< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

37/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

كان الكلام فيما إذا اشترك علمان إجماليان في طرف واحد، وبهذا يلاحظ المعلوم في هذين العلمين، فهذا المعلوم في هذين العلمين متعاصران أم أن المعلوم في أحدهما متأخر زماناً أو متأخراً رتبة؟.
فهنا أقسام خمسة: ذ تارة: يكون العلمان متعاصرين علما ومعلوماً، ومتحدين رتبة. كما إذا علم اجمالا أما بنجاسة الإناء الأبيض أو نجاسة الإناء الازرق، وفي نفس الوقت علم اجمالا اما بنجاسة الإناء الأزرق أو نجاسة الإناء الاحمر، فالعلمان هنا متعاصران زمانا والمعلوم بهذين العلمين ايضا متحد زمانا أي علم بانه بنجاسة في الإناء الأبيض أو الإناء الأزرق في يوم الجمعة وعلم بنجاسة في الإناء الأزرق أو الاحمر في نفس يوم الجمعة فالعلمان متعاصران زامانا والمعلومان ايضا متعاصران زمانا، وكما انهما متعاصران زمانا متحدتان رتبة، فهنا في مثل هذا فرض التعاصر بين العلمين والعلمين والاتحاد بينهما رتبة لا كلام في منجزية العلم الاجمالي. انما البحث عندهم في المنجزية إذا اختلف المعلوم أو العلم من حيث الزمان أو من حيث الرتبة، والا إذا تعاصرا العلمان والمعلومان واتحدا رتبة لا اشكال في منجزية كلا العلمين انما الكلام إذا حصل اختلاف في العلم أو المعلوم زمانا أو رتبة. لذلك نذكر الصور التي حدث فيها الاختلاف.
الصورة الاولى: وهي ما مرَّ الحديث عنها مفصّلاً: ما إذا كان الثاني متأخراً زماناً، مع غمض النظر عن المعلوم ما هو، كما إذا علم اجمالا الان اما بنجاسة في الإناء الأبيض أو نجاسة في الإناء الأزرق ثم علم بعد ساعة بنجاسة أم في الأزرق أو الاحمر، فالعلم الاجمالي متأخر زمانا عن الأول مع غمض النظر عن المعلوم. هذا مرّ الحديث عنه وقلنا: بأن السيد الخوئي والسيد الإمام ذهبوا إلى عدم المنجزية للعلم الإجمالي المتأخر.
الصورة الثانية: أن يكون العلم الثاني متأخراً رتبة لا زماناً، مثلاً: ان يكون العلم الثاني متولّداً من العلم الاول، يعني لّما علم اولاً تولد عنه بشكل تلاقي العلم الثاني، مثلاً: إذا علم اجمالاً بأنه اما يجب عليه صوم يوم الغدير أو يجب عليه صلاة يوم الغدير، وتولد من ذلك أنه إن كانت صلاة يوم الغدير واجبة فغسل يوم الغدير واجب، وانه لا يمكنه ان يصلي بدون غسل. فهو يعلم اولا اما بوجوب الصوم يوم الغدير أو بوجوب الصلاة «صلاة يوم الغدير» لكن ان وجدت الصلاة فيجب الغسل معها.
نتيجة هذا العلم الثاني وهو ان كان كذا فكذا، يتولد عندنا علم جديد يتولد طرف من الاول وطرف من الثاني، فأقول: النتيجة اعلم اما بوجوب الصوم يوم الغدير أو الغسل لأنه إذا علمت اما بوجوب الصوم أو الصلاة وأنا اعلم إن وجبت الصلاة وجب الغسل فإذاً بالنتيجة سوف اعلم إما بوجوب الصوم أو وجوب الغسل. فالكلام في العلم الاجمالي الجديد المتولد الجديد، هل هو منجز أم ليس بمنجز؟. فهل هذا العلم الاجمالي الثاني منجز أم لا؟.
حيث ذهب المحقق العراقي «قده» في «نهاية الافكار»: إلى أنّ هذا الثاني غير منجز، لأنه هل سينجز وجوب الصوم، _الصوم متنجز بعلم سابق والآن حدث لدينا علم جديد إما بوجوب الصوم أو بوجوب الغسل هذا العلم الجديد هل هو سبب لمنجزية وجوب الصوم بالمنجزية السابقة أو بالمنجزية الجديدة_؟. إن كان هذا العلم الوليد سبباً لنفس المنجزية السابقة لوجوب الصوم فهذا محال، لأن المنجزية السابقة في رتبة هذا العلم الجديد وليست في رتبة متأخرة عنه. فإذا كانت في رتبته فيكيف يكون سبباً لها مع أن المسبب متأخر رتبة عن السبب. وإذا قلتم بأن العلم الإجمالي الثاني سبب لمنجزية جديدة فإن المتنجز لا يتنجز، فاذا كان وجوب الصوم قد تنجز بالعلم الاجمالي السابق فكيف يتنجز مرة اخرى بالعلم الاجمالي الجديد.
وتظهر المناقشة فيه مما سبق في الصورة الأولى: وهي نسبة المنجزية للعلم نسبة الحكم لموضوعه لا نسبة المعلول لعلته التكوينية.
فنحن نلتزم أنّ العلم الاجمالي الوليد سبب لمنجزية جديدة غير المنجزية السابقة، ولا مانع من أن تستند هذه المنجزية الجديدة في وجوب الصوم لعلمين لكاشفين، لأن وجوب الصوم انكشف لي بكاشفين بالعلم الاجمالي الاول والعلم الاجمالي الثاني واجتماع الكاشفين لا يرد فيه محذور لأنه يترتب على هذين الكاشفين منجزية واحدة جديدة مؤكدة. هذا امر لا مانع منه عقلاً.
الصورة الثالثة ترتبط بالمعلوم لا بالعلم، الصورة الاولى والثانية ترتبطان بالعلم. فالصورة الاولى: العلم الثاني متأخر زمانا عن العلم الاول، والصورة الثانية: العلم الثاني متأخر رتبة عن العلم الاول.
الآن جئنا إلى المعلوم، قد يكون المعلوم في احد العلمين متأخر زمانا عن المعلوم في الاول وقد يكون المعلوم في احد العلمين متأخر رتبة عن المعلوم في العلم الاول. فالآن: الصورة الثالثة والرابعة تتعلقان بالمعلوم لا بالعلم.
الصورة الثالثة: أن يكون المعلوم في احد العلمين متأخر زماناً عن المعلوم عن العلم الاول. مثاله: علمنا اجمالا اما بنجاسة الإناء الأبيض أو نجاسة الإناء الأزرق يوم الاربعاء، ثم علمنا إما بنجاسة الأزرق أو الاحمر يوم الثلاثاء. فالعلم الاجمالي الثاني متأخر زمانا عن الاول لكن المعلوم متقدم، فأنا علمت اولا بنجاسة الأبيض أو الأزرق اليوم، ثم اليوم علمت بنجاسة الأزرق أو الاحمر منذ امس، فالكلام في أنه المعلوم بالعلم الاجمالي الثاني متقدم زمانا على المعلوم بالعلم الاجمالي الاول. إذ انكشف لنا ان المعلوم فيه متقدم زماناً، الكلام في العلم الاجمالي الاول.
هنا: تعارضت كلمات سيدنا الخوئي. حيث إنه «قده» في «الدراسات، ج3»، وفي «مصباح الاصول ايضا، ج47 الموسوعة ص427»: قرّر أنّ العلم الاجمالي الاول ليس منجزاً. لأن احد طرفيه وهو نجاسة الإناء الأزرق الذي هو طرف مشترك بين العلمين هذا متقدم زمانا لأنه علم بنجاسته في زمن سابق منذ يوم الثلاثاء. فقال «قده» بانه: العلم الاجمالي الاول ليس علما بحدوث تكليف، إذ لعل النجاسة المعلومة في الإناء المعلومة في يوم الاربعاء هي ما وقعت النجاسة فيها النجاسة منذ يوم الثلاثاء. إذن العلم الإجمالي بنجاسة الإناء الأبيض أو الأزرق يوم الأربعاء ليس علماً بحدوث تكليف، إذ لعل الإناء الأزرق متنجس منذ يوم الثلاثاء فالعلم بنجاسته يوم الاربعاء لم يضف شيئا جديداً فليس علما بحدوث تكليف.
ثم نفس «قده» في «ص487، من نفس الجزء» قال: هل العبرة بالعلم أو العبرة بالمعلوم؟ هل أن التنجز أثر للعلم بما هو بغض النظر عن المعلوم أو اثر للمعلوم؟
فقرر خلاف ما قرر شيخه النائيني حيث إن شيخه النائيني «قده» يقول: ان المدار على المعلوم لأن العلم وإن كان منجزاً لكنه منجز بما هو كاشف لا لخصوصية في العلم فبما ان العلم منجز بما هو كاشف فالعبرة في المنجزية في المنكشف وبما ان المنكشف متقدم زمانا لأنه انكشف لنا نجاسة الإناء الأزرق منذ يوم الثلاثاء فالمنكشف متقدم زمانا، بما ان المنكشف متقدم زمانا إذن نجاسة الإناء الأزرق تنجزت منذ يوم الثلاثاء فلا تتنجز مرة أخرى بما حصل يوم الاربعاء.
اما إذا قلنا: أن موضوع المنجزية المعلوم بما هو معلوم لا بما ذاته، يعني: نجاسة الإناء الأزرق انما تتنجز بما هو امر معلوم لا بما هي نجاسة، فهي بما هي نجاسة متقدمة زمانا منذ يوم الثلاثاء لكن بما هي معلوم لم تحصل الا منذ يوم الاربعاء، لأنني بعد ان علمت يوم الاربعاء اما بنجاسة الأبيض أو الأزرق علمت في يوم الاربعاء ايضا إما بنجاسة الأزرق أو الاحمر بنجاسة منذ يوم الثلاثاء، فالمتقدم زمانا ذات المعلوم. لكن لا بما هو معلوم بل بما هو معلوم متأخر زمانا وليس متقدم زمانا.
فهل العبرة في المنجزية على ذات المعلوم _أي العلم بما هو كاشف_؟ أو على العلم بما هو معلوم _اي على العلم من حيث صفة العلمية فيه_؟.
هذا المطلب نقحناه فيما سبق.
ثم سيدنا نفسه بعد أن عدل «ص487 في شريط بحثه المسجل، رقم الشريط 668» عاد إلى ما ذكره أولاً، مع أن هذا الشريط المسجل في بحثه في دروة متأخرة عما في مصباح الأصول. فكيف نوفق بين كلماته؟!.
الصورة الرابعة: أن يكون المعلوم متأخراً رتبة كما قسّمنا العلم إلى تأخر زماني وتأخر رتبي، ايضاً نقسم المعلوم إلى متأخر زمانا ومتأخر رتبة.
مثاله: ان نعلم إما بوجوب الغسل يوم الجمعة أو بوجوب زيارة النبي ولكن إذا وجبت زيارة النبي وجبت صلاة الزيارة لأن صلاة الزيارة اثر للزيارة، إذا وجبت الزياردة وجبت صلاة الزيارة. نتيجة هذين العلمين صار عندنا علمين: اما بوجوب الغسل يوم الجمعة، أو وجوب صلاة الزيارة. الطرف الاول وهو وجوب الغسل، معلوم بالعلم السابق، الطرف الثاني وهو جوب صلاة الزيارة متولد عن الاول متأخر عنه رتبة، لأن وجوب صلاة الزيارة متأخر رتبة عن وجوب نفس الزيارة، فالعلم الاجمالي الجديد أحد طرفيه متأخر عن المعلوم بالعلم الإجمالي الأول.
وهنا ذهب السيد الإمام والسيد الروحاني «قده»: إلى عدم المنجزية، ذهبا إلى الانحلال.
وذكر سيد المنتقى _ «قده» بانه بالنسبة للأثر يحصل شك بدوي، ما عندنا علم أجمالي. نحن نعلم إجمالاً أما بوجوب الغسل يوم الجمعة، أو بوجوب الزيارة، اما وجوب صلاة الزيارة انما هو على فرض وجوب الزيادة فهذا مشكوك شكا بدويا فتجري البراءة عنه بلا معارض.
لكن من الواضح أنه ليس مشكوكاً بدويا بل هو طرف لعلم إجمالي جديد وهو اما وجوب الغسل أو وجوب صلاة الزيارة.
لذلك ذهب سيد المنتقى إلى منحى آخر: قال: إنما تتعارض الاصول في اطراف العلم الاجمالي جريان الاصل في كل طرف دون الآخر ترجيحا بلا مرجح، كما إذا علمت اجمالا اما بنجاسة «أ» أو نجاسة «ب» فأقول: لا يجري الاصل في كليهما لأنه ترخيص في المخالفة القطعية ولا يجري في أحدهما دون الآخر لأنه ترجيح بلا مرجح. هنا تتعارض الأصول فلا تجري.
أما إذا كان لأحد الطرفين ميزة على الآخر لم يلزم من جريان الاصل فيه دون الاخر ترجيح بلا مرجح، فيجري الأصل فيه بلا معارض.
وهنا في المقام: إذا علمنا اجمالاً اما بوجوب الغسل يوم الجمعة، أو وجوب زيارة النبي يوم الجمعة لكن على فرض وجوب الزيارة تجب الصلاة، فعندنا علم جديد هو وجوب الغسل أو وجوب صلاة الزيارة، حينئذٍ يقول: نأتي إلى هذا الطرف المشترك بين العلمين وهو وجوب الغسل.
الطرف المشترك بين العلمين: أن هذا على أية حال نقطع ان هذا الطرف الاول قطعا لا يجري الاصل فيه لأنه ساقط اما بمعارضته بالعلم الاجمال في الاول أو بمعارضته في العلم الاجمالي الثاني. فقطعا هو ساقط.
جريان اصالة الطهارة عن هذا الطرف المشترك وهو وجوب الغسل قطعا ساقط، ما ساقط من الاول أو ساقط الآن، ما ساقط بمعارضته لأصالة البراءة في وجوب الزيارة أو ساقط بمعارضته بأصالة البراءة بوجوب صلاة الزيارة.
والثاني: صلاة الزيارة، ذات ميزة عليه، وهي ليس الاصل فيها معلوم السقوط، مضافاً إلى انها تمتاز عن الاول بتأخرها رتبة عن المعلوم بالعلم الاجمالي الاول، إذن هناك ميزة في الطرف الجديد وهو صلاة الزيارة ولا ميزة في الطرف المشترك، لأجل ذلك لو جرى الاصل في الطرف المشترك دون الطرف المختص لقلنا بأن جريان الاصل في الطرف المشترك الا وهو وجوب الغسل انه ترجيح للمرجوح على الراجح.
بينما لو جرى الاصل في الطرف المختص الا وهو وجوب صلاة الزيارة لم يكن ترجيحا بلا مرجح بل مع المرجح. لأجل ذلك لا يشمل الاصل الطرفين في عرض واحد بل يجري في الثاني بلا معارض.
المناقشة:
نمثل بمثال فقهي:
«إذا باع الوكيل والموكل في آن واحد». أنا وكلتك في بيع داري ولم افسخ هذه الوكالة ولم أعلمك ففي آن واحد في الدقيقة الأولى في الساعة العشرة من يوم الاربعاء أنا الموكل صاحب الدار بعت دار إلى زيد، وفي نفس الدقيقة باع الوكيل داري على عمر.
فهل أن دليل «اوفوا بالعقود» دليل «احل الله البيع» لا يشملهما معاً، إذ لا يمكن الجمع بين انتقال الدار لزيد وبين انتقال الدار لعمر؟.
او يقال يوجد مرجح وهو أن هذا بيع موكل وذاك بيع وكيل، فيقال: بأن شمول دليل «احل الله البيع» لبيع الاصيل دون الوكيل ليس ترجيحا للمرجوح، إذن فيوجب ذلك شموله لبيع الوكيل.
هل هذا كبروي علمي؟.
مثال فقهي ثالث: إذا علم زيد ان احدى المرأتين أم له من الرضاعة، اما فاطمة أو زينب، إحداهما امه من الرضاعة وقد ولدت فاطمة بنتا «سكينة»، فالآن هو عنده علم إجمالي: اما فاطمة أو زينب أم له من الرضاعة، النتيجة ان فاطمة ولدت زينب، صار عنده علم إجمالي جديد، إما سكينة اخته من الرضاعة أو زينت أمه من الرضاعة؟. دليل الاستصحاب، استصحاب عدم كون سكينة اخته من الرضاعة يتعارض مع استصحاب عدم كون زينب امه من الرضاعة، يعني دليل الاستصحاب لا يشملهما؟. أو نقول هناك مرجح لجريان الاستصحاب في سكينة دون زينب وهو أن سكينة طرف متأخر رتبة عن الطرفين الأولين للعلم الاجمالي الاول، وتأخره رتبة ميزة له يوجب جريان الاستصحاب فيه دون الطرف الآخر.
فله ان يتزوج سكينة بمقتضى استصحاب عدم كونها اختا له من الرضاعة.
يأتي الكلام عن ذلك يوم السبت ان شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo