< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

36/12/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

الكلام فعلاً: في مطلب جديد، وهو: مورد قيام الحجّة الإجمالية على الحكم الشرعي. وبيان ذلك:
أنه تارة: يحصل علم بحجة إجمالية، وتارة: يحصل لنا علم إجمالي بالحجة، فهناك فرق بين أن يكون الاجمال في العلم وبين ان يكون الاجمال في الحجة المعلومة، مثلا: تارة: يحصل لنا علم بأن هناك امارة شرعية على الإلزام بأحد الأمرين، إما وجوب صوم يوم الغدير، أو حرمة صوم يوم عاشوراء؛ فلدينا علم اجمالي بحجة، الا ان تلك الحجة في واقعها قامت على أمر معين، لكن ما لاندري عنه ما هو؟ هل قامت تلك الحجة الشرعية على وجوب صوم يوم الغدير؟ أو قامت تلك الحجة على حرمة صوم عاشوراء؟ فالاجمال في علمنا في الحجة القائمة. وهذا من موارد العلم الاجمالي.
وتارة: يقع الاجمال في مفاد الحجة بنفسها، اي وجدنا إمارة شرعية ولها مضمون معين واضح، وهذا المضمون هو الاجمال، اي ان مضمون الامارة الشرعية وجوب صوم يوم الغدير أو حرمة صوم عاشوراء، فمضمونها مجمل لا ان الاجمال في علمنا، نحن نعلم تفصيلا وليس اجمالاً، فما عندنا علم تفصيلي في حجة الا ان مضمون الحجة مردد بين امرين: هل وجوب صوم يوم الغدير أم هو حرمة صوم عاشوراء، إذاً هنا مقامان للبحث:
المقام الاول: ما إذا حصل علم تفصيلي بحجة اجمالية فالاجمال في الحجة نفسها، بأن علمنا بوجود خبر ثقة لكن لاندري هل مفاده وجوب قضاء الصوم على من ترك صوم رمضان لمرض أو ان مفاده الفدية. نحن ندري ان هناك امار شرعية في تحديد وظيفة من ترك صوم رمضان لمرض ولكن لان ندري مفاد هذه الامارة، هل هو وجوب قضاء ذلك الصوم؟ أم أن مفادها وجوب أداء الفدية؟.
والبحث في هذا المقام مع الالتفات لأمرين:
الأمر الأول: أن لا يوجد علم اجمالي بالحكم، والا لدخلت المسالة في العلم الاجمالي لا في الحجة الاجمالية، إذ لو علمنا اجمالا مع غمض النظر عن الامارة نفسها بأن من ترك صوم رمضان لمرض فإما ان يجب عليه القضاء أو يجب عليه الفدية دخلت المسالة في باب منجزية العلم الاجمالي، فلابد ان نفترض أن محل الكلام ليس فيه علم اجمالي، اي أن المكلف يحتمل التخيير اصلا أو يحتمل شقا ثالثا، بأن يقول: ان لا ادري عن وظيفة من ترك صوم رمضان عن مرض، لعل الوظيفة ان يقضي، لعل الوظيفة ان يفدي، لعل الوظيفة ان يتصدق؟! فليس لدي علم اجمالي وانما لأنّ الامارة الشرعية قامت على أنه إما أنه أما ان يقضي أو يفدي؟ دار الأمر بينهما، والا فأنا ليس لدي علم اجمالي بالحكم. ولذلك: تعرض لهذا الفرع السيد الاستاذ «دام ظله» في «منهاج الصالحين بحث الاجتهاد والتقليد»: إذا اختلف المجتهدان في الفتوى مع عدم احراز اعلمية احدهما، وفرضنا ان لا يوجد مرجح آخر ككون أحدهما اورع في مجال الافتاء مثلاً. فهنا في مثل هذا الفرض صور ثلاث:
الصورة الاولى: تارة: يوجد لدى المكلف علم اجمالي بالوظيفة مع غمض النظر عن اختلافهما في الفتوى، كما لو فرضنا ان من يسافر عن وطنه لمدة سنة واحدة لأجل الدراسة مثلا هل وظيفته القصر إذا لم يقم عشرة ايام أم ان وظيفته التمام؟ لا ندري. فافتى احد الفقيهين بتعين التمام وافتى الاخر بتعين القصر، فهنا لدى المكلف علم اجمالي بالحكم مع غمض النظر عن اختلاف الفتوى. وهو ان وظيفة هذا الشخص اما التمام أو القصر، فمع وجود اجمالي تتنجز الوظيفة في حقه فهو مطالب بالقصر والتمام، من باب منجزية العلم الاجمالي مع غمض النظر عن اختلاف الفقيهين.
الصورة الثانية: ان لا يكون هناك علم اجمالي بالحكم، لكن هناك حجة اجمالية على الالزام، كما اذا اختلف الفقيهان، فقال احدهما: تجب صلاة الجمعة في ظهر يوم الجمعة تعيينا، وقال الاخر: تجب صلاة الظهر يوم الجمعة في ظهر يوم الجمعة تعيينا. فأنا المكلف لو خليت من دون هاتين الفتويين لم يكن لدي علم اجمالي بالحكم، لأنني احتمل التخيير بينهما، لعلي في الواقع مخير بين الجمعة والظهر، كما ذهب إلى ذلك سيدنا الخوئي بأن الوظيفة هي الوجوب التخيري. فأنا مع غمض النظر عن هاتيين الفتويين لا يوجد عندي علم اجمالي حتى يكون من باب منجزية العلم الاجمالي. وإنما لأن صاحب الحدائق «قده» افتى بتعين الجمعة، والسيد الحكيم افتى بعدم مشروعية الجمعة في عصر الغيبة وان المتعين الظهر، ولا يوجد لدي غير هذه الفقيهين مثلا، لذلك فهذان الفقيهان مع اختلافهما فيما هو المتعين لكنهما اتفقا على عدم التخيير، إذاً فقد قامت حجة اجمالي على عدم التخيير فأنا لست مخيراً بين الظهر والجمعة بل يتعين علي احدهما. ففي هذه الصورة لا يوجد علم اجمالي ولكن توجد حجة شرعية: اما بتعين الظهر أو بتعين الجمعة ولا مجال للتخير. وهذا هو محل بحثنا.
الصورة الثالثة: أن لا يكون هناك علم اجمالي ولا حجة اجمالية على الالزام. كما إذا اختلفت فتواهما بين الالزام والاباحة لا بين الالزامين، أو كان طرف ثالث يفتي بالترخيص، فإذا افترضنا ان هذين الفقيهين مختلفان هل ان العصر العنبي بعد غليانه قبل ذهاب ثلثيه هل هو محرم أو مباح، فليس الاختلاف بين الزامين، بل بين الزام واباحة، ففي مثل هذا المورد لا علم إجمالي بالحكم ولا حجة إجمالية على الإلزام، بل احتمل الاباحة لوجود فتوى بالاباحة.
او كان الفقهاء اكثر من اثنين، فبعض يفتي بتعين الجمعة واخر يفتي بتعين الظهر وآخر يفتي بالتخيير، ففي هذا الفرض لا علم اجمالي ولا حجة اجمالية ولم يكن احد الفقيهين مرجحا على الاخر بمرجح يكون المكلف مخيراً بالعمل بفتوى أياً منهم. فالذي نريد أن نقوله: بأن محل كلامنا فيما إذا قامت حجة اجمالية على الحكم.
الأمر الثاني: ليس البحث في حرمة المخالفة القطعية، إذ لا كلام في أنّه إذا قامت امارة شرعية على أنّ الوظيفة إما تعين الظهر أو تعين الجمعة أو قامت امارة شرعية على ان الوظيفة اما وجوب قضاء صوم رمضان على من افطر لمرض أو وجوب الفدية بعد ان قام بالامارة الشرعية قطعا لا يجوز ترك كليهما فإن ذلك الغاء لحجية الامارة، وهذا ليس محل البحث، إنّما محل البحث في وجوب الموافقة القطعية وعدمه لا في حرمة المخالفة القطعية، اي أن محل الكلام: بعد قيام الامارة الشرعية على وجوب القضاء أو الفدية: هل أنت ملزماً بالجمع بينهما أم لست ملزما بالجمع؟. فمحلّ الكلام في وجوب الموافقة القطعية لا في حرمة المخالفة القطعية. ولأنّ الكلام في هذا الفرض، فهنا مطلبان:
المطلب الاول: البحث الثبوتي. المطلب الثاني: البحث الاثباتي.
أمّا المطلب الاول: البحث في مقام الثبوت، اي هل يعقل حجية هذه الامارة من جهة وجوب الموافقة القطعية، يعني هل يعقل ان يلزم الشارع في المقام بالجمع بين الامرين بالوجوب والموافقة القطعية أم لا؟.
حيث ذهب بعض المعلقين على بحوث السيد الشهيد: بأن في مقام الثبوت اصلا لا يعقل، والسر في ذلك: ان ما هو المجعول الشرعي؟ هل المجعول الشرعي وجوب الموافقة القطعية من كلا الطرفين بأن يجب عليك الامرين، فمعنى حجية هذه الامارة ان تجمع بين الأمرين. أم أنّ المجعول الشرعي وجوب أحدهما المعين؟ أم ان المجعول الشرعي وجوب احدهما لا بعينه؟. وجميع المحتملات باطل.
أمّا المحتمل الاول: فهو غير معقول، لأنّه أكثر من مفاد الإمارة نفسها، فإن الأمارة ليس مفادها الجمع، وإنما مفادها وجوب احدهما واقعا لكننا لا ندري عنه فالجهل فينا، والا فالامارة واقعا قامت على احدهما المعين اما وجوب القضاء أو وجوب الفدية. فإذا كان مفاد الامارة واقعا هو لزوم احدهما فكيف يكون مفاد حجيتها الجمع بينهما؟. إذ لا يعقل ان يكون معنى حجية الامارة اوسع من مؤداها ومضمونها. بل لازم ذلك ان تكون الامارة اعظم شأناً من العلم الاجمالي. لأننا إذا علمنا اجمالاً من دون وجود امارة إما بوجوب القضاء أو وجوب الفدية، فهذا العلم الإجمالي انما تجب موافقته إذا لم يرخّص الشارع في أحد الطرفين، فحكم العقل بمنجزية العلم الإجمالي بوجوب الجمع بين الطرفين في طول عدم ترخيص الشارع، فلو قلنا في المقام وهو مورد قيام الامارة على وجوب احدهما، بانه يجب شرعا الجمع بينهما اي لا يجري الاصل المرخص في احدهما، صارت الامارة الاجمالية اعظم من العلم الاجمالي، إذ لا اقل في العلم الاجمالي لو جرى الاصل الشرعي احدهما من دون معارض لانحل العلم الاجمالي، بينما هنا في الامارة الاجمالية تقولون بوجوب الجمع بينهما شرعا، يعني لا يجوز اجراء الاصل في احد الطرفين ابداً. هذا غير محتمل.
وأما المحتمل الثاني: وهو: أنّ الواجب أحدهما المعين فهذا ترجيح بلا مرجح، لان مضمون الامارة مردد بينهما.
لا فهو وجوب احدهما بعينه، فإن هذا ليس شيئا ازيد من حرمة المخالفة القطعية الذي هو أمر مفروغ عنه، فاننا فرغنا من الاول بانه لا يجوز ترك كليهما، لانّ في ذلك إلغاءً لحجية الامارة. فحرمة المخالفة القطعية أمر مفروغ عنه، إنّما البحث في وجوب كليهما، فإذا قلتم: معنى حجية الامارة هو وجوب الجامع اي احدهما لا بعينه فهذا هو نفس معنى حرمة المخالفة القطعية وليس شيئا جديدا.
فتحصّل: بلحاظ مقام الثبوت - اي مسالة يعقل أو لا يعقل - لا يعقل جعل حجية لهذه الامارة المردّدة بين واجبين من حيث وجوب الموافقة القطعية.
ولكن قد يجاب عن ذلك: ما هو المحذور في أن يكون المجعول هو المقدار المنجز بالعلم الاجمالي لو كان هناك علم اجمالي. فلو كان لدى المكلف علم اجمالي، بانه: اما يجب علي قضاء صوم رمضان أو يجب علي الفدية. فالسؤال: ما معنى حجية هذا العلم الاجمالي؟.
الجواب: أنّ معنى حجيته انه: أن لم يقم ترخيص شرعي في احد الطرفين فإن الجمع واجب، فوجوب الجمع وجوب تعليقي، هو معلق على عدم ترخيص الشارع في احد الطرفين. فإذا كان هذا هو معنى حجية العلم الاجمالي، فنفس هذا المعنى هو المعقول في جعل الحجية للحجة الاجمالية.
فالمشّرع يمكنه القول: بانه اذا قامت لديك امارة شرعية مرّددة بين طرفين الزاميين، فإنه يجب عليك الجمع بينهما ما لم تحرز ترخيصا في احد الطرفين، فهذا المعنى من الوجوب المعلق على عدم ترخيص الشارع كما هو واجب عقلاً في حال وجوب علم اجمالي هو واجب شرعا فيما إذا قامت حجة اجمالية.
إذاً بلحاظ مقام الثبوت من المعقول جعل الحجية للامارة الاجمالية من حيث وجوب الموافقة القطعية لكن على نحو الوجوب التعليقي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo