< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

37/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

وصل الكلام على الصورة الثانية: وهي: ما إذا حصل الاضطرار بعد فعلية التكليف وقبل حصول العلم الاجمالي، وبيان ذلك: إذا افترضنا ان قطرة بول وقعت في إناء في علم الله، وبعد ان وقعت قطرة البول في إناء من الإناءين اضطر المكلف لشرب الماء من أحد الإناءين، كما إذا افترضنا أن أحدهما ذو ماء والآخر ذو حليب. فهو مضطر لشرب الماء منهما، وبعد أن اضطر لشرب الماء منهما حصل له العلم بأن قطرة بول وقعت في أحد الإناءين قبل أن يضطر لشرب الماء، فالوقوع حصل قبل الاضطرار، والاضطرار حصل قبل حصول العلم الاجمالي بوقوع القطرة في أحد الإناءين. فهنا في مثل هذه الصورة هل يتنجز العلم الاجمالي في الطرف الثاني وهو الطرف غير المضطر اليه الا وهو الحليب مثلا أم لا؟.
قد اختلف كلام المحقق النائيني «قده» في دورتين من أصوله: الدورة الأولى: بنى فيها على المنجزية. والدورة الثانية: بنى على عدم المنجزية.
فبالنسبة الى ما افاده في الدورة الأولى: من البناء على المنجزية، وجهه: بأن المقام من قبيل الشك في سقوط التكليف بعد احرازه، وبيان ذلك:
أن المنجزية أثر للعلم على نحو الموضوعية؟ أم أثر للعلم على نحو الطريقية؟.
فأفاد: بأن المنجزية أثر للعلم بما هو طريق على الواقع لا بما هو علم وصفة خاصة، فبما أن المنجزية أثر للعلم بما هو طريق وانكشاف لا بما هو صفة خاصة، إذاً فالمدار على المعلوم لا على العلم، لأن العلم مجرد طريق، فالمتنجز هو المعلوم لا العلم، وبما أن المعلوم سابق زماناً لأن المعلوم هو وقوع قطرة بول في أحد الإناءين قبل الاضطرار، إذاً هذه النجاسة تنجزت قبل حصول الاضطرار، إذ المدار على المعلوم لا على العلم فالعلم مجرد طريق ليس إلا. ولأجل ذلك نقول حصل يقين بتنجز تكليف قبل الاضطرار وحينئذٍ: يبقى هذا التنجز إما بقاعدة الاشتغال أو بالاستصحاب، فهنا طريقان بالنسبة للتنجز اما قاعدة الاشتغال أو الاجتهاد. فيقال: بما ان لدينا تكليف بتنجز التكليف قبل الاضطرار ونشك بسقوطه بعد الاضطرار فمقتضى قاعدة الاشتغال هو المنجزية، إذ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.
هذا بالنسبة لقاعدة الاشتغال.
وأجاب المحقق «قده» في دورته اللاحقة عن هذا التصوير: فقال:
أولاً: ليست المنجزية أثراً للعلم على نحو الطريقية، بل أثر للعلم على نحو الموضوعية، وبيان ذلك:
هناك فرق بين نسبة العلم الى معلومه، يعني متعلقه، ونسبة العلم الى المنجزية، الى اثره، فإذا لاحظنا النسبة بين العلم ومتعلقه: كما إذا علمت بقيام زيد أو علمت بعدالة بكر، كان العلم بالنسبة لمتعلقه مجرد كاشف وطريق، وهذا واضح، لذلك نقول: ثبوت المعلوم بالعلم لا لكون العلم صفة بل لكون العلم طريقا، واما إذا لاحظنا النسبة بين العلم والمنجزية، اي بين العلم وحكم العقل بلزوم الامتثال والجري كان العلم موضوعا لا ان العلم مجرد طريق، فهو موضوع يترتب عليه حكم، غاية الامر أن الحكم عقلي وليس شرعي وهو المنجزية، فالعلم لوحظ موضوعيا لا طريقيا بالنسبة الى المنجزية، إذاً ليس المتنجز هو ذات المعلوم، كي يقال بأن المعلوم متقدم على الاضطرار بل المتنجز هو المعلوم بما هو معلوم يعني العلم جزء من المتنجز، وبما أن المعلوم ما هو معلوم متأخر عن الاضطرار وليس متقدماً إذاً ليس لدينا يقين بتنجز التكليف قبل الاضطرار.
ثانياً: إن متنجزية العلم الاجمالي دائراً مدار تعارض الاصول في أطرافه، والاصول غير متعارضة، إذ اصالة البراءة عن حرمة الشرب لا تجري في الماء قطعاً لأنه مضطر الى شربه، ومع اضطراره لشربه فهو قاطع بحليته، فلا معنى لاثبات الحلية بالبراءة فهو قاطع بالحلية، اذاً لا تجري اصالة البراءة في طرف الماء، فتجري في طرف الحليب بلا معارض، ومتى جرى الاصل في أحد طرفي العلم الاجمالي بلا معارض انحل العلم الاجمالي.
فالنتيجة: أن ليس لدينا يقين بتكليف متنجز اصلاً، إذ لو كانت النجاسة في طرف الماء فلم يثبت تكليف من الأصل، وإن كانت النجاسة في طرف الحليب فالتكليف ما زال موجوداً، فليس لدينا يقين بالتكليف وشك في السقوط كي يكون مجرى لقاعدة الاشتغال، إذ لم نتيقن من تنجزه من الاصل إذ لعله هو الطرف المضطر اليه، مضافا الى جريان اصالة البراءة في احد الطرفين بلا معارض.
هذا بالنسبة لقاعدة الاشتغال.
وأما بالنسبة للاستصحاب: فقد يقال: نستصحب جامع التكليف، إذ لدينا يقين بثبوت تكليف وهو: اجتنب النجس، ولا ندري اننا بعد اضطرارنا لشرب الماء هل ارتفع اجتنب النجس؟ أم لا؟. فنستصحب بقاءه من اجل اثبات تنجز التكليف لطرف الحليب.
وقد أجيب عن هذا الاستصحاب بوجوه:
الوجه الاول: بأن هذا من قبيل استصحاب الجامع بين ما لا يقبل التنجيز وما يقبله، والجامع بين ما لا وبين ما، بيان ذلك بالمثال: بعد أن مات زيد علم بوجود اكرام احد الفردين اما زيد واما عمر، فبما أنه علم اجمالاً بوجوب اكرام احد الرجلين اما زيد واما عمر الا ان زيد مات قبل ان يحصل له هذا العلم الاجمالي، فلا معنى حينئذٍ للمنجزية بأن يقول: علمت اجمالا بتكليف الا وهو أكرم احد الرجلين، ولا ادري أنه زيد الذي مات أو عمر؟ فإن هذا العلم الاجمالي بوجوب اكرام احدهما المعين علم غير منجز، والسر في انه غير منجز: أنه علم بجامع بين ما يقبل التنجيز لو كان الواجب اكرام عمر الباقي على قيد الحياة، وما لا يقبل التنجيز لو كان الواجب اكرامه هو زيد الذي دفن، فبما أنه علم بالجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله فهذا الجامع بنظر العقل غير منجز.
هذا في العلم بالجامع، فكيف باستصحابه؟!، ومحل كلامنا لا يوجد علم بل يوجد استصحاب، لانه يقول: هناك تكليف قبل الاضطرار باجتنب النجس، بعد ان حصل الاضطرار لشرب الماء منهما لا ادري هل هذا الجامع وهو اجتنب النجس ما زال باقيا أم لا؟ فاستصحب بقاءه.
فالجواب: إن المستصحب جامع بين ما يقبل التنجز لو كانت النجاسة في الحليب، وبين ما لا يقبل لو كانت النجاسة في الماء، لانه اضطر لشرب الماء فشربه، فلو كان هناك علم بهذا الجامع لم يكن متنجزاً فكيف إذا ثبت هذا الجامع بالاستصحاب؟!.
إذاً الصحيح: عدم جريان هذا الاستصحاب إذ لا اثر له.
الوجه الثاني: ما ذكره سيدنا الخوئي «قده» في «الدراسات»: من ان استصحاب الجامع محكوم باستصحاب عدم الفرد الطويل. بيان ذلك بالمثال:
من كان محدثاً بالأصغر وحصل لديه بلل مشتبه، كما لو فرضنا أنه جلس من النوم فهو محدث بالاصغر ورأى بللاً مردداً بين البول والمني احدهما لا محالة، فقام وتوضأ ولا يدري ان الوضوء رفع الحدث أم لم يرفع؟ فالمتصور هنا: أن يجري استصحاب كلّي الحدث، لأنه بحدوث البلل تحقق كلي الحدث، اما حدث اصغر لو كان بولا أو كان اكبر لو كان منياً.
فقطعا حصل كلي الحدث بحدوث هذا البلل، فإن كان اصغر فقد ارتفع بالوضوء، وإن كان أكبر فهو كا زال باقياً فنشك في بقاء الحدث فنستصحب كلي الحدث.
فأجابوا عنه في محل الكلام: بأن استصحاب الكلي محكوم باستصحاب عدم الفرد الطويل، اي ان الشك في بقاء كلي الحدث مسبب عن الشك في حدوث الجنابة إذ لو كان الحادث هو البول لكان مرتفعا بالوضوء، اذاً الشك في بقاءه مسبب عن ان الحادث هو المني أو لا، فنستصحب عدم حدوث المني، فاستصحاب عدم حدوث المني حاكم على استصحاب كلي الحدث.
هذا ما يعبر عنه بأن استصحاب عدم الفرد الطويل _الحدث الأكبر_ حاكم على استصحاب بقاء الجامع.
فكما قيل بهذا في تلك المسألة، يقال بذلك في هذه المسألة. فيقال: حصل لدينا علم بكلي النجاسة، ولا ندري هل هي في الماء أم في الحليب، فإن كانت في الماء فقد ارتفع التكليف باجتنابها بالاضطرار، وان كانت في الحليب فهي باقية فستصحب بقاءها، لكن بما ان الشك في بقاء النجاسة مسبب عن الشك في حدوثها في الحليب إذ لو كانت في الماء لكانت قد ارتفعت، فالشك في بقاء النجاسة مسبب عن الشك في حدوثها في الحليب، إذاً استصحاب عدم حدوثها في الحليب حاكم على استصحاب بقاء الجامع وهو كلّي النجاسة فلا مانع حينئذٍ من شرب الحليب بعد شرب الماء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo