمرة بل قبل وجودها. وأقيمت لذلك وجوه ثلاثة في كلمات الاعلام «قدست اسرارهم» محل تأمل:
أمّا الوجه الذي افاده المحقق النائيني: من وجود ارتكاز عقلائي على ان من استولى على عين ضمن العين وضمن منافعها الفعلية والمقدرة. واستشهد على ذلك: بأن مالك العين يحق له الرجوع في ضمان المنافع المقدّرة لليد الأولى عند تعاقب الايدي. ولكن دعوى وجود ارتكاز عقلائي على فعلية الضمان قبل وجود المال المضمون بل قبل العلم بوجوده مما لم نحرزه في بناء العقلاء، واما الاستشهاد له بانه يحق للمالك في فرض تعاقب الايدي ان يرجع في ضمان المنافع لليد الاولى وان كانت هذه المنافع مستجدة تحت اليد الثانية انما صح باعتبار ان اليد الاولى تسببت في تفويت هذه المنافع عليه، لا ان الضمان فعلي وان لم تكن المنافع المضمونة فعلية، بل لأن اليد الأولى حيث سلّمت العين لليد الثانية عدواناً كانت سبباً في فوت المنافع المستجدة على اليد الثانية، فحيث تسببت في تفويتها صح للمالك الرجوع اليها من باب سببية التفويت للضمان، لا لأن الضمان فعلي قبل فعلية المال المضمون كي يقال بان هناك ارتكازاً عقلائيا على ذلك.
وأما ما ذكره السيد الشهيد «قده» بأنه: هناك ارتكاز عقلائي على وجود تقديري للثمرة وان هذه الوجود التقديري محطا للآثار «اثار الملكية».
فيلاحظ عليه:
اولا: تارة يقصد بالوجود التقدير للثمرة: القابلية، يعني قابلية الاثمار، وللدجاجة قابلية التبييض مثلا، فهذا القابلية ذات مالية وان لم تكن مالية مستقلة بل مندكة في مالية الشجرة كما يظهر من كتابه «اقتصادنا» بأن محط التناقل والمعاملات القابلية، حيث ذهب في تحليل حقيقة الإجارة الى أن الإجارة تمليك للقابلية، فمن آجر داراً فليس معنى الاجارة ان المالك ملّك منفعة الدار اي ملّك السكنى، وانما المقصود بالاجارة ان المالك ملّك قابلية الدار لسكنها للغير وهي امر موجود بالفعل وليس موجودا تقديرا وشأنا، فلعل المقرر في مباحث الاصول لم يقع النقطة على الحرف بان مقصود السيد «قده» هو القابلية. فاذا كان مقصود السيد «قده» القابلية بمعنى ان القابلية موجودة وبما أنها موجودة تترتب عليها الآثار من الملكية من الضمان من النقل ولو عبر الاجارة واشباه ذلك، فاذا كان المقصود هو القابلية ولكن المفروض ان القابلية موجودة بالفعل وليست موجودة تقديرا، بل وجودها بالفعل، الا ان هذه القابلية بحسب ما ذكر الاعلام بحسب بحث الخيارات وان كنا لم نوافق على ذلك وفاقاً للسيد الإمام «قده» ولكن هذا المشهور في الفقه، ان الصفات ليست لها مالية وان كانت موجبة لزيادة المالية، مثلا: لو اعتقد شخص ان السيارة سيارته فقام وصبغها ثم تبين ان السيارة ليست سيارته، فهل يكون شريكا مع مالك السيادة، فيقال ان السيارة ذات مالين، مال وهو السيارة نفسها ومال آخر وهو صفة الصباغة، ولكل من المالين مالك فإذن هناك شركة بين المالكين في هذه السيارة؟ ام يقال بان ما صنعه اشتباه هدر ولا قيمة له؟
فيقال: بان الصفة لا مالية له أصلاً وإن كانت موجبة لزيادة المالية، فالشجرة ذات القابلية للإثمار أزيد مالية من الشجرة التي لا قابلية لها للإثمار ألا ان القابلية نفسها لا مالية لها وان كانت موجبة لزيادة المالية، ولذلك لا تقع موضوعا للآثار من ملكية او ضمان او نقل او ما اشبه ذلك.
ولكن المقصود انه على المبنى المعروف في الفقه ان الصفات لا مالية لها وان كانت موجبة لزيادة المالية، وبالتالي فاذا كان منظور السيد الشهيد لصفة القابلية فهي مما لا مالية لها.
واذا كان منظوره كما هو ظاهر عبارة التقرير الوجود التقديري للثمرة، فلا دعوى ان هناك ارتكازا عقلائيا على ان هذا الوجود التقديري للثمرة مملوك محط للبيع محط للضمان كلها دعاوى تحتاج الى شواهد عقلائية.
نعم، لو كانت الثمرة قد بدى صلاحها، كما ذكر العلماء انه يصح بيع الثمرة بعد بدوا صلاحها، لا ان الوجود التقديري للثمرة بمجرد ملك الشجرة موضوعا للملكية فهذه الدعوى تحتاج الى شواهد عقلائية لم يذكرها صاحب الحدائق «قده».
وأما ما ذكره سيد المنتقى «قده» من ان ما دلّ على الاجتناب عن مال الغير دالّ عرفا على الاجتناب عن منافعه المتصلة والمنفصلة فأيضاً محل تأمل، باعتبار انه لو فرضنا طبعا وجود دليل اجتنب مال الغير، هذا لا يوجد عندنا هكذا دليل، ما عندنا من دليل هو حرمة التصرف في مالي الغير وهي حرمة انحلالية تنحل بعدد مال الغير والمفروض ان الشجرة مال وثمرتها المنفصلة مال، بل ثمرتها المتصلة ايضا بنظر العقلاء ايضا مال ولذلك يصح تمليك منفعتها دون تمليك العين وان كانت منفعة متصلة، وبتعدد المال تتعدد حرمة التصرف، فحرمة التصرف انحلالية، لكل مال حرمة تصرف، لا أن ما دل على حرمة التصرف في الشجرة يدل على حرمة التصرف في منافعها بل منافعها مال آخر له حرمة أخرى، وبعين ما نقوله في حرمة التصرف، نقوله بوجوب الاجتناب عن مال الغير لو دل دليل على ذلك فانه حكم انحلالي يتعدد بعدد مال الغير.
فالنتيجة: ان ما ذكر في كلمات الاعلام من ان ضمان الثمرة قبل العلم بها بل قبل وجودها فعلي بمجرد الاستيلاء على الشجرة، هذا اول الكلام.
التعليقة الثانية: افاد سيدنا «قده» في الدراسات: بانه لا يعقل حرمة التصرف في مال الغير قبل وجوده، هذا امر غير معقول، لان حرمة التصرف لها ملاك، وحيث ان الملاك قائم بمال الغير لا ملاك وقبل ان يوجد مال الغير لا ملاك وقبل ان يوجد الملاك لا يعقل حرمة التصرف من دون فعلية لملاكها.
فالجواب عن ذلك: هو نفس ما ذكره هو في الفقه: حيث افاد «قده» من ان حرمة التصرف كسائر المحرمات التي تكون فعلية قبل فعلية موضوعها، فيحرم شرب الخمر وان لم يوجد خمر في الخارج، ويحرم الزنا قبل ان توجد امرأة في الخارج، فإن هذه المحرمات فعلية قبل فعلية موضوعها، وملاكها فعلي قبل فعلية موضوعها، فان ملاك حرمة التصرف في مال الغير هو قبح الظلم والعدوان وهذا الملاك فعلي قبل ان يوجد مال الغير، لا ان هناك مفسدة خاصة بمال الغير تقتضي حرمته، بل حرمة التصرف في مال الغير لكونه مصداقا من مصاديق الظلم والعدوان، ومفسدة الظلم وقبح الظلم فعلية وان لم يوجد مال للغير في الخارج، ولذلك لا ينحصر الاستدلال على حرمة التصرف في مال الغير بقوله : «لا يحل مال امرأ مسلم الا بطيبة نفسه» حتى يقال: ان ظاهر هذا الدليل «لا يحل مال امرأ مسلم الا بطيبة نفسه» هو الحرمة فرع وجود المال، فقبل وجود المال لا حرمة، الدليل لا ينحصر بذلك، بل الدليل على حرمة التصرف في مال الغير نفس أدلة حرمة الظلم والعدوان، وبما ان دليل حرمة الظلم والعدوان هو بنفسه دال على حرمة التصرف في مال الغير وملاكه فعلي وان لم يوجد مال الغير خارجا اذن حرمة التصرف على مبانيه فعلية وان لم يوجد مال للغير خارجاً.
التعليقة الثالثة: هل ان العلم الاجمالي بعد وجود الثمرة منجز ام لا؟ بيان ذلك: من استولى على شجرتين وهو يعلم بغصبية احداهما، فتارة نبحث عن المنجزية قبل العلم بالثمرة، وتارة بعده.
فإذا نظرنا الى العلم بالمنجزية قبل العلم بالثمرة بمعنى انه من الآن بمعنى انه حين وضع يده على الشجرتين اللتين يعلم بملكية الغير لاحداهما يدعى كما في كلمات السيد الشهيد في مباحث الاصول: أن العلم الاجمالي بحرمة الثمرة تكليفاً ووضعاً متنجس من الآن وان لم يعلم بوجود ثمرة، وان كان لا يدري ان هذه الشجرة تثمر ام هي عقيم؟ فحينئذ يوجد علم اجمالي بحرمة ثمرة هذه الشجرة تكليفا ووضعا او حرمة تلك الشجرة تكليفا ووضعا، وهذا متنجز قبل حصول العلم بالثمرة فضلا عما قبل وجودها.
فيقال: باننا لو قبلنا مبناه من ان الحرمة الوضعية فعلية قبل فعلية موضوعها لو قبلنا هذا المبنى فان التنجز فرع احراز ان هذه الشجرة اصلا لها قابلية الاثمار ام لا؟ وأما مع الشك في ان هذه الشجرة لها قابلية الاثمار ام لا؟ فمع هذا الشك كيف يقال بان العلم الاجمالي بغصبية احدى الشجرتين علم إجمالي بحرمة التصرف في ثمرة هذه الشجرة او ثمرة تلك الشجرة تكليفا ووضعاً، بل ان هذا الشك منهي بالاصول بلا معارض. هذا اذا نظرنا للمسالة قبل الثمرة.
واما اذا نظرنا للمسألة بعد الثمرة: اي انه اثمرت الشجرة الاولى، او وضع البقرة وليدها او باضت الدجاجة، فحينئذٍ بعد ان باضت احدى الدجاجتين او اثمرت الشجرة الاولى او ولدت البقرة الاولى، فيقال: هذا العلم الاجمالي بحرمة التصرف في هذه الثمرة او البيضة او الوليد او حرمة التصرف في الشجرة الاخرى، هل هو منجز ام لا؟
على مبنى السيد الخوئي في «الدراسات»: وهو أن المدار في المنجزية على المعلوم، يقال هذا العلم الاجمالي منجز، لان المعلوم وهو ضمان الثمرة تنجز من العلم الاول لان مبناه «قده» كمبنى المحقق النائيني في الحكم الوضعي، انه بمجرد الاستيلاء على الشجرة، فان ضمان ثمرتها فعلي وان لم توجد الثمرة بعد على نحو الشرط المتأخر، يعني الضمان فعلية بفعلية وجود اليد بشرط وجود الثمرة مستقبلاً، فاذا وجدت الثمرة مستقبلا كشفت عن الضمان ثابت من الاول، فعلى مبنى سيدنا «قده» يكون هذا العلم الاجمالي منجزاً لان المعلوم به وهو ضمان الثمرة كان فعليا منذ فعلية وضع اليد على الشجرتين.
وأما على مبناه في «مصباح الاصول» من ان مدار المنجزية على العلم، فكيف نطبقه على المقام؟
فعلى مبنى سيدنا «قده» في مصباح الاصول لا يكون العلم الثاني متنجزاً لان احد طرفيه متنجز بعلم اجمالي سابق وهو الشجرة الاخرى، فالعلم الاجمالي بحرمة ثمرة هذه الشجرة او الشجرة الاخرى ليس منجزا، لان الطرف الثاني وهو الشجرة الاخرى تنجز بعلم اجمالي سابق، بخلاف مبناه في الدراسات على ان المدار على المعلوم، إذن فالعلم الاجمالي الثاني وان كان متأخرا زمانا لكن معلومه مقارن زمانا للمعلوم بالعلم الاجمالي الاول فيكون منجزاً.
وأما ما تمسك به «قده» من الاصول حيث قال: بما ان العلم الاجمالي غير منجز، لا تصل النوبة للأصل الحكمي الا بعد المفروغية عن عدم جريان الاصل الموضوعين لورود الاصل الموضوعي على الاصل الحكمي، فاذا كان لهذه الشجرة حالة سباقة من كونها ليست ملكا للغير، فجرى استصحاب عدم كونها مملوكة للغير فثمرتها ليست ثمرة لملك الغير. وإذا افترضنا ان ليس لها حالة سابقة فبناء على مبناه «قده» من جريان الاستصحاب في العدم الازلي، يجري استصحاب عدم كون هذه الشجرة التي اثمرت ملكا للغير ازلا، اي عندما لم تكن لم تكن مملوكة للغير، فاذا جرى الاصل الموضوعي لم تصل النوبة الى الاصل الحكمي، ولكن اذا منعنا من جريان الاصل الموضوعي وقلنا ليس لها حالة سابقة والاستصحاب العدم الازلي لا يجري وصلت النوبة الى الاصل الحكمي، فما هو الاصل الحكمي؟
ذكر سيدنا مرارا في الفقه، بان البراءة عن الضمان ليست صناعية لان البراءة حكم امتناني فلا شمول لأدلته فيما يكون خلاف الامتنان على الغير فاذا شككنا في ان هذه الثمرة مضمونة ام لا؟ لم نتمسك في ادلة البراءة الواردة في مقام الامتنان لان جريانها خلاف الامتنان على مالك هذه الشجرة واقعا لو كان غيره مالكا واقعا لكان جريان البراءة على الضمان امتنانا على الضامن خلاف الامتنان على المضمون له. فلا محالة يكون الاصل الحكمي في المقام هو اصالة الحل، باعتبار عدم ورود دليلها في سياق الامتنان. هذا تمام الكلام في التعليقات على كلام الاعلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo