< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/04/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

المسألة عشرون: من مسائل متن العروة في لباس المصلّي:
حيث قال سيد العروة «قده»: الظاهر عدم الفرق في عدم صحة الصلاة بين ما يحرم أكله بالأصالة أو بالعرض كالموطوء والجلّال وإن كان لا يخلو عن إشكال. وقد تعرّض سيدنا «قده» في موضعين في «ج12، ص302» عند شرحه للمسالة، وتعرّض لها ايضا في «ص226» بعنوان: الجهة السابعة. وملخّص الكلام في هذه المسألة أن هناك عدة مطالب:
المطلب الاول: هل أن عنوان «ما يحرم أكله» المأخوذ في موثقة ابن بكير ملحوظ على نحو الموضوعية؟ أو أنه ملحوظ على نحو المشيرية؟
وقد تعرّضنا لهذا المطلب أمس وقلنا: بأننا لو خليّنا وموثق ابن بكير لقلنا بأن مقتضى قاعدة الاحتراز أن لعنوان «ما يحرم اكله» موضوعية في فساد الصلاة، ولكن حيث دلّت مجموعة من الروايات على أنّ المناط في فساد الصلاة السبعية أو كونه ممن يصيد أو نحو ذلك فبالتالي صار عنوان ما يحرم أكله مشيرا إلى ما هو موضوع المانعية لا ان موضوع المانعية ما يحرم اكله. سبق هذا الكلام.
المطلب الثاني: هل المدار في الحرمة على بالفعل أو تشمل الحرمة الجعلية وان لم تكن فعلية. فإذا قلنا بأن المدار في فساد الصلاة على الحرمة الفعلية ولا يكفي الحرمة الجعلية فمقتضى ذلك عدم صحة الصلاة في جلد الشاة المضرة للبدن بلحاظ انه يحرم اكلها فعلاً، لكون لحمها مضطرا بالبدن مع انها ليست محرمة جعلاً، فبما انها محرمة بالفعل لكون أكل لحمها مضرا والمدار في المانعية على الحرمة الفعلية فمقتضى ذلك فساد الصلاة في صوف الشاة التي يحرم أكلها فعلاً لكون أكلها مضرّاً. كما أنه مقتضى هذا المبنى صحة الصلاة فيما يحل أكله فعلاً وإن كان محرّماً جعلاً، فمن اضطر لأكل لحم الاسد أو أكل لحم الثعلب، فيقال: تصح صلاته في جلد الاسد لكون أكله حلالاً له بالفعل لأجل اضطراره اليه، وان كان اللحم محرما بحسب الجعل. هذا إذا قلنا المناط هو الحرمة الفعلية.
واما إذا قلنا ان المناط الحرمة الجعلية: أي المجعولة بالعنوان الاولي: فلا تصح الصلاة في جلد الاسد لأنه محرم بالعنوان الأولي وإن حلّ أكله حال الاضطرار، كما تصح الصلاة في صوف الشاة لأنها محللة بالعنوان الأولي وإن حرم أكلها بالفعل لأجل الضرر مثلاً، فما هو الحق؟.
فقد افاد سيدنا «قده»: أن الحق هو أن المدار على الحرمة الجعلية لا على الحرمة الفعلية، وذلك لوجوه ثلاثة:
الوجه الاول: ما ذكره «ج12، ص229»: إن لازم اناطة المانعية بالحرمة الفعلية اختلاف الحكم باختلاف الاشخاص فالصلاة في جلد هذه الشاة حرام على شخص لأن اللحم يضره وحلال لشخص اخر لأن اللحم لا يضره، بل لازم هذا المبنى اختلاف الحكم باختلاف الشخص الواحد، فنقول: لا تجوز لك الصلاة اليوم في هذا الجلد لأنك يحرم عليك أكل اللحم هذا اليوم لأنه يضرك، ويجوز لك الصلاة في جلدها غداً لأن الضرر قد ارتفع. كما ان لازم هذا المبنى اختلاف الحكم باختلاف الزمن، مثلا: في نهار رمضان لا يجوز له أكل لحم الشاة لأنه مفطّر، فمقتضى ذلك انه لا يصلي في جلدها في النهار لأنه في النهار يكون الصلاة في جلد الشاة صلاة فيما يحرم كله بالفعل، فإذا صار الليل جازت له الصلاة في جلد الشاة لأنه جلد ما يحل أكله بالفعل. بعد ان تعرض لهذه اللوازم، قال: وهذا كما ترى مضافا إلى بعده في نفسه لا يحتمل ان يلتزم به الفقيه.
ولكن هذا الوجه من الاستدلال محل منع للنقض والحل:
أما النقض: فبالمسلوس والمبطون، فإنه في حال يكون سلسه مستوعبا للوقت تصح صلاته وهو محدث، وفي حال تكون له فترة طاهرة ولو في الليل أو في اليوم الثاني يتغير حكمه فلا تصح صلاته وهو محدث مع انه شخص واحد، امس كانت تصح صلاته وهو محدث لاستيعاب سلسله، واليوم لا تصح صلاته وهو محدث لعدم استيعاب سلسله. وكذلك الأمر في لبس الحرير كما ذهب إليه سيد العروة ومنهم السيد الأستاذ خلافا للسيد الخوئي فإنه لا يلتزم به، وهو انه: إذا اضطر الرجل إلى لبس الحرير أو لبس الذهب لأجل خوف أو برد أو حرب حيث يجوز لبس الحرير في الحرب. فهل تجوز له الصلاة فيه أم لا؟
فقد ذهب سيد العروة وجمع إلى صحة الصلاة فيه، إذا اضطر للبسه اليوم صحت الصلاة فيه واذا ارتفع الاضطرار غدا لم تصح الصلاة فيه.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى اختلاف الزمن، مثلاً: من كان جنباً في نهار شهر رمضان وقلنا بمفطّرية الارتماس ولم يتمكن هذا الجنب إلّا من الغسل الارتماسي، فإن هذا الجنب لا تصح صلاته في النهار إلّا بتيمم لأن الارتماس مفطّر فالغسل الارتماسي باطل، ونفس هذا الجنب إذا حلّ الليل لا تصح صلاته إلّا مع الغسل مع الطهارة المائية. فاختلاف الحكم باختلاف حال الشخص أو اختلاف الزمن ليس امراً عزيزاً في الفقه كي يكون موجباً للاستبعاد في نفسه.
أما الحل: فإن البعد انما يتصور مع اختلاف الأمر لا مع اختلاف المأمور به، وقد تعرضنا لهذه المسالة مراراً. مثلاً: ما ذكره سيدنا الخوئي «قده» في آخر صلاة المسافر وفي بحث الصلاة الاستئجارية، قال هناك: هل السفر والحضر موضوع للحكم أم قيد في المتعلق؟ فالمشهور أن السفر والحضر موضوع للحكم فإذا كان موضوعا للحكم فلازم ذلك انه إذا كان اول الوقت حاضرا يامر بالتمام، ثم يسافر 22 كيلو فيأمر بالقصر، ثم يرجع إلى البلد فيؤمر بالتمام، ثم يخرج مرة اخرى فيؤمر بالقصر، فإذا افترضنا انه سافر خلال الوقت من الظهر إلى الغروب عشرين مرة فلازم ذلك انه توجه إليه عشرون خطابا، وهذا مما يبعد الالتزام به. لذلك سيدنا قال: لذلك كان الحضر والسفر قيد في المتعلق وليس قيد في الموضوع، بمعنى ان نقول: متى ما دخل وقت الزوال على البالغ العاقل وجب عليه طبيعي صلاة الظهر الجامع بين التمام في فرض الحضر والقصر في فرض السفر فيكون السفر والحضر قيد في المتعلق لا في الموضوع. بمعنى _الفرق بينهما_: ان السفر والحضر يكون قيداً في الصحة لا قيداً في الخطاب فهو مأمور بالجام بينهما، غاية الأمر لا تصح منه التمام إلّا إذا كان مسافرا لا ان هناك أوامر عديدة بل ليس في حقه إلّا أمر واحد بمأمور به واحد وهو طبيعي الصلاة الجامع بين القصر والتمام. ففي المقام كذلك يقال: انه إذا دخل الزوال على البالغ العاقل وجب عليه طبيعي الصلاة الجامع بين الصلاة في جلد الشاة حال اختياره، والصلاة في غيره حال ضرر الشاة عليه فهو لا يوجد امرين في حقه فنقول هناك امران خطابان في حقه خوطب بأن صلي في جلد الشاة: إذا كان اكلها لا يضرك. وخوطب بأن لا تصلي في جلد الشاة إذا كان اكلها مضرّاً. هذا بعيد ان يوجه له خطابان، أما إذا كان المأمور به واحداً وهو الطبيعي الجامع، انت مأمور بالجامع بين الصلاة والصلاة في كذا، غاية الأمر لا تصح منك الصلاة في جلد الشاة حال كونه ضررا وتصح منك حال كون لحمه سليما مثلاً. إذن الاستبعاد إنما يتم لو التزمنا بتعدد الأمر والخطاب لا ماذا التزمنا ان المأمور به هو الطبيعي الجامع بين الحالات والافراد.
الوجه الثاني: نصوغه بصياغة أخرى:
الاشكال الثاني: إن لازم هذا المبنى هو «اناطة صحة الصلاة بالحليّة الفعلية، وإناطة فساد الصلاة بالحرمة الفعلية» لازم هذا المبنى: أنه لو زال الحكم التكليفي لا محرم ولا محلل، أي بأن خرج هذا الحيوان عن موضوع الحرمة والفعلية بالمرة. فلازم كلامكم عدم صحة الصلاة فيه لأن صحة الصلاة منوطة بالحلية الفعلية، فإذا لم يكن الحيوان لا حلالا ولا حراما فلا تصح الصلاة فيه. مثلاً: إذا تلف لحم الحيوان فلم يبق منه إلّا جلده فهذا الحيوان صاحب هذا الجلد لحمه الآن لا هو حرام ولا هو حلال، تلف، فإذا تلف خرج عن موضوع الحرمة والحليّة الفعليتين، لا يقال له حرام فعلاً ولا يقال له حلال فعلاً. فماذا تقولون بهذا الفرض؟.
أو إذا كان اللحم خارجا عن محل ابتلائه، الجلد لديه لكن اللحم خارج عن محل ابتلائه أو لا يمكن الوصول اليه. ففي فرض يزول الحكم التكليفي فيه لتلف اللحم أو للعجز عن تناوله ماذا تقولون؟ فهل تلتزمون بعدم صحة الصلاة، لأن الصحة منوطة بالحلية الفعلية ولا معنى للحلية الفعلية مع التلف والعجز؟ أم ماذا؟.
لكن، لعل مقصود من يرى هذا المبنى من اناطة صحة الصلاة وفسادها في الحرمة والحلية الفعليتين، الفعلي الأعم من التنجيزي أو التعليقي، فيقول: جلد هذا الحيوان لو كان لحمه بين يدي لكان حرام كله فجلده لا تصح الصلاة فيه، ولو كان بين يديه فعلاً لكان مما يحل أكله لصحت الصلاة فيه، فإذا كان المنظور الحرمة الفعلية الأعم من التنجيزية أو التعليقة لم يرد هذا الاشكال.
الوجه الثالث _وهو المهم_: إنّ موضوع المانعية الحرمة الناشئة عن وصف في الحيوان، سواء قلنا بمبنى المشيرية أو قلنا بمبنى الموضوعية لا فرق بين المبنيين في هذه الجهة خلافاً لسيدنا الخوئي «قده» كما شرحناه امس. فمثلاً: إذا قلنا بالمشيرية أي ان عنوان «ما حرم أكله» في موثق ابن بكير مشير للعناوين المحرمة، فالمقصود بالعناوين المحرمة المشار إليه بكلمة «ما يحرم أكله»: ما حرمت لوصف في الحيوان، ككونه سبعا ككونه مسوخا ككونه ذا سبلة كسبلة السنور وامثال ذلك، الحرمة ناشئة عن وصف في الحيوان، واما الحرمة الناشئة لا عن وصف في الحيوان كالحرمة الناشئة عن الضرر فإن الضرر ليس وصفاً للحيوان بما هو حيوان إذ الضرر يحصل من أي طعام، أو الحرمة الناشئة عن الغصب، فإن هذه الحرمة تشمل كل مغصوب سواء كان من المأكول أو غيره من الحيوان أم غيره، إذن ظاهر هذه النصوص «ما حرم أكله لا تصح الصلاة فيه» يعني ما حرم أكله لوصف فيه، لا ما حرم أكله لعارض يترتبط بالمكلف لا لوصف في الحيوان. هذا إذا قلنا بالمشيرية.
وكذلك إذا قلنا بالموضوعية: فإن ظاهر الموثق: إناطة المانعية بما كان حراماً في نفسه، لا ما كان حراماً لأجل اضطرار أو غصب أو ما شابه ذلك. هذا الكلام متين. بناء على هذا الكلام ليس المدار على الحرمة الفعلية بل على الحرمة الجعلية.
المطلب الثالث: هل المدار في المانعية على الحرمة الذاتية أو الاعم؟ يعني هناك حرمة ذاتية للحيوان كحرمته لكونه سبعا، وهناك حرمة عرضية للحيوان كحرمته لكونه موطوئا للانسان أو لكونه مرتضعا من لبن الخنزيرة، فهل تشمل المانعية الحرمة العرضية؟ أم لا؟. ولابد من عرض المباني:
المبنى الاول: بناء على المختار عندنا وفاقاً للسيد الأستاذ: من ان موضوع المانعية ليس ما «حرم اكله» بل موضوع المانعية اخص منه قد يكون السبعية قد يكون أي شيء آخر. بناء على ان موضوع المانعية عنوان خاص لا عنوان «ما حرم أكله»، فمن الواضح على هذا المبنى لا تشمل المانعية ما حرم بالذات غير العنوان الخاص فضلاً عما حرم بالعرض. ولذلك السيد الأستاذ في «المنهاج» لم يعمم المانعية في الموطوء والمرتضع وأشباه ذلك.
المبنى الثاني: وهو مبنى المحقق النائيني: موضوع المانعية ما حرم أكله لكن لا موضوعية لحرمة الأكل بل ان موضوع حرمة الأكل بل لأن عنوان حرمة الأكل مشير إلى عناوين معينة، على مبناه ذكر في رسالته في «اللباس المشكوك، ص86» قال: على مبنانا تعتم، لأن المقصود بما حرم اكله: الاشارة إلى ما حرم الشارع أكله لوصف فيه ولا فرق في ذلك الوصف بين ان يكون ذاتيا أو عرضياً.
المبنى الثالث: المختار لدى سيدنا «قده» وشيخنا الأستاذ «قده»: من ان موضوع المانعة «ما حرم أكله» على نحو الموضوعيةن فمقتضى ذلك ان ندور مدار صدق كلمة «ما يحرم أكله» وحيث ان هذا العنوان صادق على ما يحرم أكله بالعرض فتشمله المانعية.
إلّا أن يقال: حتى على هذا المبنى وهو: ان موضوع المانعية «ما حرم أكله» على سبيل الموضوعية، فيقال: بأن عنوان «ما حرم اكله» ظاهر في الحرمة الثابتة للحيوان مع غمض النظر عن حال المكلف، أي الثابتة للحيوان بما هو لا بلحاظ وصف في المكلف. فمثلاً: حرمة الحيوان لكونه سبعا، لا علاقة لها بالمكلف أيّاً كان حاله. وأما حرمة الحيوان لكونه موطوئاً فليس الحرمة الثابتة للحيوان مع غمض النظر عن المكلف، بل ثبتت للحيوان لوصف في المكلف. نعم، هذا لا يشمل المرتضع من لبن الخنزيرة، لأن هذا وصف ثابت للحيوان مع غمض النظر عن المكلّف. فتأمل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo