< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

37/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

سبق أن تعرّضنا لمطلب سيد المنتقى «قده» وذكرنا: أن كلامه في عدّة مطالب:
المطلب الأول: أنّ صاحب الكفاية «قده» فصّل بين فرض التلف وفرض الاضطرار، وذكر: ان فرض التلف من شؤون الموضوع، بينما فرض الاضطرار من شؤون الحكم. ولذلك إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين ثم تلف أحدهما بقي العلم على المنجزية؛ وأما إذا اضطر الى شرب أحدهما المعين، فإن العلم لا يبقى على المنجزية للشك في ثبوته من الأول في الطرف الآخر. وقلنا: بأن التفصيل بين قيود الموضوع وقيوم الحكم غير صناعي؛ وذلك: لأنه وإن تصور الذهن الطولية بين القيود، مثلا: أن يكون ثبوت الحرمة للعنب في رتبة سابقة على ثبوت الحرمة حال الغليان. بأن يقال: العنب يحرم وهذه القضية المؤلفة من موضوع ومحمول مقيدة بالغليان، فيكون تقيد الحرمة بالعنبية في رتبة سابقة على تقيدها بالغليان فهذه الطولية بين القيود أمر معقول ثبوتاً إلا أنها لا تفضي الى التفصيل بين قيود الحكم وقيود الموضوع. والوجه في ذلك:
أن القيد إما تحت الطلب أو فوق الطلب. أي إن القيد إما لوحظ مفروض الوجود في رتبة سابقة على فعلة الحكم فلا محالة هو موضوع، فمتى ما لوحظ القيد مفروض الوجود في رتبة سابقة على فعلية الحكم فهو موضوع سواء كان التقيد به سابق رتبة أم لاحق رتبة، فإن المهم انه لوحظ انه مفروض الوجود بحيث لا يجب تحصيله. مثلا: إذا قلنا: إذا زالت الشمس وكنت قادراً فصل، فجعلنا القيدين وهما الزوال والقدرة في عرض واحد. أو قلنا: إذا زالت الشمس فصل والوجوب المعلق على الزوال يثبت في حقك إن كنت قادرا أو ان كنت بالغا، فتصوير الطولية بين القيدين بحيث نجعل الاول قيداً في الحكم والثاني قيداً في الموضوع، لا يغير من الواقع شيئاً، إذ النتيجة ان القيد في كليهما اي في الزوال والبلوغ فرض مفروغ الوجود في رتبة سابقة على فعلية الحكم. بمعنى أنه قيد لا يجب تحصيله بل أخذ مفروض الوجود.
وإن كان قيداً تحت الطلب: _بمعنى انه لم يلحظ في رتبة سابقة على الحكم فهو مطلوب_ فهو من قيود الواجب، إذاً فمقتضى الصناعة عدم التفصيل بين قيود الحكم وبين قيود الموضوع فكل قيد اخذ في رتبة سابقة فهو موضوع للحكم، بمعنى: أن فعلية الحكم تابعة لفعليته حدوثاً وبقاءً.
ثانيا: يقال: تارة يكون القيد مقارناً للحكم أو سابقا عليه، مثلاً: الاضطرار أو الحرج أو تلف الموضوع كان مقارنا لحدوث الحكم أو سابقا على حدوث الحكم، فهنا المورد من موارد الشك في الثبوت، لأن القد وهو الاضطرار أو الحرج أو التلف سابق أو مقارن.
وأما إذا افترضنا ان القيد لاحق زمانا: _بمعنى ان الحكم بعد فعليته وتنجزه تلف موضوعه، أو بعد فعليته وتنجزه اضطر الى ارتكاب موضوعه_، فحينئذٍ بناء على ذلك: هذا لا يسقط المنجزية، في العلم التفصيلي فضلا عن العلم الاجمالي، وذلك: لأنه حكم العقل ان مجرد فعلية الحكم وتنجزه في زمان كاف لقاعدة الاشتغال وهي «ان الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني» متى ما صار فعليا متنجزاً في زمان صار موضوعا لقاعدة الاشتغال والاستصحاب. فلو تلف الموضوع أو اضطر اليه بعد ان صار الحكم فعليا متنجزا في زمان فهذا لا يعفي المكلف من الامتثال والادانة، ولو انتظر الى ان يضطر الو يتلف كان عاصياً. لأجل ذلك يقال:
بما أن فعلية الحكم وتنجزه في زمان ما موضوع لقاعدة الاشتغال أو الاستصحاب فمتى ما وقع الشك في حصول الاضطرار أو في حصول التلف أو في حصول الحرج كان حكم العقل باقيا وهو ان الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.
في العلم التفصيلي كالعلم الإجمالي، مثلا: إذا علم تفصيلا بحرمة هذه المائع لنجاسته وغصبيته وشك في تلفه أو شك في الاضطرار اليه أو شك في أن ترك ان تركه حرج أم لا؟ كل هذا لا يرفع حكم العقل بأن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، بمعنى أنه متى اشتغلت ذمتك حدوثا بهذا التكليف كان مقتضى ذلك بقاءه ما لم تحرز ان نفس موضوع التكليف هو الذي طرأ عليه الاضطرار أو الحرج.
وكذلك الامر في العلم الاجمالي، فاذا علم اجمالا بانه اما الماء نجس أو الحليب نجس، وهو مضطر لشرب الماء دون الحليب، فحيث انه قد اصبح الحكم فعليا متنجزا قبل الاضطرار، مقتضى حكم العقل بأن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني بقاء المنجزية بقاء المنجزية ما لم تحرز ان نفس موضوع التكلف هو الذي طرأ عليه الاضطرار. لذلك ما ذهب اليه صاحب الكفاية «قده»: من التفصيل بين التلف والاضطرار بدعوى بقاء المنجزية في فرض التلف دون فرض الاضطرار غير صناعي. كما نبّه عليه هو في الكفاية.
المطلب الثاني: ذكر سيد المنتقى «قده» بأن مفاد أصالة الطهارة، مثلاً: طهارات عديد بعدد آنات الشك لان موضوع الطهارة: الشك الفعلي لا الشك الماضي ولا الشك المستقبلي، وبما ان الشك الفعلي متعدد بعدد الآنات ففي كل آن شك فعلي ففي كل آن طهارة ظاهرية، فاصالة الطهارة متعدد تطبيقاً اي في كل آن تطبيق جديد لأصالة الطهارة، ومقتضى ذلك: أن اصالة الطهارة لا يعالج شكّاً ماضياً في النجاسة ولا يعالج شكّاً مستقبليا في النجاسة، وإنما يعالج شكا فعليا. وبناء على ذلك: نقول: إذا علم اجمالا بنجاسة احد المائعين ثم اضطر لشرب الماء منهما، الماء أو الحليب، فحينئذٍ يقول السيد «قده»: قبل حصول الاضطرار كان الاصل متعارض، اي كانت اصالة الطهارة في الطرف المضطر اليه معارض لاصالة الطهارة في الطرف الثاني، أي اصال الطهارة في الماء معارض لأصالة الطهارة في الحليب. بلحاظ ان كلا منهما يعالج الشك الفعلي الذي هو موضوعه.
وأما بعد حصول الاضطرار الى شرب الماء: فإن اصالة الطهارة في الطرف المضطر اليه تسقط، إذ لا شك في حليته، وتبقى أصالة الطهارة في الحليب بلا معارض، إذ أصالة الطهارة في الماء قبل حصول الاضطرار لا تعارض أصالة الطهارة في الحليب بعد حصول الاضطرار، لأن كلاً منهما يعالج شكا فعليا في ظرفه، فلم يتواردا على شك فعلي في زمن واحد كي يتعارضا. وبالتالي: فينحل العلم الاجمالي عن المنجزية بلحاظ مرحلة ما بعد الاضطرار.
ويلاحظ على المطلب: النقض والحل:
أما النقض: فقد ذهب «قده» الى ان الملكية ملك واحد مستمر بحسب الزمان لا أن هناك ملكيات عديدة بعدد آنات الزمان، بخلاف الطهارة، فإن مفادها طهارات ظاهراية بعدد آنات الشك. وحينئذٍ يقال: بانه إذا وجدنا سلعة بيد شخص ولا ندري انها له، فبما أن موضوع الحكم بالملكية هو عدم العلم بالخلاف وعدم العلم بالخلاف يتعدد بتعدد الآنات ففي كل آن لنا ملكية، فهناك ملكيات عديدة الى يوم يبعثون باعتبار ان موضوع الحكم بالملكية هو عدم العلم بالخلاف وعدم العلم متعدد في كل آن يوجد عندنا فرد من عدم العلم بالخلاف الى يوم يبعثون، وهذا مما لا يقوله به.
وأما الحل: فلأن موضوع الطهارة المشكوك لا الشك، لأن الطهارة وصف والموصوف بها هو المشكوك وليس الشك، وانما الشك وانما الشك حيثية تعليلية لاتصاف الشيء المشكوك بالطهارة، أو الحلية أو البراءة، ولذلك قال في الحديث: «كل شيء لك نظيف حتى تعلم انه قذر» أو كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام»، فموضوع الحكم بالطهارة أو الحلية المشكوك بعلة حصول الشك وليس الشك وليس الشك، والمفروض أن المشكوك امر واحد وهو هذا المائع أو هذا الاناء. كما قلنا في الملكية هذه السلعة مشكوك هذه السلعة لم يعلم الملكية بالخلاف.
إذاً فبما ان موضوع الاصل: المشكوك لا الشكن والمشكوك واحد فلا محالة الطهارة الظهارة والحلية الظاهرية حكم واحد مستمر حتى يعلم الخلاف، بأن يحصل منجس أو محرّم أو ما اشبه ذلك. وبناء عليه: فأصالة الطهارة كما تعالج الشك الفعلي تعالج الشك المستقبلي، فيقال: هذا الشيء طاهر إن شككت فيه فعلا، وطاهر ان شككت فيه مستقبلا، فهي كما تعالج الشك الفعلي تعالج الشك المستقبلي، لأجل ذلك: فإن اصالة الطهارة في الطرف المضطر اليه قبل حصول الاضطرار تعارض اصالة الطهارة في الطرف الآخر. بعد حصول الاضطرار، اي من الآن وقبل حصول الاضطرار نقول: اصالة الطهارة في الماء الآن تعارض اصالة الطهارة في الحليب بعد حصول الاضطرار.
ثانياً: يرد عليهم نقض: من ان كلامهم اخص من المدعى، فلو علم انسان اما بنجاسة الماء اليوم أو نجاسة الحليب غداً، ثم طرأ الاضطرار على هذا الماء اليوم وقبل حصل غد، فقبل حصول الاضطرار لشرب الماء الم يكن هناك تعارض بين اصالة الطهارة في الماء اليوم واصالة الطهارة في الحليب غدا، لان طرف العلم الاجمالي ليس نجاسة الحليب اليوم بل نجاسته غداً، فكيف يعالج في مثل هذا الفرع؟
إذا كنا نبني أن لا تعارض الا بلحاظ الشك الفعلي؟ فكيف بنينا على مجزية العلم الاجمالي في مثل هذا الفرع. وهو: ما إذا علم اجمالا اما بنجاسة الماء اليوم أو نجاسة الحليب غدا وقد اضطر لشرب الماء اليوم بعد تنجز العلم الاجمالي؟!.
فإن قلت: بأن مقتضى إطلاق دليل اصالة الطهارة جريانه إلا في المقدار الذي علم تخصيصاً، فأصالة الطهارة دليل عام «كل شيء لك نظيف»، يجري في هذا الاناء يجري في ذاك الاناء في الزمن الحالي في الزمن المستقبلي. ثم حصل العلم بالنجاسة، بأن علمنا اما بنجاسة الماء أو نجاسة الحليب، قطعا اصالة الطهارة حصل لها مخصص، لكن المخصص دار بين الاقل والاكثر، اي لا ندري ان الذي خرج عن عموم اصالة الطهارة هو جريان اصالة الطهارة في الماء في زمن ما قبل الاضطرار أو يشمل زمن ما بعد حصول الاضطرار بلحاظ الطرف غير المضطر اليه؟ فالشك في دائرة التخصيص. فحيث ان المخصص دار امره بين الاقل والاكثر هل ان الخارج عن عموم «كل شيء لك نظيف» خصوص كل فترة ما بعد الاضطرار أو يشمل ما بعدها؟ فنتمسك ب «كل شيء لك نظيف» يعني بالعموم، لنفي التخصيص الزائد، فتجري اصالة الطهارة في الحليب لما بعد حصول الاضطرار الى الماء.
إن قلت: وهذا الكلام الذي ذكره سيد المنتقى هو ذكره السيد الخوئي في «الدراسات، ص230» في مناقشته للمحقق النائيني «قده» وذكر هذا الإشكال: بأنه يعود المقام للشك في مقدار المخصص وانه دائر بين الاقل والأكثر.
والجواب: بأنه إذا دار الامر في التخصيص بين الأقل والاكثر اقتصر على المقدار المتيقن من التخصيص وتمسك بأصالة العموم في نفس التخصيص بالأكثر. هذا صحيح ومقتضى القاعدة. أما في مثل موارد العلم الإجمالي فالمدعى هو انصراف الدليل عن الشمول لمورد العلم الاجمالي اما لارتكاز المناقضة وما لاستلزام الترخيص في المعصية وما شالك ذلك من نكات الانصراف، والانصراف لا يرتفع بأن نجزا الموضوع ونقوم بتبعيضه ونقول: هذا المقدار علمنا بخروجه عن اصالة العموم وهو ما قبل حصول الاضطرار، وهذا المقدار نشك في خروجه عن عموم اصالة الطهارة وهو ما بعد الاضطرار، فإن هذا التبعيض لا يثبت لدليل اصالة الطهارة ظهوراً بحيث يشمل الطرفين ما بعد حصول الاضطرار، فالمشكلة في الظهور في الشمول، فإذا كان دليل الاصل قد انصرف بمجرد حصول العلم الاجمالي فعوده للظهور بعد حصول الاضطرار يحتاج الى قرينة، وهذا التبعيض والتحليل لا يحتاج ظهوراً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo