< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

36/12/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

تنبيهات في المسألة:
التنبيه الاول: سبق أن ذكرنا: أنّ المكلف إذا علم اجمالاً بتكليف كما إذا علم اجمالاً إما بوجوب صوم يوم الغدير أو بحرمة صوم عاشوراء. وبعد فترة علم تفصيلاً بحرمة صوم عاشوراء وأن هذه الحرمة ثابتة من الاول. أو علم اجمالاً بنجاسة أحد الإناءين في يوم الجمعة وفي يوم الأثنين علم تفصيلاً بنجاسة إناء باء منذ يوم الجمعة، فحينئذٍ في هذا الفرض ذكرنا تفصيلا وهو ان المعلوم بالاجمال تارة يكون فردا واقعيا، وتارة يكون المعلوم بالاجمال هو الجامع، فاذا كان المعلوم بالاجمال فردا واقعيا: كما إذا علم بنجاسة معينة وهي: نجاسة الإناء بقطرة دم معينة لكنه لم يعلم أين موطن هذه القطرة، ثم في يوم الاثنين علم بوجود قطرة دم في إناء باء منذ يوم الجمعة، فهنا: لا ينحل العلم الاجمالي حقيقةً. وسبق وجهه. وتارة يكون المعلوم بالاجمال هو الجامع، بمعنى: أن المكلف وجد اناءين لدى الكافر، وعلم بمقتضى العادة أن الكافر لا محالة ساور أحد الإناءين بمقتضى العادة. هذا كان في يوم الجمعة، ثم في يوم الاثنين، علم أن الكافر ساور اناء باء فهنا: في مثل هذ الصورة: حيث علم بالجامع فقط وهو نجاسة احدهما لا نجاسة فرد معين من بينهما، فاذا علم بأن اناء باء نجس ينحل العلم الاجمالي السابق الى علم تفصيلي بنجاسة اناء باء وشك بدوي في نجاسة إناء الف فهو مجرى لأصالة الطهارة.
فبحسب مبنانا:
لابّد أن يُفصّل في العلم الاجمالي: هل أنّ العلم الإجمالي كان علماً بالفرد؟ أو كان علماً بالجامع؟. فإن كان علماً بالفرد فالعلم التفصيلي المتأخر حدوثاً والذي كان معلومه سابقاً زماناً إنما يوجد الانحلال الحقيقي للعلم الاجمالي إذا كان العلم الاجمالي علماً بالجامع. هذا سبق بيانه. ولكن، الاعلام المحققين وهم: المحققون الثلاثة «النائيني والاصفهاني والعراقي» ذهبوا الى الانحلال في المنجزية مطلقا. فقالوا: العلم الاجمالي الذي تعقبه علم تفصيلي منحل من حيث المنجزية وليس منحلاً حقيقةً. وكل عبّر بتعبير ونحن نريد ان نقارن بين هذه التعبيرات الواردة في كلماتهم: فالمحقق النائيني بحسب فوائد الاصول: قال: العلم الاجمالي ليس علما بتكليف فعلي على كل تقدير ويشترط في منجزية العلم الاجمالي ان يكون علما بتكليف فعلي على كل تقدير. بيان مطلبه: إذا علم المكلف بنجاسة احد الاناءين يوم الجمعة، ثم في يوم الاثنين الذي بعده علم تفصيلا بأن إناء ألف نجس منذ يوم الجمعة. فيقول المحقق النائيني: إذا العلم الاجمالي بنجاسة أحد الإناءين ليس علماً بتكليف فعلي على كل تقدير، لأنه لو كان المعلوم بالاجمال هو نجاسة إناء الف فقط علم به تفصيلاً وبما انه علم به تفصيلاً إذا العلم الاجمالي ليس علما بتكليف فعلي على كل تقدير، فما هو مراده من الفعلي؟.
ليس المراد من «الفعلي» ما قابل المتنجز. فإنّ المحقق النائيني «قده» يرى: أن للحكم مرتبتين: مرتبة الفعلية ومرتبة التنجز. والمقصود بمرحلة الفعلية: الفعلية بفعلية الموضوع وان لم يعلم المكلف به، كما إذا مات مسلم بين يديه وهو لا يعلم بموته، فان وجوب تجهيز المسلم فعلي في حقه لفعلية موضوعه وان لم يتنجز للجهل به، فهنا عندما يقول المحقق النائيني: ان العلم الاجمالي ليس علما بتكليف فعلي على كل تقدير، لا يقصد الفعلي بمعنى فعلية الحكم بفعلية موضوعه وان لم يعلم به المكلف فان المعلوم هنا حكم فعلي على كل تقدير. انما يقصد بالفعلية هنا: الفعلية بمعنى المحركية بالوصول، اي هل يعلم المكلف بحكم محرك لوصوله على كل تقدير؟ أم لا؟. يقول: لا، لانه بعد ان علم تفصيلاً بنجاسة اناء الف منذ يوم الجمعة هو نجس فالعلم التفصيلي علم بحكم محرك، إذاً العلم الاجمالي بنجاسة الف أو باء ليس علماً بتكليف محرك على كل تقدير لوجود علم تفصيلي بتكليف محرك. فمراده من الفعلية: العلم بتكليف محرك على كل تقدير، وهذا ليس منطبقا على المقام، لأن هذا التكليف المعلوم بالاجمال لو كان هو المعلوم بالتفصيل لم يكن محركا على كل تقدير بل كان محركا بواسطة العلم التفصيلي.
هذا ما ذكره المحقق النائيني.
أما المحقق الاصفهاني: قال: إذا علم اجمالاً بنجاسة احد الاناءين يوم الجمعة وفي يوم الاثنين علم بنجاسة باء منذ يوم الجمعة فالعلم الاجمالي ليس علماً بتكليف جديد على كل تقدير، إذ لو كان المعلوم بالاجمال في طرف باء فهذا علم بتكليف جديد، اما إذا كان المعلوم بالاجمال في طرف ألف فليس علما بتكليف جديد لان العلم التفصيلي يقول هذا نجس منذ يوم الجمعة، فالعلم الإجمالي بنجاسة أجد الإناءين منذ يوم الجمعة ليس علما بتكليف جديد. إذاً إذا جئنا لعبارة المحقق النائيني يقول: العلم الإجمالي ليس علماً بتكليف فعلي على كل تقدير، أي: ليس علما محرّكاً على كل تقدير، إذ لو كان المعلوم بالاجمال هو ما علمناه تفصيلاً فالمحرك هو العلم التفصيلي لا العلم الاجمالي.
وعندما نأتي لكلام المحقق الاصفهاني نجده يقول: العلم الاجمالي في المقام ليس علما بتكليف جديد، اذ لو كان المعلوم بالإجمال هو نفس المعلوم بالتفصيل لم يكن علماً بتكليف جديد.
والجواب عن كلتا العبارتين واحد: لا برهان على اشتراط منجزية العلم الاجمالي بأن يكون علماً بتكليف فعلي على كل تقدير أو علماً بتكليف جديد. لا يعتبر في منجزية العلم الاجمالي اكثر من وجوده، متى ما وجد علم اجمالي وكان بنحو القضية المنفصلة وهي: أن المعلوم بالاجمال اما هذا واما هذا، فمتى وجد العلم الاجمالي بنحو القضية المنفصلة فلا محالة يكون هذا العلم الاجمالي منجزاً، ولا يشترط في منجزيته ان يكون علما بتكليف فعلي على كل تقدير أو علما بتكليف جديد. فان هذا لا برهان عليه.
اما العراقي فقال: السرّ في عدم منجزية العلم الاجمالي أنّه: يعتبر في منجزيته: أن يكون مستقلّاً في المنجزية، والعلم الاجمالي هنا ليس مستقل في المنجزية، إذ لو كان المعلوم بالاجمال طرف باء لكان المنجز له هو نفس العلم الاجمالي، اما لو كان المعلوم بالاجمال هو طرف الف، فقد تنجز بالعلم التفصيلي، فالعلم الاجمالي ليس مستقلا في تنجيزه لتنجزه بالعلم التفصيلي. فيعتبر في منجزية العلم الاجمالي: أن يكون مستقلا في المنجزية، فمتى ما كان معلومه متنجزا بمنجوز اخر لم يكن هذا العلم الاجمالي منجزاً.
والتعليق على كلام العراقي:
تارة نفترض ان العلم التفصيلي معاصر ومقارن للعلم الاجمالي، اي في يوم الجمعة في الساعة الخامسة علم اجمالا بنجاسة احد الاناءين في هذه الساعة علم تفصيلا بنجاسة ألف، هنا نعم، العلم الاجمال اصلا ليس صالحا للمنجزية لتنجز احد طرفيه بعلم تفصيلي مقارن. فهذا العلم الاجمالي ليس صالحا للمنجزية، هذا العلم الاجمالي ليس علما بتكليف فعلي على كل تقدير كما عبّر النائيني، وليس علما بتكليف جديد كما عبّر الاصفهاني.
أمّا إذا افترضنا اننا علمنا اجمالا بنجاسة أحد الاناءين في يوم الجمعة، وفي يوم الاثنين علمنا تفصيلا بنجاسة ألف منذ يوم الجمعة. فالعلم الاجمالي قبل حصول العلم التفصيلي كان منجزاً، حدث الآن علم تفصيلي هل يسلب العلم الاجمالي السابق عن المنجزية أم لا؟، نقول: لا يسلبه عن المنجزية الا إذا قلتم بأن المتنجز لا يتنجز، وهذا الاية غير صحيحة، يمكن ان يكون التكليف الواحد متنجز بمنجزين، فهذا التكليف الواحد متنجزاً بمنجزين، فهذا التكليف الواحد في طرف باء متنجز بتنجز واحد وهو العلم الاجمالي، وفي طرف ألف متنجز بمنجزين العلم الإجمالي والتفصيلي معاً. فإنّ العلم مجرد طريق الى الواقع، فيمكن أن يقال: ذلك الواقع تنجز بعلمين، تنجز بطريقين. إذاً فالذي نريد ان نقوله في هذا التنبيه: هو: لا يغرنك اختلاف العبارات وتظن ان وراء هذه العبارات مطلباً لا يمكن الوصول اليه أو مطلبا مستقلا عما في العبارة الأخرى. فعندما يعبّر المحقق النائيني «قده»: بأنّ العلم الاجمالي يعتبر في منجزيته: ان يكون علماً بتكليف فعلي على كل تقدير فمراده من ذلك: ان يكون علما بتكليف محرك على كل تقدير، ان كان في هذا الطرف فالعلم الاجمالي محرك ان كان في هذا الطرف فالعلم الاجمالي محرك، وقلنا بان هذا الاية النائئينية مما لا برهان عليها. فماذا يقال في العلمين المشتركين في طرف واحد: مثلا: اعلم اجمالا اما بنجاسة الف أو باء وفي نفس الوقت اعلم اجمالا اما بنجاسة باء أو غصبية جيم، فباء طرف مشترك بين علمين اي ان باء متنجز بعلم اجمالي ومتنجز بعلم اجمالي آخر ففي مثل هذا الفرض ماذا تقولون؟. هل تقولون ان العلمين الاجمالين غير منجزين؟ لأن كلا منهما ليس علماً بتكليف محرّك على كل تقدير. نقول: لا، كلا العلمين منجزين، فألف منجز بالعلم الاول وجيم منجز بالعلم الثاني وباء منجز لكلا العلمين. مع أنّ العلم الاجمالي بنجاسة الف أو باء ليس علماً بتكليف محرك على كل تقدير لأنه في طرف باء يوجد محرك آخر، وكذلك بالنسبة الى رأي المحقق الاصفهاني عندما قال: يعتبر في منجزية العلم الإجمالي أن يكون علماً بتكليف جديد. هنا لا ينطبق على المثال في العلمين المشترك في طرف واحد. ليس علما بتكليف جديد. فالعلم الاجمالي الاول بالنسبة لالف والعلم الاجمالي الثاني بالنسبة الى جيم علم بتكليف جديد، لكن كلا العلمين بالنسبة الى باء ليس علماً بتكليف جديد حيث أن باء معلوم بالأول ومعلوم بالثاني. وكذا بالنسبة الى رأي العراقي: حيث قال المحقق العراقي: يعتبر في منجزية العلم الاجمالي أن يكون صالحاً، أي مستقلا في المنجزية، هنا كلا العلمين غير مستقل في المنجزية، لان كليهما بالنسبة لباء غير مستقل في المنجزية حيث ان باء متنجز لكليهما، ولا مانع ان يكون المعلوم الواحد متنجزا بمنجزين. فتحصّل من ذلك: أن جميع هذه العبارات ليست كافية لانحلال العلم الاجمالي بلحاظ المنجزية. فالصحيح: التفصيل الذي ذكرناه بلحاظ الانحلال الحقيقي. وهو: إن كان العلم الاجمالي علماً بفرد لم ينحل حقيقة بل ينحل حكما. وإن كان العلم الاجمالي علما بالجامع انحل حقيقة بلا حاجة الى الانحلال الحكمي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo