< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

37/02/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

ما زال الكلام في الاضطرار الى أحد أطراف العلم الإجمالي، وقلنا: بأن البحث في مقامين: في الاضطرار الى طرف معين، والاضطرار الى طرف لا بعينه.
أمّا المقام الأول: وهو الاضطرار الى طرف معين. ففيه صور ثلاث: لأن الاضطرار، تارة: يكون قبل فعلية التكليف. وأخرى: يكون بعد فعلية التكليف وقبل حصول العلم الاجمالي. وثالثة: بعد فعلية التكليف وبعد العلم الاجمالي. فهنا ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يكون الاضطرار الى المعين قبل فعلية التكليف كما لو كان لدى المكلف ماءان، ماء عذب وماء مالح. فتارة يضطر الى شرب الماء العذب لرفع عطشته وبعد اضطراره لشرب الماء العذب برفع عطشه وقعت نجاسة في أحد الماءين، فالاضطرار قبل فعلية التكليف، اي قبل وقوع النجاسة في أحد الماءين. وتارة يكون الاضطرار بعد فعلية التكليف وقبل حصول العلم الاجمالي. مثلاً: علم بنجاسة الإناء الايمن، وبعد أن علم بنجاسة الإناء الايمن التكليف فعلي، واضطر لشرب الماء العذب من هذين الاناءين، ثم بدل شخص كل من الاناءين مكان الآخر، فحصل له علم اجمالي بنجاسة احدهما، فالتكليف فعلي من الاول، لأنه وقعت نجاسة في أحد الإناءين بعد ذلك اضطر لشرب الماء العذب منهما ثم نتيجة تبديل أحد الإناءين مكان الآخر حصل له علم اجمالي بالتكليف، فالاضطرار صحيح بعد فعلية التكليف ولكنه قبل حصول العلم الاجمالي.
وتارة: يحصل له العلم الاجمالي بنجاسة أحد الماءين وبعد أن حصل له العلم الإجمالي بنجاسة أحد الماءين اضطر لشرب الماء العذب منهما. فهنا صور ثلاث.
وكلامنا في الصورة الأولى: اي: ما لو اضطر لشرب الماء العذب ثم وقعت نجاسة في أحد الماءين، فالاضطرار قبل فعلية التكليف قبل وقوع النجاسة. وذكرنا سابقاً: أن الصحيح أن العلم الاجمالي ليس منجزاً في المقام، لأن التكليف إن كان في الماء العذب اي ان النجاسة إن كانت في الماء العذب فهي ليست فعلية لانه مضطر الى شربه، وقد رفع عن امتي ما اضطروا اليه. وأما ثبوت النجاسة في الماء المالح فهي مشكوكة، فالتكليف الفعلي بقوله: اجتنب النجس، مشكوك من الأول. إذ لعل النجس هو ما اضطر اليه.
ولكن هناك تصور آخر: يرى أن المورد من موراد الشك في القدرة، ومورد الشك في القدرة مجرى لاصالة الاشتغال لا لأصالة البراءة بالارتكاز العقلائي. بيان ذلك:
لو افترضنا أن التكليف معلوم قبل الاضطرار، كما لو قال المولى: اكرم عالما، على نحو العام البدلي، ودار العالم بين زيد وعمر، وهو مضطر الى ترك اكرام زيد، فهنا: لا إشكال في أن قول المولى: اكرم عالما باقٍ على المنجزية، والسر في ذلك:
ان المكلف علم بتكليف فعلي وهو اكرم عالماً، غاية ما في الباب ان كان العالم هو زيد فهو غير قادر على اكرامه، وان كان العالم هو عمر فهو قادر على اكرامه، فالنتيجة: انه علم بتكليف ويشك في قدرته على امتثاله، والشك في القدرة على الامتثال مجرى لأصالة الاشتغال. فيقال: كما أنه في هذا المثال قلتم بالمنجزية كذلك في محل كلامنا، وهو اجتنب النجس، فإنه نظير أكرم كل عالم، فإذا قال المولى: اكرم كل عالم، لا اكرم عالما، يعني العموم شمولي، فإذا افترضنا أنّ المكلف مضطر لترك اكرام زيد من الأول. ثم صار أحدهما إما زيد أو عمر عالما، فهو ابتداءً مضطر لترك اكرام زيد ولكن بعد اضطراره حصل العلم بأحدهما، الا يستطيع ان يقول: ان كان العالم هو زيد فهو ليس قادرا على امتثاله، إن كان العالم هو عمر فهو قادر على امتثاله، إذاً فالمورد مورد الشك في القدرة. كذلك لدينا: هو مضطر في المقام لشرب الماء العذب ثم وقعت نجاسة في أحد الماءين، بعد ان وقعت نجاسة في أحد الماءين يقول: إن كان النجس العذب فلست قادرا على امتثال اجتنب النجس، وان كان النجس المالح فأنا قادر على امتثاله، فالمورد مورد للشك في القدرة والشك في القدرة مورد لاصالة الاشتغال، فكيف يقال بان العلم الاجمالي غير منجز والحال ان المقام من موارد الشك في القدرة.
الجواب عن ذلك: ذكرنا فيما سبق: انه في العموم الاستغراقي يستظهر العرف أن عنوان الموضوع حيثية تعليلية للتكليف وليست حيثية تقييدية. مثلاً: إذا قال المولى: اكرم كل عالم فظاهر هذا الخطاب ان ثبوت العلم لأي شخص علة في وجوب اكرامه، فالموضوع لوجوب الاكرام نفس الأشخاص زيد، بكر، عمر، وليس الموضوع لوجوب الاكرام عنوان العالم، فمن يجب اكرامه، زيد، بكر، عمر، لكن العلة في وجوب اكرامه انه عالم، لا أن العالم هو الموضوع بل الموضوع نفس زيد وبكر، ولأجل ذلك إذا قال المولى: اكرم كل عالم ينحل هذا الخطاب الى تكاليف عديدة بعدد الافراد، أي كلما درس وصار عالما ثبت له وجوب الإكرام. إذاً هناك تكاليف عديدة بعدد الافراد، لا أنه تكليف واحد، فعليه: إذا علمت ان المولى قال: اكرم كل عالم، وأنا مضطر لترك اكرام زيد من الناس، ثم علمت أن زيداً أو عمر صار عالما لكني مضطر الى ترك اكرام زيد، فهنا لا يكون العلم الاجمالي بان احدهما عالم منجز، لأن ان كان العالم هو زيد فليس واجب الاكرام للاضطرار الى تركه، وان كان العالم هو عمر فهو مشكوك بدواً لأن ثبوت التكليف في حق عمر فرع اتصافه بالعلم واتصافه بالعلم مشكوك، فبما أن العالمية علّة لثبوت التكليف وهي مشكوكة في عمر اذاً التكليف في عمر مشكوك، فليس المقام من موارد الشك في القدرة بعد العلم بالتكليف، بل من موارد الشك في التكليف، فهناك فرق بين أكرم عالماً وأكرم العالم، فإن أكرم عالماً تكليف واحد، فعلي، لا ندري هل اننا قادرون على امتثاله أم لا.؟ فإن كان العالم زيد فنحن لسنا قادرين وان كان عمر فنحن قادرون، فيقال: المورد من موارد الشك في القدرة، للعلم بفعلية التكليف في رتبة سابقة. وأما اكرم كل عالم فلأجل انحلاله الى تكاليف عديدة بعدد الافراد نقول: أن كان زيد عالما له تكليف واذا كان عمر عالما فهناك تكليفان لا تكليف واحد، فالتكليف في زيد لم يكن للاضطرار الى ترك امثاله والتكليف في عمر مشكوك من الاول للشك في كونه عالما، ففرق بين المقامين، العلم بالعام البدلي والعلم بالعام الشمولي.
فتلخّص: أنه اذا حصل الاضطرار الى طرف معين ثم صار التكليف فعلياً في أحد الطرفين فإن العلم الاجمالي بهذا التكليف غير منجز.
لكن سيدنا «قده» في «مصباح الاصول»، قال: ما لم يكن علم إجمالي بالتكليف من جهة أخرى. ومثّل: إذا علم إجمالاً إما بنجاسة هذا الماء أو نجاسة المائع الآخر، يعني لديه مائعان احدهما ماء والآخر حليب وهو مضطر لشرب الماء لرفع عطشه، أو فقل فهو مضطر لشرب من الماء لرفع عطشه وبلّ رمقه، بعد ذلك وقعت نجاسة في أحد المائعين الماء أو الحليب، فقد يقال ان العلم الاجمالي هنا غير منجز، إن كان النجس هوا لماء فهو مضطر وان كان النجس غيره فهو مشكوك بدواً، لكن السيد الخوئي يقول: لكن بلحاظ حرمة الوضوء يوجد علم اجمالي آخر، - أنا اعلم اجمالاً إما يحرم شرب الماء أو يحرم شرب الحليب؟، هذا العلم الاجمالي غير منجز، لأني مضطر لشرب من الماء؛ لكن عندي علم اجمالي آخر إما لا يصح الوضوء بالماء أو يحرم شرب الحليب، لأنه إن كان النجس هو الماء فلا يصح الوضوء به وان كان النجس هو الحليب يحرم شربه، فإن العلم الاجمالي منجز من جهة اخرى.
ولكن هذا المثال الذي ذكره للعلم الاجمالي الذي ذكره من جهة اخرى غير تام على مبناه. لانه اذا علم اما بنجاسة الماء أو نجاسة الحليب فأصالة الطهارة في الحليب تجري بلا معارض لانها لا اثر لها في الماء لانه مضطر الى شربه. فنأتي الى مسألة الوضوء بلحاظ حرمة الشرب: فنقول: اصالة الطهارة في الحليب تتعارض مع اصالة الطهارة في الماء بلحاظ مسألة الوضوء فتتساقطا، لكن تجري اصالة الحل في الحليب من دون أن تجري في الماء إذ لا تجري اصالة الحل بلحاظ الاثر الوضعي وهو الصحة وعدمها، وانما تجري بلحاظ الاثر التكليفي والمفروض ان الاثر التكليفي وهو حرمة الشرب قد سقطت في الماء لأجل الاضطرار، إذاً العلم الاجمالي غير منجز، لا بلحاظ حرمة الشرب لاضطراره لشرب الماء، ولا بلحاظ عدم صحة الوضوء لجريان اصالة الحل في الطرف الآخر الا وهو الحليب بلا معارض حيث لا تجري في الماء لأن أصالة الحل ناظرة للآثار التكليفية دون الوضعية.
هذا تمام الكلام في هذه الصورة. يأتي الكلام في الصورة الثانية. راجع ما ذكره سيدنا في «اجود التقريرات».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo