< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

36/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

ما زال الكلام في تقدم الامارة الاجمالية على دليل الأصل، كما إذا قامت بيّنة على نجاسة أحد الإناءين. فيقال: بأن دليل أصالة الطهارة لا يجري في أيٍّ منهما لقيام هذه البيّنة على نجاسة أحدهما في الجملة.
فما هو وجه تقديم الامارة مع اجمالها على دليل الاصل كأصالة الطهارة؟. وقد ذكرنا وجوهاً.
والوجه الصحيح: هو: تارة ننظر إلى حرمة المخالفة القطعية، واخرى إلى وجوب الموافقة القطعية. فإذا نظرنا إلى حرمة المخالفة القطعية، بمعنى: هل يجري دليل اصالة الطهارة في كليهما أم لا؟ فيقال: لا يجري. والوجه في ذلك: أن أمامنا خطابين مطلقين: خطاب: «كل شيء لك نظيف حتى تعلم انه قذر» ومقتضى اطلاقه شموله لهذين الاناءين معا. وعندنا خطاب: «البيّنة علم». ومقتضى اطلاقه: شموله للبيّنة المجملة التي قامت في البين. ومتى تقابل اطلاقان ولزم من تقديم احدهما على الآخر الغائه، بينما لو قدم الآخر على الاول لم يكن ملغيا له، بل غايته تضييق اطلاقه. فإن الثاني يكون أقوى ظهورا في مورد الاجتماع من الاول. فيقدم عليه بملاك الاظهرية. وهنا: لو قدمنا دليل اصالة الطهارة على دليل حجية الأمارة لألغاها، بينما اذا قدمنا دليل حجية الامارة والمفروض ان مفادها هو نجاسة احدهما لا كليهما. فتقديمها لا يلغي دليل اصالة الطهارة وإنما يقيد سريانه بأن لا يجري في كليهما. فمقتضى ذلك: ان يكون دليل حجية الامارة أقوى ظهورا في مورد الاجتماع من دليل اصالة الطهارة. فيقدم عليه بمناط الأظهرية.
هذا بالنسبة لحرمة المخالفة القطعية.
أما بالنسبة لوجوب الموافقة القطعية: اي: هل أن دليل اصالة الطهارة لا يجري في شيء منهما اصلاً ولو في أحدهما؟.
نقول: على مبنانا في مبحث العلم الاجمالي، تجري في احدهما، لاننا ذكرنا في بحث العلم الاجمالي: انه لو كان عندنا علم بنجاسة أحدهما مع ذلك لا مانع من جريان دليل اصالة الطهارة في احدهما، والوجه في ذلك:
أن دليل أصالة الطهارة له اطلاقان: اطلاق افرادي. واطلاق احوالي.
فالاطلاق الافرادي: مفاده أن كل إناء في حد نفسه مع غمض النظر عن غيره هو مورد لأصالة الطهارة.
والاطلاق الاحوالي مفاده: أن اصالة الطهارة إذا جرت في «أ» جرت فيه وان جرت في «ب». فهي تجري في «أ» حتى على فرض جريانها في «ب». والذي يتعارض مع العلم الاجمالي هو الاطلاق الاحوالي. فإن جريان أصالة الطهارة في «أ» على كل حال يعني وان جرت في «ب» يتنافى مع العلم الاجمالي بنجاسة احدهما. فالنتيجة: أن الساقط من الاطلاقين هو الاطلاق الاحوالي، لمصادمته للعلم الاجمالي بنجاسة احدهما. واما الاطلاق الافرادي فهو سالم، لأن الاطلاق الافرادي لا يتصادم مع العلم الاجمالي بل يقول: هذا نجس في الجملة لا اكثر. والنتيجة: انه مقتضى الاطلاق الافرادي أن تجري اصالة الطهارة في احدهما لا بعينه، لا في كليهما كي تحصل المخالفة القطعية للعلم. فهذا ذكرناه مع وجود علم اجمالي بالنجاسة فكيف مع امارة على نجاسة احدهما في الجملة؟.
إذن تحرم المخالفة القطعية لمفاد الأمارة، لكن لا تجب الموافقة القطعية. تم الكلام في الأمارة الإجمالية.
ويقع الكلام في القسم الثاني: وهو العلم الاجمالي بالامارة. لأننا في مستهل البحث قلنا: تارة: يحصل علم تفصيلي بأمارة مجملة، فالاجمال في الامارة لا في العلم. فأنا علمت تفصيلا بقيام خبر ثقة، الا ان الثقة هو المتردد حيث قال: ما اعلمه نجاسة احدهما ولا اعلم ما هو النجس، وهذا ما مضى البحث عنه.
وتارة: يكون الاجمال في علمنا لا في مفاد الامارة، فخبر الثقة شهد بنجاسة احدهما في احدهما المعين، ولكن نحن خلطنا الاناءين خطئا فحصل لنا الاجمال، فالاجمال في علمنا لا في مفاد خبر الثقة. وهذا ما نريد البحث عنه فعلاً.
فنقول: هنا مسلكان سبق الإيعاز إليهما:
المسلك الاول: ان الاحكام الظاهرية متنافية في فرض الوصول. فلا تنافي بين خبر الثقة وبين اصالة البراءة الا إذا وصلا معاً، وهذا هو المسلك المعروف بين الاصوليين.
المسلك الثاني: مسلك السيد الشهيد «قده»: من أن الاحكام الظاهرية متنافية واقعا وإن لم تصل.
أما على المسلك الأول: من أن الأحكام الظاهرية متقومة بالوصول فلا منافاة بينها قبل الوصول. فوزان العلم الإجمالي بالامارة وزان العلم الاجمالي بالحكم الواقعي. فكما لو علمنا بنجاسة احدهما فالحكم هو الحكم لو علمنا بامارة على نجاسة احدهما، غاية ما في الباب أن الاول علم إجمالي بحكم واقعي، والثاني علم اجمالي بحكم ظاهري وهو حجية امارة في البين. فبما أن وزان العلم الاجمالي بالامارة وزان العلم الاجمالي بالحكم الواقعي فالكلام هو الكلام. حيث ذهب المشهور إلى حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية، وقلنا بالتسليم بالاول دون الثاني.
وأما على المسلك الثاني: وهو مسلك السيد الصدر: من أن الاحكام الظاهرية كالواقعية، متنافية وإن لم تصل. فمعنى ذلك: أن دليل اصالة الحل ودليل اصالة الطهارة من الاساس مقيد بأن لا تكون هناك امارة لانهما متنافيان، فدليل اصالة الحل لا اطلاق له بل هو مقيد من الاساس على ان لا تقوم امارة على الحرمة.
وعلى هذا المسلك: لابّد من التفصيل بين الاصل العرضي والاصل الطولي. فيقال:
إذا قامت أمارة على حرمة أحد هذين الطعامين، امّا لكونه مغصوبا أو ميتة. فأحدهما حرام.
فطعام «أ» هل تجري فيه اصال الحل؟. يقول السيد: لا، لأنّ التمسك بدليل أصالة الحل فيه تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية لموضوعه، لأنّ موضوعه: إذا لم تقم امارة على الحرمة، ونحن لا ندري هل الامارة قامت هنا في «أ» أو قامت في «ب»، فحيث نحتمل قيام الامارة في «أ» إذن لم نحرز موضوع دليل اصالة الحل. فلا يمكن التمسك بهذا الدليل في أي منهما. فسقط الأصل العرضي.
أما الاصل الطولي: اي الاصل في طول وجود امارة. فهو: لا ندري هل قامت امارة على الحرمة في طعام «أ» أم لا؟ نستصحب عدم قيامها، فاستصحاب عدم قيام امارة في طول الشك في وجود امارة أو عدمها لذلك سمي اصلا طولياً. فيقول السيد الشهيد: أن الأصل العرضي ساقط لأنه تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية فلا تجري اصالة الحل في اي من الطرفين. والأصل الطولي وهو استصحاب عدم قيام أمارة ايضا ساقط بالمعارضة. لأن استصحاب عدم قيام امارة في «أ» واستصحاب عدم قيام امارة في «ب» يتصادم مع العلم بقيام امارة على حرمة أحدهما. فالأصل العرضي وهو الأصل الناظر للحكم الواقعي سقط لانها شبهة مصداقية. والاصل الطولي: وهو الاصل الناظر للامارة لا للحكم الواقعي. فالنتيجة: اجتناب كلا الطرفين.
إذن ما هو الفرق في الثمرة العملية بين مسلكه ومسلك الاعلام؟. فإن الاعلام قالوا: إذا قامت امارة على نجاسة احد الاناءين لم يجر الاصل في اي منهما. والسيد الصدر قال: إذا نظرنا إلى العرضي لم يجر، لأن الشبهة مصداقية. وإن نظرنا للأصل الطولي لم يجر في المعارضة.
لكن السيد الشهيد على مسلكه يترتب على كلامه ثمرة في الفرق: وهو: ان على مسلك القوم: العلم الاجمالي ينحل بالخطاب المختص، وعلى مسلكه: لا ينحل لعدم وجود خطاب مختص.
بيان ذلك: إذا حصل علم إجمالي إما بنجاسة الماء أو نجاسة التراب، فقد أفاد الاعلام جميعا ومنهم السيد الشهيد: ان هذا العلم الاجمالي منحل، والسر في ذلك: ان اصالة الطهارة في الماء، معارضة بأصالة الطهارة في التراب وبعد تساقطهما تصل النوبة لاصالة الحل، لكن اصالة الحل تختص بالماء ولا معنى لجريانها في التراب، فينحل العلم الاجمالي بجريان اصالة الحل في الماء دون معارض لانها لا تجري في التراب، ومتى جرى الاصل في احد الطرفين بلا معارض انحل العلم الاجمالي. فيجوز لك تناول الماء. وكذا إذا قامت امارة على نجاسة احدهما اما الماء أو التراب. فإن اصالة الحل توجب انحلال مفاد الأمارة كما أوجبت انحلال العلم الإجمالي.
وأما إذا علمنا اجمالاً بقيام امارة على نجاسة أحد الطرفين: اما الماء، أو التراب، على مسلك السيد الشهيد لا ينحل. لأننا إن نظرنا للأصل العرضي وهو اصالة الطهارة أو أصالة الحل، فكل منهما لا يصح التمسك بدليله لانه تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، لأنّ كلاً منهما قد قيّد دليله بما إذا لم تقم أمارة ونحن نحتمل قيام الأمارة في الماء، فمع احتمال قيام الامارة في الماء لا تنفعنا لا اصالة الطهارة ولا اصالة الحل، لأنّ الشبهة مصداقية. وإذا وصلت النوبة للاصل الطولي فالاصل الطولي عبارة عن الاستصحاب، استصحاب عدم قيام أمارة في الماء، واستصحاب عدم قيام أمارة في التراب، فيتعارضان، للعلم بقيام أمارة على نجاسة أحدهما. والنتيجة هي: أن مفاد الامارة متنجز ولا ينحل بخطاب مختص، كما قلنا في العلم الاجمالي والامارة الاجمالية. إذن ظهرت ثمرة بين مسلك السيد الشهيد فيما إذا علمنا بقيام امارة على نجاسة احدهما، ومسلك من يرى عدم التنافي في الاحكام الظاهرية إلا بعد الوصول.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo