< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

36/12/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

ذكرنا فيما مضى: أن هناك تنبيهين: وصل الكلام الى التنبيه الثاني: وهو عبارة عن تطبيقات فقهية عملية بمحث الانحلال. فنذكر تطبيقين فهيين للانحلال، وتطبيقا فقهيا لعدم الانحلال.
فنقول: المسألة الأولى: من كان جنباً وضاق عليه الوقت بصلاة الفجر تفوضأ، ثم لما جاء وقت صلاة الظهرين اغتسل لأجل سعة الوقت، ثم بعد الفراغ من صلاة الظهرين احدث بالاصغر فلزمه الوضوء لصلاة العشاءين فتوضأ. وبعد ان صلى العشاءين علم بخلل في أحد الطهارات الثلاث، إما في تيممه او غسله للظهرين او وضوئه للعشاءين. فهناك خلل في أحد الثلاثة. احد الثلاثة باطل.
إذا لاحظنا الصورة البدوية للعلم الاجمالية، نرى أنه علم اجمالي ثلاثي، إما التيمم باطل، او الغصب باطل، او الوضوء باطل. ولكن إذا تأملنا نجد أن هذا العلم الإجمالي منحل حقيقة بعلم اجمالي اصغر منه، لانه إن كان الغسل للظهرين باطلا فالوضوء للعشاءين باطل، لانه ان كان الغسل للظهرين باطل فهو ما زال جنبا، اذاً وضوءه للعشاءين لغو، فليس هناك علم اجمالي بين الغسل والوضوء، بل متى ما كان الغسل باطلا فالوضوء باطل، ونتيجة هذا: انه حصل لديه علم اجمالي اصغر فهو كان يعلم اجمالا اما ببطلان التيمم او ببطلان الغسل او ببطلان الوضوء، فهو يقول انا اعلم اجمالا اما ببطلان التيمم او ببطلان الوضوء، ان كان التيمم باطلا فالوضوء صحيح، لان الغسل الواقع في الوسط صحيح، إن كان التيمم صحيحا إذاً الوضوء باطل إما لانه هو الباطل هو لان الغسل هو الباطل. فهو يعلم اجمالا اما التيمم باطل او الوضوء باطل، فخرج الغصل عن طرفية العلم الاجمالي، فالعلم الاجمالي الثلاثي اصبح علما اجماليا ثنائين وهذا انحلال حقيقي.
فاذا جئنا الى هذا العلم الاجمالي الصغير، حيث يعلم اجمالاً اما ببطلان التميم او ببطلان الوضوء.
نقول: اما بالنسبة الى الغسل حيث انه خرج عن طرفية العلم الاجمالي صار مشكوكا شكا بدويا، نجري فيه قاعدة الفراغ. الكلام: كيف نعالج هذا العلم الاجمالي، اما التيمم باطل اما الوضوء باطل، هذا كيف نعالجه؟.
هنا صورتان:
الصورة الأولى: أن يحصل هذا قبل انقضاء وقت العشاءين.
الصورة الثانية: ان يحصل له هذا العلم الاجمالي بعد انقضاء وقت العشاءين.
اما الصورة الأولى: وقت العشاءين ما زال باقيا، بعد ان صلى العشاءين، يقول: لا ادري تيممي للفجر باطل او وضوئي لصلاة العشائين باطل؟!، جريان قاعدة الفراغ في التيمم لتصحيحه معارض بجريان قاعدة الفراغ للوضوء لتصحيحه. لا يوجد انحلال حقيقي، لكن يوجد انحلال حكمي، وهو ان السيد الصدر يقول: إذا كان في احد الطرفين خطاب مختص فإن العلم الاجمالي ينحل به حكماً.
هذا السؤال نوجه أليكم الآن. أعلم اجمالا اما ببطلان التيمم او ببطلان الوضوء، قاعدة الفراغ في التيمم معارضة بقاعدة الفراغ في الوضوء.
ما هو الاصل المختص هنا بأحد الطرفين بحيث يجري فيه بلا معارض وينحل العلم الاجمالي حكماً؟؟؟.
فهو في هذا المثال يقول: إما التيمم للفجر باطل او الوضوء للعشاءين باطل، قاعدة الفراغ تتعارض فيهما، تصل النوبة في التيمم الى خطاب مختص، يعني لا يجري في الوضوء الا وهو قاعدة الحيلولة او هو اصالةا البراءة عن وجوب القضاء، لان العشائين وقتهما ما زال باقيا، فلا تجري فيهما أصالة البراءة عن وجوب القضاء ولا قاعدة الحيلولة، فتجري شاصالة البراءة عن وجوب القضاء او قاعدة الحيلولة بالنسبة الى التيمم بالنسبة الى صلاة الفجر بلا معارض، فينحل العلم الاجمالي حكماً.
إما إذا حصل له هذا العلم الاجمالي بعد انقضاء وقت العشائين فالعلم الاجمالي حينئذ منجز، لان قاعدة الفراغ في التيمم تعارض قاعدة الفراغ في الوضوء، أصالة البراءة عن وجوب القضاء في التيمم تعارض أصالة البراءة عن وجوب القضاء في الوضوء وهكذا. فلا يوجد لأحدهما خطاب مختص حتى يتحقق الانحلال الحكمي.
الفرع الثاني: نذكر فرعاً لعدم الانحلال. استفتي شيخنا الاستاذ «قده» كما في «صراط النجاة»: رجل طلّق زوجته ثم عقد على اخرى وبعد ذلك حصل لديه علم اجمالي ببطلان احدهما _اما الطلاق باطل او العقد باطل_.
فأجاب «قده»: ان قاعدة الفراغ في الطلاق تعارض قاعدة الفراغ في العقد، - لا يدري الطلاق باطل ام العقد باطل، قاعدة الفراغ لتصحيح الطلاق معارضة بقاعدة الفراغ لتصحيح العقد_ ثم قال: وتصل النوبة في الطلاق الى أصل يختص به وهو استصحاب بقاء الزوجية. بينما في العقد على الاخرى يشك في حصول الزوجية فيجري استصحاب عدم الزوجية.
إذاً فزوجته الأولى مثلا يشك في انقضاء الزوجية، فيستصحب بقائها، في الثانية: لا يدري انه عقد عليها ام لا؟ يستصحب عدم الزوجية، النتيجة: انحل العلم الاجمالي حكماً، _يعلم أما ببطلان الطلاق او العقد_، لاستصحاب بقاء الزوجية في الأولى واستصحاب العدم في الثانية، بالنتيجة: يجب عليه الانفاق في الأولى دون الثانية.
اعترضنا عليه:
بأن المورد ليس من موارد الانحلال. والسر في ذلك: ان هذه المكلف يعلم جزما ان التفكيك بين الزوجتين مخالف للواقع. بأن تكون زوجية احداهما باقية غير الأخرى هذا مخالف للواقع جزماً، لان هذا المكلف يعلم إن كان الطلاق باطلاً فكلاهما زوجتان، لانه اذا الطلاق باطل فالعقد صحيح فكلاهما زوجتان. واذا الطلاق صحيح فالعقد باطل فكلاهما ليبس بزوجة. فاذا هو يعلم تفصيلا بان التفكيك مخالف للواقع، اما كلاهما زوجة او كلاهما ليس بزوجة. أما التفكيك بان نبني على زوجية الاولى وعدم زوجية الثانية، هذا التفكيك مخالف للواقع جزما، إذاً انحل العلم الاجمالي بعلم تفصيلي بان التفكيك بين هذين المرأتين في الزوجية مخالفة للواقع. ونتيجة هذا العلم التفصيلي: أنه احد الاستصحابين كاذب لا محالة، إما استصحاب بقاء زوجية الأولى او استصحاب عدم زوجية الثانية. فبما أن أحد الاستصحابين باطل اذاً تشكل لديه علم اجمالي اما يحرم الاستمتاع بالأولى أو يجب الأنفاق على الثانية. إن كان الطلاق صحيحا حرم عليه الاستمتاع في الاولى. وان كان الطلاق باطلا وجب عليه الانفاق على الثانية.
وهذا علم اجمالي منجز لتعارض الاصول. اصالة البراءة عن حرمة الاستمتاع، معارض باصالة البراءة عن وجوب الانفاق على الثانية.
المثال الثالث: مثال للانحلال: مسافر نوى الاقامة عشرة ايام، فصلّى تمام وبعد فراغه عدل عن قصد الاقامة، الحكم الشرعي: ان من عدم عن قصد الاقامة بعد ان صلى رباعية يبقى على التمام وان عدم عن قصد التمام. صلى الظهر تماما ثم عدل عن عن الاقامة بعد صلاة الظهر لكن حكمه ان يصلي العصر تماما، بعد ان صلى العصر تماما حصل لديه علم اجمالي بأن احداهما باطلة، ام الظهر التي صلاها تماما قبل قصد الاقامة او العصر التي صلاتها تماما بعد قصد الاقامة. احداهما باطلة جزماً.
هنا صورتان:
الصورة الأولى: أن يكون ذلك، ما زال الوقت باق، فهو يعلم اجمالا اما ببطلان الظهر او ببطلان العصر قطعا ينحل لعلم تفصيلي بأن العصر باطلة على كل حال اما لانها هي الباطلة او لأجل بطلان الظهر، متى بطلت الظهر بطلت العصر، فهنا يعلم تفصيلي _حصل انحلال حقيقي_ أن العصر باطلة اما لانها باطلة او ان الظهر باطلة، فاذا كانت العصر باطلة إذاً تجري قاعدة الفراغ لصلاة الظهر بلا معارض.
اما اذا انقضى الوقت: انقضى الوقت وبعد ان دخل وقت المغرب حصل لديه علم اجمالي اما صلاة الظهر باطلة التي صلاها قبل قصد التمام؟ او صلاة العصر باطلة التي صلاها بعد العدول.
إذا لم نقل بأي مبنى آخر، نقول: حكمها حكم من كان علم اثناء الوقت، بالنتيجة هو يعلم تفصيلا ببطلان العصر. أما لانها باطلة او لان الظهر هي الباطلة.
اما لدينا مبنيان آخران موجدان في كلمات سيدنا الخوئي «قده»: المبنى الأول: هو من صلى تماما في موقع العصر جاهلا بالموضوع ولم يلتفت الا بعد خروج الوقت فصلاته صحيحة. لصحيحة العيص ابن القاسم عن ابي عبد الله عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة؟، قال : ان كان في وقت فليعد، وان كان الوقت قد مضى فلا».
ظاهرها: ان من صلى في مورد القصر جاهلا ولم يلتفت الا بعد خروج الوقت فصلاته صحيحة.
نحن نريد ان نطبق هذا على محل الكلام. إذاً ليس عنده علم تفصيلي ببطلان العصر، على هذا المبنى، ليس عنده علم تفصيلي ببطلان العصر، إن كانت الظهر صحيحة فالعصر باطلة، لكن ان كانت الظهر باطلة لا يعني ان العصر باطلة، لان هذه العصر صلاها تماما في موضع القصر، فهو لم يصل رباعية صحيحة. الذي يبقى على التمام من صلى رباعية صحيحة بعد قصد الاقامة. أما من صلى رباعية باطلة لا يبقى على التمام، فهذا إن كانت صلاة الظهر منه باطلة معناه ان وظيفته كانت القصر في صلاة العصر، لكنه صلاها تماما، فهو ممن اتم في موضع القصر جاهلا ولم يتذكر الا بعد خروج الوقت ففي مثله لا يعيد الصلاة.
إذاً في هذا الفرض لم يكن لدينا انحلال، فيكون العلم الاجمالي منجزاً. قاعدة الفراغ في صلاة الظهر التي صلاها تماما معارضة بقاعدة الفراغ في صلاة العصر. أصالة البراءة عن وجوب القضاء في صلاة الظهر معارضة بأصالة البراءة عن وجوب القضاء بصلاة العصر، العلم الاجمالي منجز.
لكن، هناك مبنى آخر للسيد الخوئي أيضاً، وهو: من نسي الظهر او أتى بها باطلة، فذكر وهو في العصر او بعد فراغه من العصر بعد ان صلى العصر التفت ان صلاة الظهر ما اتى بها او التفت ان صلاة الظهر باطلة؟، ماهي وظيفته عن السيد الخوئي؟ وظيفته يحتسب ما صلاه عصرا ظهرا، ويأتي بصلاة العصر لصحيحة زرارة: «اذا نسيت الظهر فذكرتها وانت في العصر او بعد فراغك منها فانوها الأولى فإنما هي اربع مكان اربع». هذه الرواية المشهور عمل بها السيد الخوئي لانه يرى ان اعراض المشهور ليس موهنا للحجية. افتى على طبق هذه الرواية.
على هذا المبنى للسيد الخوئي، وهو: ان من التفت انه ما اتى بالظهر او اتى بالظهر باطلة بعد دخوله في العصر او بعد فراغه من العصر ويأتي بالعصر.
كيف نطبق هذا المبنى على محل كلامنا؟ وهل نتيجة تطبيقه على محل كلامنا ينحل العلم الاجمالي حكما؟ ام لا ينحل العلم الاجمالي؟.
وهل نتيجة تطبيقه على محل كلامنا ينحل العلم الاجمالي حكما ام لا ينحل العلم الاجمالي؟.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo